السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حكايات عن أشهر الأغانى الصوفية

مَوْلاى إنّى ببَابِك

الأغنية الدينية بشكلها المعاصر القائمة على الغناء والموسيقى تدين فى ذيوعها وشهرتها لسبعة: أم كلثوم، محمد الكحلاوي، عبد الفتاح مصطفى، رياض السنباطي، ياسين التهامى، وأمير الشعراء أحمد شوقى، وسلطان العاشقين عمر بن الفارض، هذا ما كشفه الكاتب الصحفى أيمن الحكيم بكتابه المتفرد «أنغام الروح - حكايات عن أروع الأغانى الصوفية»، الصادر عن مركز «إنسان» للنشر والتوزيع 2021.



البحث فى تراث الأغنية الدينية الصوفية تتطلب من الكاتب جهدا استثنائيا حيث إن العقبة الأهم أنه لا توجد مراجع بالمكتبة الموسيقية بل توجد إشارات فى كتب متناثرة، لذلك يمثل الكتاب أول بحث حقيقى عن مسيرة الأغنية الصوفية برصد بداياتها تاريخيا وتحولاتها وتطورها.

 اختار الحكيم 30 أغنية بحسب ذائقته الخاصة وهى أغان تمثل علامات فى الأغنية الصوفية لمطربين ومطربات من مختلف الأجيال والمدارس الغنائية منهم: أم كلثوم، أسمهان، ليلى مراد، فايزة أحمد، نجاة، محمد ثروت، ياسين التهامي، عايدة الأيوبي، وديع الصافى، محمد طه وآخرون. كشف كواليس وحكايات كل أغنية وأسباب ظهورها وتناولها بالتوثيق والتحليل والرؤية النقدية.

اختار لكل حكاية عنوانا جذابا ساهم فى إبقاء شغف القراءة مثل: أغنية صوفية حولها السنباطى إلى منشور سياسى تحريضى، ماهر زين مداح الرسول الذى لا يحفظ (الفاتحة)، كاظم الساهر يهزم أوركسترا عمر خيرت، أغنية نجاة التى تنبأت بظهور داعش، محمد فوزى يغسل سمعة الشاعر العربيد... وغيرها.

اخترنا لكم بعضا مما جاء بالكتاب..

لأجل النبى

انتقل من نجومية الكرة كلاعب فى نادى الزمالك إلى نجومية الفن والسينما والغناء والشهرة قدم 18 فيلما وشارك بألحانه فى 48 فيلما وصل أجرة إلى 7 آلاف جنيه فى الأربعينيات، وترك كل ذلك ودخل عالم الزهد والتصوف ولم ينقطع عن زيارة النبى لمدة أربعين عاما متواصلة حتى رحيله 5 أكتوبر 1982 بعد ثورة يوليو تنافس المطربون لتمجيد والغناء لعبد الناصر فيما عدا الكحلاوى الذى أعلن بشجاعة أنه لن يغنى لبشر بعد رسول الله، فهم عبدالناصر مبرره ومنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1967 وسلمه له بنفسه.

قدم نحو 600 أغنية فى محبة الله ورسوله. كان يحب لقب (مداح النبى) وهو يستحقه بجدارة فقد أوقف سنوات طويلة من عمره على مدح النبى، وأشهرهم «لأجل النبى تقبل صلاتى على النبى لاجل النبي» كلمات عبدالفتاح شلبى كلمات تدخل القلب ولا تغيب عن الذاكرة وأصبحت النشيد الشعبى المصرى فى عشق الرسول، قام بتلحينها الكحلاوى مثل باقى أغنياته الدينية، ورغم أنه لم يدرس الموسيقى ولا المقامات فكان أول من اخترع الضرب بالكفوف فى مصاحبة الغناء فمنح الأغنية مذاقا خاصا، وكل صياغاته قائمة على محاكاة الذكر الصوفى بتوقيع راقص.

مولاى إنى ببابك

الرئيس السادات من السميعة الكبار للغناء وكان متيما بصوت الشيخ سيد النقشبندى ومن محبة الرئيس له دعاه لحضور فرح ابنته وكان من بين المعازيم الملحن بليغ حمدى، وعرض السادات أن يتعاون بليغ والنقشبندى وإصدار قرار رئاسي لهما بالعمل معا، وطلب من الإذاعى الشهير وجدى الحكيم أن يفتح لهم الاستديو للتسجيل.

وبحسب ما رواه وجدى الحكيم للكاتب أيمن الحكيم أن النقشبندى أحس بأن السادات وضعه فى ورطة لأنه ينشد على طريقته وبلا موسيقى ويرى أن المزيكا تفسد حالة الخشوع فى الإنشاد والابتهال. وقاله النقشبندى: «عايزنى أغنى على آخر الزمن يا وجدى».

تحمس بليغ حمدى للفكرة وكتب الكلمات الشاعر عبد الفتاح مصطفى لتناسب النقشبندى، واتفق وجدى الحكيم مع النقشبندى على طريقة وعلامة بينهما أن يأتى إلى الاستديو ويسمع ألحان بليغ، وسوف يتركه معه نصف ساعة، ولو دخل وجده ما زال لابس العمامة يبقى الموضوع مرفوض وتنهى المقابلة ونعتذر لبليغ. أما لو دخل فوجده خلع العمامة يبقى كده موافق على التعاون مع بليغ. وافق النقشبندى على مقترح وجدى الحكيم. وحدثت المفاجأة حين دخل وجدى الاستديو وجد النقشبندى خلع الجبة والعمامة والقفطان...! وقال لوجدي: «صاحبك بليغ ده جن مصور».

ولحن له بليغ 15 ابتهالا وتم إذاعتها ببرنامج يحمل اسم «أنغام الروح» تبرع فيه بليغ بأجره وكذلك النقشبندى، ومن بين الأدعية حققت: مولاى إنى ببابك/ قد بسطت يدى / من لى ألوذ به إلاك يا سندى... نجاح استثنائى إلى يومنا هذا، لحنها بليغ من مقام البياتى، حيث إن البياتى مقام السلطنة عند كبار المطربين وترك له بليغ حرية الارتجال داخل المقام الموسيقى.

رمضان جانا

الشهر الكريم لا يبدأ رسميا إلا ببيان المفتى عن رؤية الهلال وصوت محمد عبد المطلب يطل من الإذاعة ومن التلفزيون: رمضان جانا وفرحنا به/ بعد غيابه وبقى له زمان/ غنوا وقولوا شهر بطوله/ غنوا وقولوا أهلا رمضان/ بتغيب علينا وتهجرنا وقلوبنا معاك/ وفى السنة مرة تزورنا وبنستناك/ من إمتى وأحنا بنحسبلك ونوضبلك ونرتبلك/ أهلا رمضان جانا قولوا معانا أهلا رمضان كلمات حسين طنطاوى واختار عبد المطلب صديقه المقرب وعديله الملحن محمود الشريف الذى فك شفرة صوت عبدالمطلب وفهمه ومنحه بسخاء.

ولم يكن لعبدالمطلب وازع دينى عندما غناها بل وازع مالي كان يمر بأزمة مالية ووافق على غنائها فهى مختلفة عن اللون الشعبى الذى قدمه صوت محمد عبد المطلب وتقاضى عن الأغنية 6 جنيهات، لكنه قدمها بحب وخشوع صادق وتفاعل مع الحالة الإيمانية، وحققت نجاحا استثنائيا وصورت فيديو كليب ظهر فيه عبد المطلب يرتدى جلبابه ووراءه فتيات يحملن الفوانيس، ثم فى الثمانينيات تم تركيب الأغنية على مشاهد من شوارع القاهرة فى رمضان. وبعد 60 عاما أصبحت السلام الوطنى الرمضانى للشعب المصرى.

خد بإيدى

الفنانة العظيمة شادية لها تجربتان فى الغناء الدينى إحداهما بفيلم (اشهدوا يا ناس) والثانية بمسلسلها الإذاعى (نحن لا نزرع الشوك) إلا أن «خد بإيدي» الأغنية الأولى والأخيرة التى غنتها على خشبة المسرح فى حفل 1986.

كانت تمر بظروف فنية وإنسانية استثنائية، أثناء النجاح الأسطورى بمسرحية «ريا وسكينة»، شعرت بآلام وخضعت لعمليات جراحية قاسية ومع الأم الجسد صدمة رحيل شقيقها (طاهر) فجأة وكانت صدمتها أكبر من قدرتها على الاحتمال وتركت مجدها الفنى وسافرت أمريكا لشقيقتها عفاف.

وعادت تستأنف حياتها بإحياء حفل الليلة المحمدية فبحثت عن عمل يناسب المناسبة عرض عليها رئيس الإذاعة أغنية للشاعرة (عليه الجعار): وجه حبيبى وخد بإيدي/ قلت له أمرك يا سيدي/ جه وعرفنى طريقى وسكتى...

وجدت شادية بكلمات الأغنية المعنى الذى كانت تبحث عنه عن من يأخذ بيدها ويخلصها من حالة الصراع النفسى التى عاشتها. ولحنها عبدالمنعم الباردوى. وغنتها بالمسرح ووصلت إلى قمة مناجاتها فى الكوبليه الأخير من الأغنية وإعادتها للجمهور خمس مرات فى سابقة لأول مرة. ودموعها تلمع فى عينها وهى تجاهد لتداريها.

وخرجت شادية عن النص وارتجلت كلمة قالت فيها: «أنا سعيدة إن ربنا وفقنى فى تقديم أغنيات من اللون الجميل ضده، و- بإذن الله - تكون لنا لقاءات أخرى». وكأنها كانت تعلن نصف اعتزال لكن الأيام لم تتح لشادية أن تفى بوعدها واتخذت قرارا باعتزال الفن والتفرغ لمرضاة الله.

ع التوتة والساقية

الشاعر الصوفى عبدالفتاح مصطفى كتب 11 دعاء غناها العندليب كلها ولحنها محمد الموجى واختار لها قالبا لحنيا ثابتا تتغير فيه الكلمات وحدها، وكان دعاء (ع التوتة والساقية) له نصيب الأكبر فى قربه من قلوب الجمهور كلماته شديدة الروعة والجمال تفيض بمعانى الإيمان والخشوع: ع التوتة والساقية/ ألمح كل يوم عصفور/ فرحان يغنى ويرقص للندى والنور ولفظ رقص لم يستخدم من قبل بالأغانى الدينية.

توقف الكاتب أيمن الحكيم عند ما قاله الإذاعى وجدى الحكيم أن سبب حماس غناء حليم الأدعية وهو أن يتقى بها لسان الشيخ كشك، وأن حليم علاقته متوترة بالمؤسسة الدينية على خلفية بعض الكلمات: لا مسلم بالمكتوب ولا أرضى أبات مغلوب، وجئت لا أعرف من أين ولكنى أتيت، قدرا أحمق الخطى على حسب وداد قلبى.

رفض أيمن الحكيم التفسير السابق واعتبره تفسيرا متعسف ومتجاوز للحقيقة أنه لا يعقل أن يغنى حليم 11 دعاء ليطلب رضاء الشيخ أو أى رجل دين مهما كان لأن حليم محصن بشعبيته وجمهوره. وإن الشيخ كشك هاجمه بالفعل بعد (رسالة من تحت الماء) وقبلها (زى الهوى) فهل هذا يعنى أن خطة حليم لم تنجح!

الله وحده العالم بالنوايا لكن لدينا من الدلائل والإشارات التى تثبت أن لحليم جانبا صوفيا حقيقيا وأنه كان يقصد الغناء لوجه الله، وأنتج الأغانى على نفقته الخاصة وأهداها للإذاعة المصرية، ولم يتصنع حليم الخشوع حين يناجى المولى: اجعلنى صادق وأقول الحق لو كان مر/ علمنى ما اسمعش  إلا صوت ضميرى الحر..

يا نور على نور

من كلمات الشاعر الصوفى مجدى النجار وغناء وتلحين عمرو دياب جاءت أغنية: يا نورعلى نور/ اجعل فى قلبى نور/ اجعل فى سمعى نور/ اجعل كلامى نور/ اجعل فى عينى نور/ واحمينى من نفسى سجلت 1991 وكانت تذاع على إذاعة الشرق الأوسط عقب أذان المغرب بشهر رمضان.

يتضح من الدعاء تأثر عمرو دياب بمذهب العندليب فى الأدعية الدينية، هكذا قارن أيمن الحكيم بين العندليب وعمرو دياب فى الشخصية والتجربة الفنية أن كليهما لديه الذكاء الفنى والحضور وروح التحدى والمغامرة والإصرار. عمرو استعان برفيق رحلته مجدى النجار وكتب له 23 دعاء مثلما فعل حليم أن كتب عبدالفتاح مصطفى 11 دعاء، واختار عمرو أيضا لها نسقا لحنيا واحدا كما فعل الموجى فى أدعية حليم.. وتصادف ان الدعاء يذاع بعد دعاء يلى الأذان للشيخ الشعراوى، وهذا الأمر مصدر لسعادة عمرو والشاعر مجدى النجار، وكان والد عمرو (عبد الباسط دياب) من مريدى الشيخ الشعراوى وتربطهما صداقة فى آخر عشر سنوات من عمر الشعرواى. وكانت من أمنيات والد عمرو أن يقدم ابنه أغنية دينية، فكأن الأغنية كانت (ندر) منه لوالده.

مدد يا رسول الله

مدد يا رسول الله/ أقسمت بالإسراء/ وبراءة العذراء/ الدم كله سواء/ حرام بأمر الله للمطرب محمد منير والكلمات للشاعرة كوثر مصطفى ولحن تراثى وصارت من أجمل الأغانى الدينية وأكثرها تأثيرا، والكينج أول من أصدر البوما دينيا كاملا بعنوان (الأرض والسلام) كانت الأغنية ضمن الألبوم.. وعن كواليس الأغنية أن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 صار هجوما فجا على الإسلام وصمة بالإرهاب، فكر منير أن يرد على تلك الأكاذيب بفنه ويعرض سماحة الإسلام ومحبته لكل أنبياء الله. واختار منير كلمات وألحان صوفية كان يختزن من السنوات التى عاشها بقريته (منشأة النوبة)، وأعطاها للشاعرة لتكتب عليها ومن وحيها.

وسجلت الأغنية باستديوهات ألمانيا بمشاركة فريق ترانيم كنسية (شاليك براس) وتوزيع الموسيقار الألمانى «رومان بونكا». وجاءت الأغنية حالة صوفية فريدة حوار حقيقى بين الإسلام والمسيحية بلغة الموسيقى وكانت تجربة كان لها صداها العالمى، ومنح منير لقب مطرب السلام. غنوة سابقة عصرها لتجديد الخطاب الدينى على طريقة محمد منير.

صلينا الفجر فين

من كلمات فؤاد حداد وقصتها كما حكاها الملحن حسين فوزى للكاتب أيمن الحكيم أنه أثناء زيارته للشاعر الكبير فؤاد حداد فوجئ أنه منحه هدية 3 قصائد من بينها كانت قصيدة: صلينا الفجر فين/ صلينا فى الحسين والأزهر والإمام والسيدة المقام/ فى سندس ندى/ حرما يا سيدى وقام بتلحين الأغانى على العود وسجلها على شريط كاسيت وأعطاها لصديقه الكاتب خيرى شلبى، وحين سمعها المطرب على الحجار قرر يغنيها.

وعلم الملحن أن الشاعر فؤاد حداد قال لعلى الحجار إنها غنوة ثمنها 500 جنيه ووقتها هذا مبلغ خرافى، إلا أن على الحجار دفع وأخذ الأغنية وقرر الحجار تصويرها فيديو كليب على حسابه 1985، وكانت الأغنية ثورة فى الأغنية الصوفية من حيث التوزيع للموزع فتحى سلامة، وبعد عام ضمها إلى ألبومه (قلب الليل)، وكشف الحكيم سرا أن على الحجار باع سيارته ليكمل تكلفه الألبوم، ومن يعرفون على الحجار عن قرب يبصمون بالعشرة أنه على استعداد يبيع هجومه من أجل غنوة.

يا بركة رمضان خليكى فى الدار

حكى طارق محمد رشدى ابن المطرب محمد رشدى أن والده كان يرى أن أم كلثوم وصلت إلى الذروة فى الأغانى الدينية ولا يمكن أن ينافسها أحد مهما اجتهدوا فمن يستطيع أن يأتى بأغنيات مثل: نهج البردة، وسلوا قلبي، القلب يعشق كل جميل، إلى عرفات الله، رباعيات الخيام وغيرها.

استعاد رشدى الطقس الفلكورى الذى اختزنه من سنوات دسوق وما كان يسمعه من والدته التى كانت تغنى مع نساء بلدته على أسطح المنازل وبالأخص فى الأيام الأخيرة من شهر رمضان: يا بركة رمضان خليكى فى الدار/ يا بركة رمضان أملى دارنا عمار... وجعل رشدى هذه الجمل مطلعا لأغنيته وكلف الشاعر محمد الشهاوى بالكتابة عليها فكتب: يا بركة رمضان خليكى من العام للعام عايشة معانا/ أحنا قلوبنا بتسعد يبكى وأنت الهدى لنفوس حيرانه/ جايبة الخير دائما وياكى.. ولحنها الملحن حسين فوزى، اختار رشدى أسماء غير معروفة بسبب ضعف الميزانية فالأغنية إنتاج إذاعة إسكندرية 1986 وحققت نجاحا غير متوقع لأنها تناولت زاوية جديدة غير مطروقة فى الأغانى الرمضانية السابقة  عليها، وتحمل إحساس الحزن الشعبى لوداع شهر رمضان.