عام على الحرب.. هل نسى العالم معاناة السودان؟
أحمد إمبابى
مجاعة تهدد 25 مليون سودانى.. ونار الصراع تحرق الأخضر واليابس
تجاوزت الأزمة السودانية حدود الجانى والضحية، أو من المخطئ ومن على طريق الصواب، فاستمرار الصراع المسلح على مدى عام كامل دون أى أفق للحل أو تجاوب مع مبادرات ومسارات التسوية، حوّل معادلة الصراع لمبادرة صفرية، لا رابح فيه، والخاسر هو السودان والشعب السوداني، الذى لم يجد طريقًا سوى الهروب والفرار خارج البلاد وخصوصا لدول الجوار، ومع التمسك بخيار الحسم العسكرى لهذا الصراع لم تنجح جهود وحوافز عقد جولة مفاوضات مباشرة بين الطرفين، تؤسس لعملية سياسية تنقذ السودان من مستنقع انقساماته وخلافاته السياسية.
عام كامل على الحرب الداخلية فى السودان، بين الجيش السودانى وعناصر الدعم السريع، وهى الحرب التى اندلعت فى منتصف إبريل 2023، وصنفتها الأمم المتحدة، نظرا لحجم خسائرها، بأنها واحدة من أسوأ أزمات النزوح فى العالم، فضلا عما تسببته من أوضاع مآساوية تشمل المجاعة والنزاعات العرقية وتدمير البنية التحتية.
ورغم صعوبة وخطورة استمرار الحرب المسلحة فى السودان على مدى عام كامل، إلا أن تركيز اهتمام العالم خلال الأشهر الستة الماضية اتجه نحو التصعيد والصراع فى منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا مع بدء العدوان على قطاع غزة فى أكتوبر الماضى وتداعياته التى تسببت فى توترات فى مناطق أخرى منها البحر الأحمر، وصولا بالتصعيد الإيرانى الإسرائيلى الأخير، الأمر الذى دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش للقول فى الذكرى السنوية الأولى للحرب السودانية، بأن «العالم ينسى شعب السودان»، فى إشارة إلى تجاهل المجتمع الدولى لمعاناة السودانيين فى ظل تطورات الصراع بالشرق الأوسط.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة بأن ما يحدث فى السودان «أكبر من كونه صراعا بين طرفين متحاربين، بل هى حرب تُشن على الشعب السوداني، وقال إنها حرب على آلاف عديدة من المدنيين الذين قُتلوا وعشرات الآلاف غيرهم الذين أصيبوا، هى حرب على 18 مليون شخص يواجهون الجوع الحاد، وعلى مجتمعات تواجه التهديد المرعب بحدوث مجاعة خلال الشهور المقبلة».
لم تكن المواجهات المسلحة بالسودان، والحرب الأهلية فى السودان، إلا مشهدًا أخيرًا من سلسلة من مشاهد صراع سياسى محتدم داخلى بالسودان منذ الإطاحة بنظام عمر البشير فى إبريل 2019، ومع حالة الإنسداد السياسى ومستنقع الإنقسامات والخلافات بين النخبة السياسية، لم تجد القوى المتصارعة سبيلًا سوى استخدام القوة العسكرية لفرض كلمتها بقوة السلاح، ومع طول أمد هذا الصراع المسلح وتشابك أبعاده وتعقيداته، تضاعفت فاتورة خسائره على الدولة السودانية والشعب السوداني.
مصر والحل الشامل
مبادرات الحل تراوح مكانها
فى كلمته بمناسبة احتفال عيد الفطر 2024، والتى تزامنت مع الذكرى السنوية لاندلاع الصراع المسلح فى السودان، وجه رئيس مجلس السيادة الإنتقالى السودانى الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، مجموعة من الرسائل التى تعكس فلسفة السلطة الحاكمة من مستقبل الصراع الدائر فى السودان، حيث اعتبر البرهان أن «القوات المسلحة السودانية عازمة وماضية فى درب وطريق الشهداء حتى طرد آخر متمرد من أرضنا وتطهير كل بقعة دنسها التمرد»، وأضاف أن «معركة الكرامة ستؤسس لما بعد ١٥ أبريل ٢٠٢٣، حيث لا عودة لما قبل ١٥ أبريل 2023 ولا عودة لما قبل ٢٥ أكتوبر 2022 ولا عودة لما قبل أبريل 2019».
هذه الكلمات والتصريحات خير إنعكاس لواقع الأزمة السودانية المستمر، الذى لازال يتمسك فيه طرفاها بخيار الحسم العسكري، مع غياب أى أفق للحلول السياسية، رغم تعدد مبادرات ومساعى الحل من النخبة السودانية فى الداخل، إلى جانب الجهود الدولية والإقليمية، وتلك إشكالية تطرح عدة تساؤلات، تتعلق بالسر فى إخفاق مساعى ومسارات إنهاء الصراع المسلح فى السودان؟، وكيف كان تجاوب وتعاطى طرفى الصراع والنخبة السياسية مع تلك المبادرات؟، هذه التساؤلات تفرض ضرورة التوقف مع مبادرات احتواء الصراع السودانى ومشكل التجاوب والتعاطى معها، وهى كالتالى:
1- المبادرة السعودية الأمريكية: وهو مسار استهدف إنهاء الصراع المسلح فى السودان، بوساطة من السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، بدأت من الأسبوع الثانى للصراع، ورغم استضافت السعودية جولات تفاوض عديدة فى مدينة جدة، لم ينجح هذا المسار سوى فى فرض فترات هدنة قصيرة لتوصيل المساعدات الإنسانية، ورغم طرح هذا المسار مقترحًا جديدًا للوصول لتسوية نهائية للأزمة، لكن لا تزال المفاوضات بشأن هذا المقترح تجرى بصورة غير مباشرة مع طرفى الصراع.
2- مبادرة مجموعة الإيجاد: وهى مبادرة من هيئة التنمية الحكومية الإقليمية «إيجاد» بتشكيل لجنة رباعية تضم قادة كينيا وإثيوبيا وجنوب السودان وجيبوتي، واتخذت هذه اللجنة فى يوليو 2023 خطوات من شأنها تدويل الأزمة السودانية وتكوين قوة إقليمية لحماية المدنيين ووصول المساعدات، مع بدء عملية سياسية شاملة تمكن القوى المدنية وعلى رأسها «تحالف الحرية والتغيير»، لكن رئيس مجلس السيادة السودانى رفض هذه المبادرة واتهمها بالإنحياز إلى «قوات الدعم السريع»، وعليه امتنع الجيش السودانى من المشاركة فى اجتماعات المبادرة بأديس أبابا، ولم تلق حلول «الإيجاد» أى تجاوب فعلى يسهم فى وقف الصراع القائم.
3- الجهود الإفريقية: تفاعل الإتحاد الإفريقي، مع تطورات الأزمة السودانية، لم يكن ذات تأثير أو فاعلية، حيث عقدت قمة افتراضية لمجلس السلم والأمن الإفريقى فى نهاية شهر مايو 2023، بهدف مناقشة سبل خفض التصعيد فى السودان، والتنسيق بين كافة الأطراف المعنية لوقف إطلاق النار وتعزيز الممرات الإنسانية والعودة للحوار السلمي، ثم تكرر الأمر فى اجتماع وزارى لمجلس السلم والأمن الإفريقى نوفمبر الماضي، والذى بحث التنسيق بين المسارات الدولية والإقليمية الفاعلة لتسوية الأزمة السودانية.
4- مبادرة دول جوار السودان: يمكن النظر لمبادرة دول جوار السودان، على اعتبارها المسار الأشمل للتعاطى مع الأزمة السودانية، حيث جمعت قمة دول الجوار التى دعت لها مصر فى 13 يوليو 2023، كافة قادة الدول المجاورة للسودان، بداية من رئيس وزراء إثيوبيا، ورئيس المجلس الرئاسى الليبى محمد المنفي، ورؤساء جنوب السودان وتشاد وإريتريا وأفريقيا الوسطى، فضلا أن المبادرة قدمت خارطة طريق محددة وشاملة للحل، تبدأ بوقف إطلاق النار، وصولًا لإجراء مفاوضات سياسية تشارك فيها كل القوى والأطراف السودانية.
وتبنت الدولة المصرية مسار دول جوار السودان، باعتبارها الأكثر فهما لتعقيدات الأزمة السودانية، والأكثر حرصا على إنهائيا باعتبارها الأكثر تضررا منها، وعليه اعتمدت الاجتماعات الوزارية لهذا المشار خطة عمل شامل تدور حول مجموعة من الإجراءات، تتعلق بإنهاء الصراع المسلح وتهيئة المناخ السياسي، ووقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، هذه الخطة رغم أنها لاقت ترحيبًا وتفاعلًا من الأوساط السياسية السودانية، لكنها تحتاج إلى توحيد الجهود الإقليمية والدولية وتنسيقها، للعمل على تنفيذ بنودها وتفعيلها.
الفاتورة الباهظة للحرب
تشريد 8 ملايين.. وضحايا بالآلاف
إذا توقفنا مع مشاعر المواطن السودانى الذى يحيطه الإحباط من كل جانب، وشعور اليأس تجاه أى مسار ينقذ بلاده، نجد أن مسار الحرب قد أحدث تغييرا كبيرا فى واقع الدولة السودانية، فعلى مدى عام من الصراع المسلح، سجلت الخسائر البشرية أكثر من 10 آلاف شخص، وتشريد نحو 8 ملايين إلى مناطق داخل وخارج السودان، وفقًا للتقديرات الأممية الصادرة من الأمم المتحدة، ووفقا لآخر نداء لمنظمة الصحة العالمية فى بداية شهر ديسمبر، فإن 11 مليون سودانى بحاجة لمساعدات صحية عاجلة، ونحو 25 مليون يحتاجون لمساعدات إنسانية، مع توقف 70% من المستشفيات فى الولايات المتضررة من النزاع، وهروب وفرار نحو 3.6 مليون سودانى خارج البلاد نصفهم من الأطفال!.
كما تشير تقديرات الأمم المتحدة، إلى معاناة 18 مليون سوداني، من نقض حاد فى الغذاء. وأصبح مئات الآلاف من النساء والأطفال معرضين للموت جوعا، وعلى صعيد البنية التحتية، انهار النظام الصحى حيث أصبح أكثر من 70% من المرافق الصحية السودانية لا تعمل، ووصلت خسائر القطاع إلى قرابة 11 مليار دولار، وفقدت الدولة السودانية نحو 80% من مواردها.
وفى تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى لتقييم الآثار الإجتماعية والإقتصادية للنزاع المسلح فى السودان، أشار إلى تراجع الإنتاج الزراعى بشكل كبير للغاية، حيث إن ثلثى عدد السكان فى السودان يقيمون فى الأرياف، وأن 50% من المزارعين فى السودان لم يقوموا بزراعة هذا الموسم، بسبب النزوح الداخلى والهجرة الخارجية وتراجع إمكانيات تمويل عملية الزراعة والفلاحة، واعتبر الدكتور عبد الله الدردرى مدير المكتب الإقليمى للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى إن السودان خسر 25% من الناتج المحلى الإجمالى خلال سنة واحدة من الحرب، وهذا يعنى أن الوضع داخلها مدمرا.
دعم سياسى وشعبى وأمنى لاستقرار ووحدة السودان
تواصل الدولة المصرية تعاطيها مع تطورات القضية السودانية، دعمًا لاستقرار وأمن الجار الجنوبي، وذلك بالتفاعل الإيجابى مع مختلف الأطراف السودانية، للعمل على إنقاذ السودان من أزمته الداخلية دون التأثير على سيادة ووحدة الدولة السودانية. تتنوع الجهود المصرية ما بين جهود رسمية ودبلوماسية،
وجهود شعبية ترعاها القاهرة، فى ضوء تجمعات السودانيين الشعبية الكبيرة المقيمة فى أماكن عديدة بمصر.
وإلى جانب مبادرة دول جوار السودان للحل الشامل للأزمة التى قدمتها القاهرة فى يوليو الماضي، كانت القاهرة محورًا لحراك سودانى مكثف خلال الأسابيع الماضية، بسلسلة من اللقاءات والاجتماعات والزيارات الرسمية والشعبية التى استقبلتها العاصمة المصرية لمختلف الأطراف السودانية والدولية، أولى هذه اللقاءات، كانت زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان للقاهرة نهاية شهر فبراير، ولقائه الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث أكد الرئيس السيسى على مجموعة من المحددات المهمة فى تعاطى الدولة المصرية مع الوضع فى السودان، ومع جهود تسوية الأزمة الحالية، وهى ضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية ومؤسساتها الوطنية، بما يسهم فى تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي، بجانب الحرص المصرى على أمن السودان، ومواصلة تقديم الدعم الكامل لتحقيق الاستقرار السياسى والأمنى والاقتصادى بالسودان، ودعم وحدة الصف السودانى وتسوية النزاع القائم، واستمرار الدعم الإنسانى المقدم للسودانين.. اللقاء الثاني، الذى شهدته القاهرة كانت زيارة رئيس الوزراء السودانى السابق عبدالله حمدوك، فى الثامن من مارس، وذلك على رأس وفد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية المعروفة باسم (تقدم)، حيث أجرى مشاورات فى القاهرة وبعض الاطراف السودانية فى القاهرة، لبحث تطورات الأزمة السودانية، ووصف عبدالله حمدوك زيارتهم للقاهرة بأنها كانت «مفتاحية»، موضحًا أن رؤاهم تطابقت مع نظيرتها المصرية بأنه لا يوجد حل عسكرى للحرب فى السودان ولا مخرج منها سوى الحوار السياسي. ثالث الاجتماعات التى استضافتها القاهرة كانت للآلية الإفريقية رفيعة المستوى بشأن السودان فى السادس من مارس، حيث تناول الإطار الحاكم لعمل اللجنة، ورؤيتها للخطوات المطلوبة لتعزيز جهود التوصل لحل شامل ومستدام للأزمة فى السودان، والاجتماع الرابع الذى استضافته القاهرة، كان الاجتماع الأول للأمانة العامة للجبهة الشعبية السودانية، التى تشرف على ترتيبات الحوار السوداني- السودانى بالقاهرة، حيث قدم الأمين العام للمبادرة جمال عنقرة، تقريرا حول مرتكزات الحوار السوداني، والتى تمثلت فى وحدة وسيادة السودان والاعتراف بالتعدد والتنوع الاجتماعى والثقافى والعرقى والدينى ونبذ العنصرية ومكافحة خطاب الكراهية والدعوة للتسامح والتوافق الوطني، كما تضمنت المرتكزات أيضًا دعم النفرة الشعبية ودعم القوات المسلحة وإجراء حوار سودانى شامل لايستثنى أحدا. الفعالية الخامسة، التى شهدتها القاهرة، كانت أكثر من زيارة للمبعوث الأمريكى الخاص بالسودان توم بيرييلو، والذى زار مصر والتقى وزير الخارجية سامح شكرى الاثنين 18 مارس، للتشاور حول سبل إنهاء الأزمة فى السودان، وما يمثله ذلك من إدراك لما تمثله مصر من رقم فاعل ومحورى فى حل الأزمة فى السودان، ثم اتبعها بزيارة أخرى فى بداية شهر إبريل لإجراء مشاورات موسعة حول سبل وقف الحرب فى السودان.
جولات خارجية.. الاحتماء بدول الجوار للحشد الدبلوماسى الحل الأوقع
بالتوازى مع جهود الوساطات الخارجية، تعددت مبادرات الحل من الداخل السودانى التى لم تحظ بتجاوب واسع، فقد طرح محمد حمدان دقلو فى نهاية شهر أغسطس، مبادرة للحل فى السودان، تضمنت 10 مبادئ، وطرح نائب رئيس مجلس السيادة السودانى مالك عقار فى منتصف أغسطس الماضى، خارطة طريق لإنهاء الصراع فى السودان، وتشكيل حكومة لتسيير شؤون الدولة وتعمل على إعادة الإعمار وبناء مؤسسات الدولة. وقدمت القوى المدنية والسياسية مبادرات عديدة للحل، منها مبادرة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك، كما أطلقت القوى السياسية والمجتمعية السودانية فى القاهرة مبادرة شعبية للحوار السودانى السودانى، بدعم ورعاية المجلس المصرى للشئون الخارجية.
وعلى مدار العام الماضى تسابق طرفا النزاع فى معركة الدعاية الخارجية والحشد الدبلوماسى، من خلال جولات خارجية، حيث زار الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السودانى، عددا من دول الجوار بداية من مصر وجنوب السودان وإريتريا وقطر وتركيا، وأوغندا وجيبوتى، كما ترأس وفد السودان فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى وطالب وقتها بضرورة تصنيف «قوات الدعم السريع» كمجموعة إرهابية. فى المقابل، وفى يناير الماضى، أجرى محمد حمدان دقلو «حميدتى»، جولة خارجية لأول مرة منذ اندلاع الصراع، شملت أوغندا وإثيوبيا وجيبوتى وكينيا وجنوب إفريقيا ورواندا، وكان لافتا وقتها الاستقبال الرسمى الذى كان يحظى به.