هل هلالك يواصل نجاحه للموسم الثامن على التوالى
«الليلة الكبيرة».. أيقونة مسرح العرائس قاهرة التكنولوجيا والزمن
هند سلامة
تستمر عروض مسرح العرائس بعرض «الليلة الكبيرة» حيث تتزين به خيمة «هل هلالك» الرمضانية للموسم الثامن على التوالي؛ والتى ينظمها بنجاح متواصل رئيس قطاع الإنتاج الثقافى والمشرف على أعمال البيت الفنى للمسرح المخرج خالد جلال؛ تتجاوز عرائس الليلة الكبيرة الزمن تتعاقب عليها الأجيال بنفس الشغف والرغبة؛ لا يوقف نجاحها أو يعطله تطور تكنولوجى أو تفوق لعناصر الصورة أومواقع التواصل الاجتماعي؛ لم تتمكن هذه الأشكال الفنية المتطورة من زحزحة هذا التراث الفنى الخالد عن موقعه فى وجدان الجماهير؛ هذه الأيقونة الفنية لمسرح العرائس التى شارك فى إبداعها صلاح السقا بالإخراج؛ صلاح جاهين كتابة الأغانى وسيد مكاوى بالألحان وناجى شاكر فى صناعة تلك العرائس الباقية برغم رحيل أصحابها..
يقبل عليها الأطفال فى بهجة وذهول تجتذبهم أنغام الموسيقى والألحان الساحرة التى تلتصق بأسماعهم ووجدانهم بمجرد الاستماع إليها؛ ثم تسلب عقولهم بالبقاء فى وضع الدهشة والبهجة والإعجاب الشديد والرغبة المتكررة فى المشاهدة والحضور؛ لم تخذل هذه العرائس أصحابها ظلت محتفظة بمكانتها الجماهيرية حتى ذلك اليوم وستظل لسنوات المقبلة ..حيث تشهد دار الأوبرا بساحة مركز الهناجر للفنون زحاما دائما على هذا العمل الفنى الذى ينتظره الجمهور بعد الإفطار مباشرة للاستمتاع والاستماع إلى أوبريت وطقوس المصريين بموالد الأولياء فى «الليلة الكبيرة».
لنشأة مسرح العرائس قصة تعود لنجاح هذا العرض الفنى بالأساس؛ بعد نجاحه قرر مصمم العرائس ناجى شاكر اقتراح ضرورة إنشاء مسرحا للعرائس فى مصر.. كان قد جمعنى لقاء خاصا مع الفنان الراحل ناجى شاكر صانعها ومصممها..حكى قصته مع عرائس الليلة الكبيرة خاصة الراقصة التى ارهقته فى تصميمها حتى تنضبط حركتها مع روح الكلام والموسيقى..كما روى شاكر عن سرعة استجابة وزير الثقافة وقتها ثروت عكاشة وتشكيل لجنة لإنشاء مسرح عرائس بمصر.
وقال: «منذ أن بدأنا فى عام 1958 وحتى الآن لم نتمكن من تأسيس معهد، لتخريج كوادر حقيقية فى هذا الفن لأنه فى النهاية علم، وحظنا كان جيدا كجيل تربى على أيدى خبراء جاءوا من الخارج، وقاموا بتدريبنا كما أن أغلبنا سافر فى بعثات وتلقى تدريبات مختلفة، وبالتالى كانت هناك مجموعة مدربة ومتعلمة، ومسرح العرائس فى مصر كان مركز اشعاع على المستوى المحلى والعربى، وأصبح مدرسة يأتون من الأقاليم للتعلم بها، وكذلك كان هناك من يأتى من تونس والجزائر للتعلم على أيدى فنانى مسرح العرائس بمصر، لكن الأوائل انتهوا، والأجيال الثانية لم تتلق نفس مستوى الإعداد والاهتمام، لذلك لم يستمر فن العرائس بنفس القوة والتألق، وأتذكر أننا فى السبعينيات ذهبنا إلى معهد فنون مسرحية وقمنا بعمل منهج، ودراسات لمدة سنة كاملة حتى يقام المعهد وحددنا المواد التى من المفترض أن تتم تدريسها فى هذا المجال، لكن للأسف كل هذه المشاريع وضعت وظلت حبيسة الأدراج، وقتها توقفت مهمتى عند الاقتراح لأننى لا أملك التنفيذ.
ويواصل: «لكن فى المقابل أذكر أنه فى وقت من الأوقات وعندما كان هناك اهتمام حقيقي اقمنا مسرحا للعرائس أيام الدكتور ثروت عكاشة، وذلك بعد نجاح عرض «الليلة الكبيرة» بأحد المهرجانات فى رومانيا ببوخارست التى تمتلك ثلاثة مسارح للعرائس، ويقيمون ثلاث حفلات يوميا.. جئت إلى مصر وطالبت من صلاح السقا أن نقيم مسرحًا فى مصر لأننا كنا نعمل فى ظروف صعبة للغاية، كنا نقدم «الليلة الكبيرة» وقتها بحديقة معهد الموسيقى، واقترحنا الموضوع على ثروت عكاشة.. قدمنا له مذكرة بفكرة إقامة مسرحا للعرائس، وبعد أسبوعين شكل لجنة لدراسة الموضوع جلسنا معهم شرحنا الفكرة للوزير، ثم طلب مشروعًا متكاملاً فى 1961، ووقتها جاءت لى منحة للخارج، ولم اتواصل مع المشروع لكننى عدت فى 63، ووجدت أن المسرح قد تم بناؤه بالفعل.
..وعن إمكانية تلاشى فن العرائس بمرور الزمن بفعل التكنولوجيا قال شاكر..العرائس أصبحت قاسمًا مشتركًا فى كل العروض، لأن العروسة لها سحر وعندما توضع فى أى عرض يكون لها سحر وجاذبية خاصة تجذب المتلقى أكثر من الممثل لأن لها قوة مغناطيسية، وفى القرن العشرين بدأت الناس تنتبه لأهمية هذا الفن، وبدأوا فى تسخيره لفنونهم بشكل عام إلى جانب أن الإقبال على عروض العرائس أصبح كبيرا فى كل العالم لأنها تقوم بدور فنى مهم، واليوم تنظم مهرجانات عالمية للعرائس وتشارك بها فرق مختلفة، لأنه فن جميل ورائع يصل إلى الناس بسرعة ويوصل رسالته بسهولة، فهناك 40 مهرجانًا لفن العرائس فى الهند والصين وأمريكا، والاتحاد الدولى للعرائس يشجعه عن طريق اقامة مؤتمرات وإصدار كتب، فهناك اهتمام بالتنظير والتثقيف وبالعلوم المسرحية العرائسية، هذا يسهم فى الارتقاء بالعرائس كما أن هناك مخرجين كبار يهتمون، بهذا الفن فى عروضهم مثل أعمال برودواى «لاين كينج» مزج بين الغناء والرقص والعرائس تحتل 80% من العرض شيء مبهر للغاية، لذلك لا أتصور أنه سيختفى على العكس، خاصة وأننى اليوم ومن خلال تدريسى لهذا الفن لأجيال مختلفة وجدت جيلاً خرج شيطانيًا وبشكل مفاجئ، بدءًا من سنة 2000 هذا الجيل تمتع بعدد كبير من الموهوبين، ووجدت دفعة غريبة عملت معهم بجهد قوى وأخرجنا نتائج مبهرة، معظمهم لديه موهبة خرافية حتى اننى اقمت لهم معرضا يحتوى على 600 لوحة، وتكررت المسألة واكتشفت أن هؤلاء منذ عقدهم الخامس، وهم يلعبون على أجهزة الكمبيوتر، فتكون لديهم رصيد معرفى وخبرة بصرية، أنتجت هذه الموهبة.
ويضيف.. «صناعة العرائس تطورت بشكل كبير لأنه فن ليس له حدود فهو فن حر، كانت العروسة فى البدايات تأخذ أشكالا تقليدية، لكن اليوم الفن يسير بسرعة مع التطور ولا يتوقف عند شكل محدد، وفنان العرائس أصبح يطور ويخترع بتقنياته الخاصة جدا، وأذكر عرضًا إسبانيًا شاهدته بدار الأوبرا ..قدم العرض بفرقة موسيقية تحتوى على 70 عازفًا يعزفون على المسرح وأمامهم عرض عرائس، كانت مسرحية «حلم ليلة صيف» لوليم شكسبير وكان عرضا مبهرا، لذلك هذا الفن ليس له حدود لأنه بقطعة قماش أو خشبة أو ورقة، من الممكن أن يقدم عملاً فنيًا كبيرًا، العروسة عبارة عن ورقة وقطعة خشب فهى لا تحتاج إلى امكانات ضخمة؛ من الممكن أن تستغرق عروسة فى صناعتها شهرًا أو يومًا، على حسب العروسة نفسها، وأذكر أن تصميم عرائس عرض «الليلة الكبيرة»، وكان عددها 45 عروسة استغرقت ثلاثة أشهر لكن كان معى مساعدون، أما أكثر عروسة عذبتنى فى تصميمها وضبط حركتها «الراقصة».. لأن صلاح جاهين كتب كلامًا للرقص عليه.. «طار فى الهوى شاشى وانت ما تدارشي» وسيد مكاوى «دلعها جدا» فى اللحن، فكيف أصمم عروسة تؤدى روح صلاح وسيد معا، لأن كل عروسة تصمم بمكانيزم معين من الداخل، كى تؤدى الحركة المطلوبة منها، فليست كل العرائس شبيهة ببعضها، فقمت بعمل ميكانيزم لها فى البداية، على قدر تصورى وإمكاناتى، لكننى وجدتها «متخشبة»، لا تسير على اللحن والكلام فإلغيتها وصممت أخرى، ولم يحدث تغيير ثم حاولت إصلاحها، واكتشفت حتى تؤدى الحركة التى أريدها، لابد أن يحركها ثلاثة ممثلين معا فى وقت واحد.