السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الرئيس السيسى سبق النخبة فى إحداث إصلاح للمفاهيم والصور الذهنية.. والمواطنة باتت واقعا معاشا

القس أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيليّة: رؤية مصر لحقوق الإنسان شاملة.. وما تحقق لترسيخ المواطنة فى 6 سنوات يفوق المُنجز فى 200 عام

القس أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية - تصوير- مايكل أسعد
القس أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية - تصوير- مايكل أسعد

بوجه بشوش، وعقل واعٍ، استقبلنا الدكتور القس أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيليّة بمقر الهيئة الإنجيليّة للخدمات الاجتماعية، التى تزين بهوها، صور تذكارية تمجد لحظات المحبة والحفاوة التى التقى خلالها، رموز مصر السياسية والدينية.



فى هذا الحوار تحدث أندريه زكى الدكتور صاحب العقلية البحثية المدققة فى العبارات والمصطلحات، والقس رجل الدين رئيس الطائفة الإنجيليّة وقبل كل هذا وذاك، المواطن المصرى الأصيل، المنشغل بهموم وطنه وأمّته العربية، مشددًا على أن ما شهدته مصر من تنمية ورؤية شاملة لحقوق الإنسان سياسية واجتماعية ودينية، تعزيزًا للمواطنة على أرض الواقع نقلة غير مسبوقة وتاريخيّة.

وأكد زكى أن مبادرات الرئيس عبدالفتاح السيسى بمشاركة مسيحيى مصر الاحتفال بعيد الميلاد المجيد بالكاتدرائية فى سابقة رئاسية أولى، والتأكيد الدائم على الحق فى بناء دور عبادة، وصولًا لافتتاح المسجد والكنيسة بالعاصمة الإدارية الجديدة، بحضور قيادات سياسية ودينية بتنوعها، يؤكد أن الرئيس سبق النخبة بأفعال تُرسخ للمواطنة ومن شأنها خلق أنساق ثقافية جديدة تعزز وحدة ولُحمة المجتمع المصرى.

رئيس التحرير خلال حواره مع القس أندريه زكى
رئيس التحرير خلال حواره مع القس أندريه زكى

 

■ الدكتور أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيليّة فى مصر كل عام وحضراتكم وكل المصريين بخير بمناسبة أعياد مصر، القيامة والعمال والربيع، قبل بدء حوارنا تحدثنا عن بعض المصطلحات الإعلامية ذات الصلة بالقضايا الدينية، إلى أى مدى تؤثر المصطلحات غير الدقيقة فى خلق صورة ذهنية زائفة وأهمية تصحيحها لتقوية نسيج المجتمع المصرى؟

- ضبط المصطلحات أحد أهم بنود التقدم فى أى جماعة وكل دولة، فما الإنسان إلا نتاج الأفكار والمفاهيم الحاكمة له، والمسيطرة على فهمه وإدراكه للقضايا، ولذا فإن من المهم ضبط المصطلحات للمساعدة على بناء ثقافة مُشتركة.

فى الدراسات العلمية، ينطلق الباحث من ضبط المصطلح، لتكون مدلولاته معبرة لدى الجميع عن حقيقته، لذلك ما تطرقت له فى هذه القضية، يتطلب من الإعلام بذل جهد لتدقيق المصطلحات التى يستخدمها وتجنب ما يحمل رسائل ومفاهيم زائفة وتبنى الدقيق المقوى للُحمة المجتمع والنسيج الوطني.

■ بمناسبة البحث العلمى فإن دراستكم الأكاديمية لنيل درجة الدكتوراه كانت حول تيارات الإسلام السياسي، كيف رأيتهم فى نتائج دراستك والعام الذى تولوا فيه حكم مصر؟

- حصلت على الدكتوراه فى جامعة مانشستر قبل ما سمى بالربيع العربى بعشر سنوات، وكانت دراستى حول مدى إمكانية وصول تيارات الإسلام السياسى للسلطة، ووقتها صنفت الإسلام السياسى تيارين رئيسيين رغم كثرة الفروع المنبثقة من كل منهما:

الأول: يسعى للوصول إلى السلطة بآلية عمل متدرجة تستهدف السيطرة على العقول للوصول إلى تحقيق الهدف، والثانى: يستخدم العنف بهدف إسقاط الأنظمة الحاكمة للوصول إلى السلطة.

وفى اعتقادى أن وصول تيار الإسلام السياسى للحكم عام 2012، تجربة مهمة للشعب المصرى، على الرغم من أضرارها، فقد تمكن الشعب من اختيارهم واختبارهم، وكانت نتيجة ذلك الاختبار 30 يونيو التعبير الحقيقى عن الدولة المصرية التى تحترم الدين، لكنها دولة وطنية مدنية تبنى علاقتها بمواطنيها على أساس المواطنة لا الهوية الدينية، وهى نقلة كبيرة لمصر، لأنها عودة لجذور الهوية الوطنية الجامعة، مصر لكل المصريين، وهى فى الوقت ذاته بالمعنى الأشمل جزء من الأمة العربية.

■ إذن اتضح للجميع الفرق بين التدين الصحيح، وبين المتاجرة بالدين لتحقيق مكاسب سياسية؟

- المصريون يعشقون الدين، والقضية الأساسية دائمًا، ما مدى الفهم الصحيح للدين وتعاليمه، وعلاقته بالمجتمع والدولة، وهى مفاهيم مهمة جدًا، لذلك على الرغم من تحديات عام صعود الإخوان للحكم وما تلاه من أحداث، فإن مصر مرت بتجربة مفيدة لأنها أعطت المصريين فرصة لمراجعة الكثير من المفاهيم، ووضع خطوط فاصلة بين حب واحترام الدين والتدين، ورفض توظيفه لتحقيق أهداف سياسية.

■ فى السنوات السابقة على ٢٠١٣، كان المصريون مسيحيو الديانة يشكون من معوقات الحصول على تراخيص، ترميم وبناء دور عبادتهم، ما انعكاسات قانون بناء وترميم الكنائس الصادر في أغسطس 2016 على أرض الواقع؟ 

- من القوانين بالغة الأهمية التى جعلت المواطنة فعلًا على أرض الواقع، قبله كان الأمر مرهونًا بالموافقات الشفهية، ويكفى أن نذكر أن الطائفة الإنجيليّة لديها 1500 كنيسة محلية مقننة ومرخصة الآن، قبل عام 2012 كان عدد المرخص فقط 500 كنيسة، وعقب صدور القانون عام 2016، تقدمنا بطلبات تقنين 1070 كنيسة وبيت مؤتمرات ودار خلوة روحية، تمت الموافقة على تقنين 500 كنيسة ودار مؤتمرات، وبذلك ما تحقق فى ست سنوات فقط يفوق ما تحقق للطائفة الإنجيليّة فى 200 عام من تاريخها فى مصر.

وهذا يعكس الفارق فى الإنجاز والمسافة الزمنية فقانون بناء وترميم الكنائس قانون وطنى يعزز اللُحمة الوطنية وأتصور أن السنوات الخمس المقبلة ستشهد توفيق أوضاع جميع كنائس مصر، وهذه نقلة نوعية غير مسبوقة. 

■ فى القاهرة القديمة، نرى مسجد عمرو بن العاص يعانق الكنيسة المعلقة، وفى العاصمة الإدارية الجديدة كان أول افتتاح لمنشآت مسجد الفتَّاح العليم وكنيسة الميلاد، كيف قرأتم ذلك، وما أثره فى منظمات الخارج التى استخدمت مزاعم الاضطهاد للنيل من مصر؟

- الحقيقة، دلالات افتتاح المسجد والكنيسة فى العاصمة الإدارية الجديدة بالغة الأهمية، بما عكسته من اهتمام جميع الدولة المصرية، ومشاركتها فى الحدث، بداية برئيس الجمهورية والقيادات السياسية والدينية، مرورًا بالكلمات التى تم إلقاؤها، من فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر وقداسة البابا تواضروس الثانى، داخل الكنيسة، موقف تبادلى وطنى حر، خلق وعيًا مجتمعيًا بالتعددية وقبول الآخر وتقديره واحترامه فى مصر، تأثير ذلك لم يقتصر على الكثير من أبناء الوطن بل الخارج رأى ذلك وتأثر.

هذا الموقف، لحظة فارقة فى تاريخ مصر، شاهدنا القيادة السياسية والدينية بكل تنوعاتها معًا فى افتتاح مسجد وكنيسة، لإعطاء رمزية الوحدة الوطنية والتلاحم المجتمعى ورسالة مفادها أن المصريين جميعًا يحترمون الأديان ومعتقداتهم.

■ المشهد بدأ بمبادرة هى الأولى لرئيس مصرى، بحضور الرئيس السيسى المستمر لاحتفالات عيد الميلاد المجيد بالكاتدرائية للتهنئة، ما أثر تلك المبادرات الرئاسية على تصحيح الفكر المجتمعى وترسيخ مفاهيم المواطنة؟

- ما يقوم به الرئيس السيسي، من مشاركة الأقباط احتفالاتهم بعيد الميلاد بالكاتدرائية، والتأكيد الدائم على حق الجميع فى بناء دور العبادة مهم لأنه يخلق وعيًا مجتمعيًا جديدًا، فالتغيير المرتبط بالنخبة سهل، بينما المرتبط بالجماهير صعب ويستغرق وقتًا طويلًا، والتغيير هنا على مستوى النخبة الثقافية والقاعدة الشعبية معًا، وهى نقلة اجتماعية ضخمة جدًا.

اعتقادى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سبق النخبة الثقافية فى هذه القضية، وعادةً فى المجتمعات النخبة تسبق بالتنظير للقضايا، الرئيس هنا سبق وقام بأفعال من شأنها تخلق أنساقًا ثقافية جديدة، تغير فى الذهنية وتغير فى الواقع، وهذه نقلة تاريخية مهمة فى تاريخ مصر الحديث، فالذى يقود هذا الإصلاح ويدعو للتعددية وقبول الآخر واحترام معتقدات الجميع هو الحاكم رأس الدولة، وهذا تفرد للرئيس.

■ إذا كان رأس الدولة يقود هذا النهج الإصلاحى، بأفعال على الأرض، تعكس الإرادة السياسية، فما دور قادة المؤسسات الدينية، للبناء على ذلك لتأسيس بنية ثقافية مجتمعية تعزز من قوة اللُحمة الوطنية فى مجابهة التحديات، وما طبيعة العلاقات بين القيادات الدينية؟

- دور القيادات الدينية البناء على ما تحقق، وتربطنى بالقيادة الإسلامية علاقة محبة واحترام عميق، بفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وفضيلة مفتى الجمهورية الدكتور شوقى علام، وفضيلة الدكتور وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، ولقاءاتى مع القيادات الدينية الإسلامية، خرجت عن البروتوكول التقليدي، لتتحول للقاءات يدور فيها حوار عميق وحر من أجل مصلحة الوطن.

فنلتقى رسميًا فى الأعياد لتقديم التهنئة للقيادات الدينية الإسلامية، وفى كل مرة يكون المتوقع أن يكون اللقاء 25 دقيقة، فتمتد لأكثر من ساعة ونصف الساعة ولو تركناها لامتدت أكثر، لما بها من محبة ونقاشات فكرية عميقة، وفى إحدى الزيارات لفضيلة المفتى كان معى وفد أجنبى، وعندما رأى حفاوة وحرارة الاستقبال تعجب، وعاد إلى أمريكا وكتب مقالًا عنوانه: «كيف يستقبل مفتى الجمهورية رئيس الطائفة الإنجيليّة فى مصر؟»، تحدث فيه عن حفاوة وحرارة الاستقبال واللقاء، لأنها علاقات حقيقية صادقة من القلب.

وكذلك علاقاتنا بالطوائف المسيحية، قداسة البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والبطريرك إبراهيم إسحاق علاقات قوية، فالعلاقات بين القيادات الدينية فى هذا العهد قائمة على المحبة والاحترام والصداقة.

■  ما مسئولية القيادات الدينية على الطرفين فى نقل هذه الحقائق للقواعد الشعبية؟

- المصريون أذكياء، عندما يروننا بهذا السلوك يستطيعون التمييز هل نمثل أم هى علاقات محبة واحترام حقيقي، ومن ثم يدركون أنها علاقات حقيقية وهذا فى حد ذاته درس ورسالة.

ثانيًا: المسألة لا تقف عند القيادات الدينية العليا، بل والقيادات الوسيطة أيضًا، فعندما أذهب إلى الصعيد لافتتاح كنيسة، فإن أصحاب الفضل والفضيلة القيادات الدينية الإسلامية فى المحافظات يستقبلوننا وأصبحت بينى وبينهم صداقات عميقة، وهذا التعدد والتنوع فى حد ذاته يخلق مجتمعًا أفضل، ومن يقول لا توجد مشكلات يخدع نفسه، لكن القاعدة العامة هى المحبة والصداقة.

■ شهدت مصر رسم خريطة جديدة تنموية، وعمرانية ومفاهيم جديدة لحقوق الإنسان إلى جانب السياسى منها الحق فى الحياة بالقضاء على الإرهاب والحق فى سكن كريم والحق فى بناء دور العبادة وحرية المعتقد، هل يصل ذلك للغرب وما مدى مصداقية المراكز البحثية التى تستند إلى مصادر غير رسمية فى إصدار تقاريرها المضللة؟

- بالتأكيد رؤية مصر لحقوق الإنسان متكاملة، وكُنت بين حضور اللقاء الذى دعا فيه الرئيس السيسى لإطلاق استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان فى مصر، وأريد أن أميز بين بعض الدول فى الغرب التى تحاول استخدام ملف حقوق الإنسان عندما تكون غاضبة كأداة سياسية، وبين رؤية مصر المتكاملة لحقوق الإنسان.

فالحقوق السياسية مهمة، لكن لا ينبغى التقليل من الحقوق الأخرى، فيجب النظر لحقوق الإنسان نطرة متكاملة كما تفعل الدولة المصرية، ومن الخطأ تعميم الحكم على الغرب، لأن نظرتهم وتعاطيهم مع ذلك الملف ليس واحدًا، فبعضهم موضوعى وبعضهم غير موضوعي.

ومن المهم عدم إغفال أثر المال فى توجهات وتقارير تلك المراكز والمنظمات الحقوقية، فالسؤال: من يمول تلك المراكز؟ قطعًا التمويل له دور فى التأثير فى مراكز القرار، ومن أدوارنا المهمة نقل الحقائق.

وأنا رجل دين محافظ على مصداقيتي، أؤكد أن مصر تشهد تطورًا غير مسبوق فى جميع القطاعات والملفات، ومن بينها رؤية شاملة لحقوق الإنسان والعلاقات والحقوق الدينية، وما لم أكن أرى التطور الذى تشهده مصر حقيقة وواقعًا معاشًا لكُنت اكتفيت بالصمت وننقل ذلك إلى الغرب بضمير صادق، ونرحب بالموضوعى ونرفض المُضلل من التقارير.

■ هل تستقى تلك المراكز معلوماتها من المعنيين الرسميين، أم من شخوص لا يمثلون من يتحدثون عنهم تمثيلًا حقيقيًا؟

- «السوشيال ميديا»، تزيف الحقائق والصوت والصورة أيضًا، وجزء كبير من المشكلة تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، التى تؤثر فى الصورة الذهنية لدى البعض، ودورنا هنا أن نُظهر الحقيقة، ونكشف زيف وكذب الملفق، وما دمنا نؤدى دورنا، سنظل نجدف ضد التيار غير الصادق وسنظل مخلصين لوطننا الذى يشهد تطورًا غير مسبوق.

■ أنشأت الطائفة الإنجيليّة أول مدرسة للفتيات فى صعيد مصر بأسيوط عام 1856، ما دوركم المجتمعى فى التعليم والصحة والزراعة وتعاونكم مع التحالف الوطنى بما شهده من تنسيق جهود الجمعيات الأهلية والمجتمع المدنى لخدمة الشعب المصرى كافة؟

- الكنيسة اهتمت من البداية بالتعليم، وأول مدرسة للبنات فى مصر نحن من أنشأناها، وفى صعيد مصر، ولدينا حاليًا 24 مدرسة على مستوى الجمهورية، بخلاف المدارس التابعة للكنائس المحلية، وجميعها تتميز بتقديمها تعليمًا ناجحًا، ولا تتوقف عند التعليم فقط، بل تتبنى بناء الشخصية المصرية، وهذا ما يميز مدارسنا، إلى جانب المستشفيات والمستوصفات العلاجية التى تخدم المجتمع ككل.

والهيئة الإنجيليّة مؤسسة مجتمع مدني، أسستها الكنيسة جمعية أهلية عام 1850، واستقلت عام 1860, جمعية أهلية تخدم المصريين دون تمييز، واليوم نخدم نحو 4 ملايين مواطن 90% منهم من المصريين المسلمين، من خلال 400 جمعية قاعدية، تخدم المجتمع، بعيدًا عن النظر للون ولا النوع ولا الجنس ولا الدين.

ونشارك فى مبادرة ازرع مع التحالف الوطنى للجمعيات الأهلية، وكان العام الماضى مشروعًا مبدئيًا لزراعة 150 ألف فدان قمح عن طريق 100 ألف مزارع، ونجحت التجربة، وتم عرضها على السيد الرئيس فى اللقاء الذى تم مع المجتمع المدني، وحاليًا مع التحالف الوطنى اتسعت المبادرة لتستهدف زراعة مليون فدان، وتحقق فعليًا زراعة ثلثى تلك المساحة والعمل مستمر فى إطار رؤية التحالف الوطنى انطلاقًا من رؤية الدولة المصرية.

■ هل هذه المساحات مستصلحة حديثًا أم هى دعم لفلاحين قائمين على زراعة أرضهم؟

- نعمل مع صغار الفلاحين بدعمهم وتمكينهم من الزراعة وإمدادهم بمستلزمات الإنتاج لتعزيز قدراتهم بخلق فرص عمل وتعزيز الأمن الغذائى.