حصل على 40 ألف دولار من بريطانيا و100 ألف جنيه من اليمن لقلب نظام الحكم
بشهادة المخابرات البريطانية: حسن البنا مشعوذ على خطى الحشاشين
محمد شعبان
فى عام ١٩٣٦م لاحظت المخابرات البريطانية ان حسن البنا مؤسس تنظيم الإخوان الإرهابى، قد بدأ فى التواصل مع المانيا-عدوة بريطانيا فى ذلك الوقت- ومن ثم قامت بريطانيا بدفع أحد رجالها؛ يدعى «هيوارث دن»للاقتراب من حسن البنا وكتابة تقرير مفصل حوله وحول تنظيم الإخوان، وعلاقاته بالسياسيين والجهات الخارجية وقد تم نشر هذا التقرير ككتاب باللغة الإنجليزية عقب وفاة حسن البنا، وتمت ترجمته للعربية، بعنوان «الاتجاهات الدينية والسياسية فى مصر الحديثة» ويمتاز هذا الكتاب بإنه رصد دقيق وأمين، لطريقة تفكير حسن البنا، وإدارته للتنظيم، ونظرته للقضايا الوطنية فى عصره، فهذا الكتاب هو المرجع المعلوماتى لبريطانيا لكيفية التعامل مع التنظيم الإرهابى.. ولعل أبرز ما سجله المؤلف أن البنا كان مشعوذا فى إدارته للتنظيم على طريقة طائفة الحشاشين.
جيمس هيوارث دن
مؤلف هذا الكتاب هو رجل المخابرات البريطانية جيمس هيوارث دن أسلم فى أوائل القرن العشرين ودرس فى الأزهر وأصبح اسمه: جمال الدين أفندى، وفى مقدمة الترجمة العربية نعرف أن «دن» كشف لأحد أصدقائه، أنه دخل الأزهر وأعلن الإسلام، بهدف أن يكون قريبًا من حسن البنا، لكتابة تقارير لبريطانيا حول التنظيم الإرهابى، وقد تزوج من الفنانة المصرية الراحلة روحية خالد.
كان «هيوارث دن» قد أقام فى مصر منذ ثلاثينات القرن العشرين وحتى عام ١٩٥٢، وقد طردته حكومة ثورة يوليو.
ويلخص مقدم الكتاب «على العميم» الغرض من هذا الكتاب الذى كتبه رجل المخابرات البريطانية قائلا: «فى هذه الفترة كانت صورة الإخوان عند السفارة البريطانية قائمة على تقارير فيها تخبط وارتجال واضطراب ولا تظهر الجماعة بالصورة التى عليها حقا، لهذا كانت السفارة بحاجة ماسة للتعرف الصحيح والكامل على الإخوان، هيوارث-دن أعد دراسة لتلبية هذه الحاجة، وهى تقديم تقرير موضوعى شامل ومفصل عن الإخوان مبنى على معرفة شخصية بهم وعلى معرفة بالسياق الداخلى للثقافة والفكر الإسلامي. هذه الدراسة اطلعت عليها السفارة البريطانية فى مصر واستفاد منها واطلع عليها بالتنسيق مع المخابرات البريطانية، المخابرات الامريكية».
لكن لماذا دفعت المخابرات البريطانية أحد رجالها ليعلن اسلامه ثم ينضم للإخوان ويكون قريبا من حسن البنا، رغم أن ولاء الإخوان وحسن البنا لبريطانيا، من الأمور المؤكدة؟
نجد إجابة هذا السؤال فى المقدمة أيضا، حيث بدأ نشاط الإخوان المعادى للاستعمار البريطانى سنة ١٩٣٦ فى ظل الدعاية الفاشية والنازية بمصر، وكان الإخوان منذ نشأتهم لم يسببوا للمستعمر البريطانى ازعاجا أو متاعب حتى ولو كانت صغيرة، وهذا ما يؤكده تقرير للمخابرات البريطانية، قيل فيه:» خلال السنوات الـ٨ الأولى أى منذ عام ١٩٢٨ حتى عام ١٩٣٦ لم تحظ حركة الإخوان باهتمام سلطات الأمن البريطانية، وكان الفضل فى ذلك لحسن البنا».
وابتداءً من عام ١٩٣٦ لاحظت المخابرات البريطانية من خلال تقارير لديها نشاط معادٍ لها من قبل الإخوان، بعد اتصال حسن البنا بمحور»روما-برلين» وقبض أموال منهم فقامت المخابرات البريطانية بإرسال هيوارث دن لاختراق الجماعة.
نلاحظ مما سبق ما يلي:
أولا: حتى عام ١٩٣٦ كان حسن البنا وتنظيمه الإرهابى تابعين تبعية كاملة للإنجليز، وهذا ما سجلته تقارير المخابرات البريطانية.
ثانيا: منذ ١٩٣٦ فتح حسن البنا قنوات اتصال مع المانيا وإيطاليا أو النازيين والفاشيين، وحصل منهما على أموال مقابل دعمهما فى مواجهة بريطانيا.
ثالثا: رصدت المخابرات البريطانية هذا الاتصال والأموال وقررت إعادة حسن البنا إلى حظيرتها مقابل مبلغ مالى، يرد ذكره فيما بعد، وكان هيوارث دن هو رجل الأجهزة البريطانية لهذه المهمة.
الباطنى.. التكفيرى
ظلت ميليشيات وصفحات وقنوات التنظيم الإرهابى، طوال شهر رمضان الماضى، تهاجم مسلسل الحشاشين، نافية أية صلة بين حسن البنا-مؤسس التنظيم الإرهابي- وحسن الصباح -مؤسس جماعة الحشاشين- لكن فى هذا الكتاب يرصد المؤلف-وكان ذلك فى أربعينيات القرن الماضى أى قبل المسلسل بـ٨٠ عاما- التشابه والتطابق بين الإخوان والتنظيمات الباطنية فيقول:»نجد فى أساليبه-أساليب حسن البنا- ما يذكرنا بغيبيات الإسماعيلية؛ كانت أساليب البنا الغامضة شبيهة بأساليب الإسماعيلية، فقد كان عارفًا بالمبادئ التعليمية لإخوان الصفا- تنظيم شيعى باطنى- وقد اجتهد فى تقليد بعض أعمالهم فى رسائله».
ومن المعروف أن «الإسماعيلية» هى الفرقة الأم، التى انبثقت منها طائفة الحشاشين.
ولم يغب كذلك الوجه التكفيرى لحسن البنا عن الكتاب، حيث لاحظ المؤلف أن مؤسس التنظيم الإرهابى، يُكفر من ليسوا معه فى التنظيم، ويوضح ذلك فيقول:» روح الإخوان أقرب إلى روح الخوارج منها إلى أى حركة أخرى فى الإسلام، وإن التشابه بين هذه الفرقة المبكرة-أى الخوارج-والإخوان هو فى التطرف الشديد والذى يظهر على هيئة سلسلة من النداءات المتطرفة والأعمال الإرهابية، هناك أيضا تشابه كبير بخصوص النظريات الدينية لكلا الطائفتين فالخوارج اعتبروا غير الخوارج ليسوا من أمة الإسلام، كذلك اعتبر حسن البنا الذين ليسوا من زمرة الإخوان».
وفى سياق آخر نقرأ:» بالنسبة للمجتمع الإسلامى صنف حسن البنا المسلمين بناءً على موقفهم من الإخوان، فالإخوان هم الأمة الإسلامية، والمؤمن هو عضو الإخوان، كما وصف البنا موضع الإخوان داخل المجتمع الإسلامى، ففصل أتباعه عن المسلمين الآخرين، وأكد أنه من الواجب اجتذابهم الى مجموعته، وإذا كان هناك أحد من أولئكم المسلمين معاديًا للإخوان فإنه يجب التعامل معه كعدو».
ثمة وجه آخر يربط بين الإخوان والخوارج-كما يوضح المؤلف- وهو رفض الحكومات القائمة والسعى إلى الإطاحة بها من أجل الوصول للسلطة، فيقول:كانت جميع تعاليم حسن البنا ونصائحه ونشاطاته الهجومية وغيرها موجهة نحو الإطاحة بالحكومة الدستورية فى مصر واستبدالها بفرض حكومة على البلاد طبقا لعقائد وقوانين صيغت، وفق تفسير «حسن البنا».
عمالة بلا حدود
وإذا كان حسن البنا عميلًا لبريطانيا والمانيا وإيطاليا، وهذه عمالة كانت مقابل أموال حصل عليها مؤسس التنظيم الإرهابى، لكن مؤلف الكتاب يكشف لنا عن دولة أو جهة رابعة، كان يعمل البنا لصالحها مقابل أموال ، وهى اليمن وتحديدا نظام «السيد عبدالله بن أحمد الوزير» مقابل ١٠٠ ألف جنيه مصرى، ويقول المؤلف نصا: مما لايزال يبعث على الحيرة، هى روابط الإخوان مع اليمن، حيث كان له أصدقاء هناك، الغريب فى هذه الروابط أن اليمنيين كانوا زيديين تختلف مبادئهم عن مبادئ الإخوان، وبرغم ذلك يبدو أنه كان هناك اتفاق سياسى بين السيد عبد الله بن أحمد الوزير وحسن البنا، حيث أن هذا السيد ثار ضد الإمام يحى فى بداية عام ١٩٤٨ لفترة قصيرة حتى تمكن سيف الإسلام أحمد من استجماع قواه ليهزمه، وكان هدف السيد عبد الله هو تأسيس حكومة دستورية قائمة على الشرائع الإسلامية، الأمر الذى يذكرنا ليس-فقط-بطموحات الإخوان بل يجعلنا نتساءل، إلى أى مدى شاركوا فى تلك الثورة، فخلال الفترة القصيرة لحكم السيد عبدالله كان هناك مبلغ مائة الف جنيه مصرى معدة لإرسالها إلى حسن البنا، لكن سيف الإسلام استطاع استعادة السلطة، وهزم خصمه متمكنًا من إيقاف تحويل المبلغ فى آخر لحظة، وهذه الهدية إلى حسن البنا كانت بحاجة لتفسير، فسيف الإسلام أشار إلى أن النقود كان هدفها الدعاية للنظام الجديد».
تمويل بريطانى
قبل الحديث عن تفاصيل الأموال التى حصل عليها، حسن البنا من بريطانيا مقابل التوقف عن الدعاية لألمانيا وإيطاليا، يلفت مقدم الكتاب نظرنا لضرورة الانتباه لطبيعة عمل المؤلف وهو العمل فى مخابرات بريطانيا، مما يعنى أنه لا يقول كل الحقيقة، لكن يذكر ما تسمح له طبيعة عمله، وفيما يلى نص ما قاله المؤلف عن طلب الإخوان أموال من بريطانيا ثم تعقيب مقدم الكتاب يقول هيوارث دن:» أظهر حسن البنا الانطباع بأنه على استعداد لقبول مكافاة مالية-من بريطانيا- وقد استخدم مصريين، كانوا على علاقة مع عملاء بريطانيين لإشاعة هذا النبأ، وفى إحدى المناسبات طلب أحمد السكرى -وكيل التنظيم الإرهابى - ٤٠ الف دولار وسيارة فى مقابل دعم الإخوان-لبريطانيا-لقد ظل الإخوان يغذون الدعاية المضادة للبريطانيين لمدة ١٢ عاما ولذلك فقد كان من المستحيل عمليا أن يطلب البريطانيون منهم العمل لحسابهم».
وفى تعليقه هذه النقطة يورد «العميم» الملاحظات التالية:
أولا: نفى هيوارث دن أن واقعة دفع أموال للإخوان يعبر عن الموقف البريطانى الرسمى، ومثل هذه الأمور لا يتم الكشف عنها حتى لا تخسر بريطانيا ولاء تنظيم الإخوان لها.
ثانيا: هناك شهادة أخرى لباحث بريطانى مستقل وليس موظفا مثل مؤلف الكتاب، تحدث عن تفاصيل تمويل بريطانيا للإخوان، ففى كتاب: صلات سرية: تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالى يقول مؤلفه: «قبل عام ١٩٤٢ كانت بريطانيا بالتأكيد قد بدأت فى تمويل جماعة الإخوان، ففى ١٨ مايو عقد مسئولون فى السفارة اجتماعا مع وزير المالية المصرى أمين عثمان باشا وكان أحدٍ الموضوعات التى تمت مناقشتها فيه هو العلاقات مع الإخوان وتمت الموافقة على عدد من النقاط الخاصة بهذا التعاون، واحدة منها أن الإعانات المقدمة من حزب الوفد للاخوان، سيتم دفعها سرا من جانب الحكومة المصرية، وأنها فى هذا الشأن سوف تحتاج لمساعدة مادية من السفارة البريطانية.
ثالثا: يستدل البعض على قبول الإخوان أموال من بريطانيا بأن نشاط الإخوان المعادى للبريطانيين، خف بعد حدوث الاتصال السابق بفترة قليلة، ويستدلون على أن الاتفاق بات فى حكم المقطوع به، حين لم يشارك الإخوان فى المظاهرات الكبرى المؤيدة لروميل-القائد الألماني- عام ١٩٤٢.
رابعا: لم يكن لدى حسن البنا مشكلة فى الحصول على أموال من الإنجليز كما حدث مع تأسيس التنظيم الإرهابى فى الاسماعيلية حيث سعى للحصول على تمويل مالى من شركة قناة السويس الإنجليزية وقتها ووافقت الشركة على منحه مبلغا قدره ٥٠٠ جنيه عن طريق وكيلها «البارون دى بنوا».
داعية التعصب
يرصد المؤلف بدقة متناهية كيف كان «حسن البنا» يختار أتباعه، وما هى الأشياء التى كان حريصًا على زرعها فيهم أو تحريكها، أولى هذه الصفات فى الإتباع أن يكونوا من ذوى الفقر المدقع، الأمر الذى يعنى تبعيتهم الكاملة له، فضلًا عن استعدادهم للتعصب بالإضافة إلى شرط ضرورى فى عضو الجماعة، وهو أن يكون قوى البنية ولا يعانى من أمراض خطيرة، لأن ذلك يعوق قيامه بمهامه فى التنظيم.