القضاء على السوق السوداء للدولار واستعادة ثقة مؤسسات التصنيف الائتمانى فى الاقتصاد وزيادة تحويلات المصريين بالخارج
رحاب يحيى
بعد مرور نحو 10 أيام على قرارات البنك المركزى الأخيرة والخاصة بتحرير سعر صرف الجنيه وفقا لآليات العرض والطلب ورفع سعر الفائدة 6 % بدأت الموارد الدولارية تتدفق على البنوك بعد القضاء على السوق السوداء حيث زادت تحويلات المصريين بالخارج وبدأت الاستثمارات الأجنبية تتدفق على السوق المصرية على خلفية صفقة رأس الحكمة التى فتحت الطريق أمام موجة جديدة من الإصلاح الاقتصادى وموافقة صندوق النقد الدولى على رفع قيمة القرض المقدم إلى مصر من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار.. التحسن الكبير بدأ أيضا فى استعادة مؤسسات التصنيف الائتمانى الدولية الثقة فى الاقتصاد المصرى إذ عدلت وكالة موديز نظرتها من السلبية إلى الإيجابية للاقتصاد المصرى ومن المتوقع أيضاً أن تصدر وكالة ستاندر أند بورز تقريرها على الاقتصاد المصرى خلال الشهر المقبل وسط تفاؤل كبير بتحسين التصنيف الائتمانى لمصر. أما على صعيد السوق المحلية بدأت أسعار بعض السلع والخدمات فى التراجع على خلفية الإفراجات الجمكة الكبيرة عن البضائع والسلع بالموانئ كما بدأ سعر الدولار فى التراجع داخل البنوك من 50 جنيها إلى 48 جنيها وسط توقعات بمزيد من التراجع خلال الفترة المقبلة.
قال محمد أنيس الخبير و المحلل الاقتصادى إن حال الاقتصاد المصرى خلال العامين الماضيين، ووجود سوقين وسعرين للدولار باعتباره أمراً يصعب تصوره، فلا ينبغى للبلاد حتى تنهض أن تكون بسوقين وسعرين للصرف، بل سوق واحدة وسعر واحد، وفق ما يقول، ومن دونهما سيظل النشاط الاقتصادى مصاباً بحالة من الشلل، غير أن الكلفة التى يعدها البعض باهظة إثر تحرير سعر الصرف من قبل «المركزى المصري» تظل من منظوره أقل ثمناً من استمرار الوضع على ما هو عليه فى المديين المتوسط والطويل.
ولكن عبَّر عن تفاؤله بقرارات لجنة السياسة النقدية فى اجتماعها الاستثنائي، فيما يرى أنه يتعين على حكومة بلاده أن تتسلح بمزيد من القرارات الأخرى التى تكفل إصلاحاً هيكلياً يفضى إلى نمو مستدام.
و أضاف محمد أنيس ، إن حسن فهم واستيعاب القرارات الجديدة الصادرة من البنك المركزى المصري، والإعلان عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وزيادة حجم تمويله من ثلاثة مليارات إلى ثمانية مليارات دولار ينطلق من حسن تشخيص واقع الاقتصاد، وأن التوجه إلى سعر الصرف المرن الذى تحدده آليات العرض والطلب كان أمراً حتمياً، بخاصة أن مصر كانت تعانى من أزمة سيولة دولارية منذ عامين، وتحديداً إثر خروج 25 مليار دولار من سوق السندات المصرية فى مارس 2022، وبلوغ هدف سعر الصرف المرن كان يتطلب توفير السيولة النقدية الأجنبية أولاً تزامناً مع توفر الظرف الإقليمى والدولى الملائم، كى يتمكن القطاع المصرفى المصرى من بسط السيطرة على السوق ودفع السوق الموازية للانكماش، وهذه السيولة توفرت بعد إبرام صفقة «رأس الحكمة» بواقع 24 مليار دولار، إضافة إلى 11 مليارا أخرى كانت لدى البنك المركزى المصرى فى شكل ودائع، وهو ما فرض على الحكومة عديداً من الإجراءات واجبة التنفيذ، أولها تحرير سعر الصرف، وثانيها رفع أسعار الفائدة، بينما ثالثها توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولى وغيره من المؤسسات الدولية الأخرى مثل الاتحاد الأوروبى والبنك الدولي، ورابعاً استكمال إجراءات الإصلاح المالي.
و أكد أن دعم الوقود هو أحد أشكال الإصلاح المالى و التخلص من دعم المحروقات المهدرة فى موازنة الدولة بنحو 100 مليار جنيه (2.03 مليار دولار) مثلما كانت عام 2015، وهو وضع لا يمكن القبول به أو استمراره بهذا الشكل، كما يقول، إذ يتعين تقليص هذا الدعم، مع مواصلة برنامج التشديد المالى للحكومة على المدى المتوسط، علاوة أن الإنفاق الحكومى الهائل، وارتفاع المعروض النقدى فى الأسواق تسببا فى معدلات التضخم المرتفعة، وهو ما يتعين التعامل معه عبر مواصلة التشديد المالى حتى خمس سنوات مقبلة، وألا يتجاوز المعروض النقدى فى الأسواق حدود النسب المقبولة .
وأشار أنيس إلى وجوب تركيز الاستراتيجية الاقتصادية للبلاد خلال الفترة المقبلة على أمور مهمة، تشمل الاستثمار الأجنبى المباشر المستهدف للتصدير، والذى بإمكانه جلب فوائد دولارية، فمصر فى حاجة إلى استثمار صناعى يضع التصدير نصب عينيه، فمثل هذا الاستثمار يكفل حل المشكلة الهيكلية المزمنة فى الاقتصاد المصرى منذ أكثر من 50 عاماً وهى ارتفاع فاتورة الاستيراد أعلى من عوائد التصدير، وفى رأيه تكفل هذه القرارات الأخيرة على صعيد السياسة النقدية، وحزمة التمويل الدولية، إسدال الستار على فصل سيئ من تاريخ الاقتصاد المصرى خلال العامين الماضيين، وبدء مرحلة إعادة التوازن وإجراءات الهيكلية وصولاً إلى معدل نمو مستدام، وميزان تجارى تتجاوز صادراته إجمالى وارداته.