الأربعاء 17 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مواقف مصر الثابتة وتعزيز قدرتها الشاملة

فعلا وقولا

مواقف مصر الثابتة وتعزيز قدرتها الشاملة

«ستظل مصر على موقفها الثابت فعلًا وقولًا..»، عبارة ذهبية بليغة عبر بها الرئيس عبدالفتاح السيسى عن عقيدة أم الدنيا خلال كلمته بالقمة العربية الثالثة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية بالعاصمة البحرينية المنامة.



عبقرية التعبير فى تقديم الفعل على القول، فهى دولة أفعال لا شعارات جوفاء، تُنجز على الأرض قبل أن تتحدث، وإذا نطقت بعثت برسائلها البليغة للعالم أجمع ومن يعنيه الأمر، شارحة، ناصحة ومحذرة.

استراتيجية الفعل القائم واقعًا والقول الصادق دائمًا، راسخة فى ضمير مصر، قيادة وشعبًا، تعكسها مواقفها الدولية وسياساتها الداخلية ومنهجية عمل الرئيس السيسى فى مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية.

شواهد ذلك كثيرة ومتعددة يمكن أن نستعرض قليلًا من كثيرها:

 

أولًا- استراتيجية الفعل والإنجاز والقدرة الشاملة

قدرة الدولة على الفعل والتأثير تحكمها عوامل عدة فى مقدمتها قدرتها الشاملة المتمثلة فى مجموع قواها الدبلوماسية والبشرية والاقتصادية والعسكرية وموقعها الجغرافى، قوتها الناعمة والحضارية.

لذا عمل الرئيس السيسى منذ اللحظات الأولى لتوليه أمانة الحكم، على تثبيت أركان الدولة، وتعزيز مكونات قوتها لبلوغ الهدف الأسمى، وهو دولة عصرية حديثة تملك قدرة شاملة لازمة لحماية مقدراتها وأمنها القومى، ملبية لطموحات شعبها، قادرة على التعامل المرن مع صدمات وتحديات المتغيرات الدولية.

لم يكن ذلك سهلًا ولا ممكنًا، إلا بتوافر إرادة سياسية فولاذية ورؤية وخطط عملية وقدرة على التضحية والعمل وامتلاك آليات تنفيذ الإصلاحات والمشروعات القومية اللازمة لبلوغ المستهدفات الرئيسية وما يسهم فى بلوغها من أهداف مرحلية.

١- القوة البشرية

الشعب أحد أهم مكونات القدرة الشاملة للدولة، لأجله وبه يتحقق الإنجاز وهو من يدفع ثمن هدم الدول معاناة وتشريدًا، والأمثلة المحيطة بك أوضح من أن نذكرها.

كان التحدى الأول تقوية نسيج المجتمع المستهدف من الأعداء بصراعات داخلية وتمزيق للهوية والنسيج الوطنى؛ لذا كانت المعركة الأولى للدولة والرئيس السيسى تعزيز حصون الوعى والعمل على توفير ما يلزم لبناء إنسان واعٍ مُبدع، مُنتج، يحيا بكرامة.

بدأ السيسى تطبيق استراتيجية «فعلًا وقولًا»، بلا وعود أسرع فى تحقيق الإنجازات، لينطق الفعل على أرض الواقع، قبل أن يخاطب العقول بالقول شارحًا وموضحًا كلفته وأهميته.

بداية بالمشروع القومى الأول، المجرى الملاحى الجديد لقناة السويس، مرورًا بالقضاء على العشوائيات ومشروعات الطاقة والبنية التحتية وصولًا لمضاعفة الرقعة الزراعية والقدرة الإنتاجية، الدلتا الجديدة وتوشكى الخير.

كان الإنجاز أولًا فعلًا على أرض الواقع ثم يأتى القول الفصل حاملًا للرسائل خلال الافتتاح، اختفت فعاليات «وضع حجر الأساس» ليكتشف الشعب تفاصيل المشروعات يوم «افتتاحها» يتحدث الرئيس شارحًا مستهدفًا تعزيز حصون الوعى لبناء حاضنة شعبية دفاعية داعمة لمواصلة البناء.

فى افتتاح مشروعات تنموية بجنوب الوادى والحصاد فى توشكى المعززة لقدرة الأمن الغذائى، تحدث الرئيس عن أهمية بناء وعى المواطن بحقيقة التحديات ومسئولية الفرد والدولة فى مواجهتها.

دعا الرئيس الحكومة والإعلام لشرح الأوضاع للمواطن، مستعرضًا الكلفة الحقيقية لخدمات أساسية مثل الكهرباء ورغيف الخبز، ومتطلبات الحفاظ عليها، متسائلًا: «هل نقطعها أم نرفع سعرها؟».

وهو سؤال استنكارى هدفه دفع المواطن للتفكير فى التحديات وحلولها لتعزيز الخدمة وبقائها، يزداد السعر العالمى للوقود اللازم لمولدات الكهرباء ومن ثم كلفة إنتاجها مع زيادة 25 مليون مواطن فى عدد السكان فى أقل من 10 سنوات بما يمثله من ضغط إضافى على الاستهلاك فى جميع الخدمات، وبالتبعيّة مخصصات الموازنة العامة لتوفير خدمات الصحة والتعليم والسكن والغذاء.

هل تخفيف الأحمال أم فقدان الخدمة أم تحريك جزئى لنسب الدعم لتوفير متطلبات استمرار الخدمات وتحسين الأساسى منها وفى القلب منه الصحة.

تنتج مصر 100 مليار رغيف خبز مدعمًا سنويًا يباع عبر بطاقة التموين بـ5 قروش، كلفته الفعلية المقدرة ما بين جنيه واحد وجنيه وربع الجنيه، بما يعنى أن الكلفة الفعلية بالميزانية 100 مليار جنيه، يباع بـ 5 مليارات فقط، تحريكه 10 قروش فقط يوفر 10 مليارات جنيه من فاتورة الدعم يمكن منحها للمواطن الأكثر احتياجًا دعمًا نقديًا، لتعزيز الحماية الاجتماعية.

تعزيز موارد الموازنة عبر المشروعات الإنتاجية والإصلاحات الاقتصادية المصحوبة بالتوسع فى حزم الحماية الاجتماعية لتخفيف أعباء الأسر الأكثر احتياجًا، فلسفة الدولة، للإبقاء على الدعم شريطة وصوله لمستحقيه.

هل من المنطقى أن تسير سيارات السفارات الأجنبية فى مصر بوقود مدعوم من الدولة بالسعر ذاته المتاح للمواطن البسيط سائق السيارة الأجرة؟! وهل من المنطقى أن يحصل الملياردير وملاك مصانع تستهلك سياراتها آلاف اللترات يوميًا على وقود مدعوم بسعر سائق الأجرة؟!

 

بفرض أن الدولة تدعم لتر الوقود بخمسة جنيهات، المواطن الذى لا يملك سيارة نصيبه من دعم الوقود جنيهات معدودات فارق سعر أجرة المواصلات، بينما مالك السيارة الملاكى الذى يستهلك 20 لترًا يدعم بمائة جنيه يوميًا، التاكسى الذى يستهلك 50 لترًا، يدعم بـ 250 جنيهًا يوميًا، بينما ملاك المصانع ورجال الأعمال المالكين لسيارات فارهة وأسطول نقل ثقيل للمنتجات، يستهلك الواحد منهم ألف لتر يوميًا تدعمه الدولة بـ 5 آلاف جنيه فى اليوم الواحد بمتوسط 150 ألف جنيه شهريًا!.. إذن منظومة الدعم بقاؤها واجب وإصلاحها ضرورة ليصل لمستحقيه فعليًا بآليات عادلة.

2- الروح التى تسرى فى جسد التنمية 

التنمية الاقتصادية تتطلب بنية تحتية وطاقة، فالكهرباء بمثابة الروح التى تسرى فى جسد التنمية، فكما يتحول الإنسان إلى جثة هامدة بزوال الروح تتحول الماكينات وجميع وسائل الإنتاج الزراعى والصناعى إلى جثة هامدة بانقطاع الكهرباء.

من هنا ندرك أهمية امتلاك مصر القدرة الإنتاجية للطاقة والحفاظ عليها، تحقق ذلك برؤية عميقة واستراتيجية تلبى احتياجات خطط التنمية بمكوناتها المختلفة، وهو ما شرع فى إنجازه الرئيس السيسى فور توليه الحكم فى 2014. 

عبر محورين الأول رفع كفاءة محطات التوليد والشبكات القائمة واستحداث مصادر جديدة تضاعف القدرة الإنتاجية.

كانت فجوة عجز الطاقة الكهربية فى مصر بين الإنتاج والاستهلاك 3000 ميجا وات يوميًا يصل لحده الأقصى 6050 ميجا وات يوميًا فى ذروة أشهر صيف 2012, وهذا العجز انعكس سلبًا على حياة المواطن حينها فى شكل انقطاعات متكررة بلا سابق إنذار، نتيجة أخطاء وعجز حولت حياة المواطن إلى جحيم وتعطلت خطوط الإنتاج.

والأخطر حينها تعامل حكومة الإخوان مع التحدى بسطحية، فخرج رئيس وزرائهم عام 2012 ناصحًا المواطنين بارتداء ملابس قطنية والجلوس فى غرفة واحدة لتوفير الطاقة.. بينما اختصر رئيسهم الأزمة فى «عاشور»، الذى حرض العامل على فصل سكينة الكهرباء نظير رشوة 20 جنيهًا! تتذكرون ذلك جيدًا.

أسرع الرئيس السيسى فور توليه الحكم فى وضع خطة عاجلة لتنفيذ مستهدف الوصول إلى قدرة إنتاجية 3636 ميجا وات يوميًا فى غضون 34 أسبوعًا ليشعر المواطن بالتحسن.

نجحت الدولة فى إضافة قدرة إنتاجية 1840 ميجا وات بلا وقود إضافى، عبر صيانة ورفع قدرة المحطات القديمة والدورة الإنتاجية المركبة، أنجزت محطات جديدة عملاقة بالتعاون مع شركة سيمنز الألمانية بإجمالى قدرات 14400 ميجا وات لتغطى وحدها العجز عام 2014.

كلفة تلك الإنجازات المتحققة فى زمن قياسى، كانت ستتضاعف حال تأجيلها، امتلكنا بنية تحتية متنوعة لتوليد الطاقة عبر المحطات الشمسية والرياح والمياه والنووية وصولًا إلى تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر وهى قدرات لازمة لمتطلبات التنمية الشاملة والحياة الحضارية.

٣- القدرة العسكرية

كانت أبواق الأعداء تحاول العبث بالوعى الجمعى بمزاعم الأولويات كلما أعلنت مصر عن تعزيز مصادر تسليحها بسفن قتالية وطائرات حديثة حربية، ليأتى واقع الحال المعاش وتنامى التهديدات على جميع المحاور الاستراتيجية؛ مؤكدًا أن تعزيز القدرة الدفاعية المصرية ضرورى فى محيط إقليمى ودولى متلاطم الصراعات.

٤- القوة الدبلوماسية 

يعززها التاريخ الناصع وثبات المواقف والانحياز للعدل والحق واحترام سيادة الدول، فالرئيس اليوم فى زيارة للصين تلك الدولة التى كانت مصر أول دولة عربية وإفريقية تعترف بالصين الشعبية وتدعم عضويتها بالأمم المتحدة وتواصل مصر مواقفها الثابتة فى العلاقات الدولية فعلًا وقولًا، تعزز شراكاتها الاستراتيجية وتدعمها بما يعزز من قدرتها الشاملة على التأثير والتعاون فى مختلف المجالات.

ثانيًا- القضية الفلسطينية 

عودة إلى رسائل الرئيس السيسى الحاسمة المعبرة عن موقف مصر الثابت: «ستظل مصر على موقفها الثابت..» الذى رسخ فى ضمير الأمة تاريخيًا: بما قدمته من عطاء وبذلته من دماء، وحالًا: فى مواجهة التحديات الراهنة فى قطاع غزة.

ستظل مصر، لأنها فعليًا تدعم القضية الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن الماضى وبذلت الدماء فى حرب 1948 وتحملت خسائر 1967 وكسرت أنف المحتل وحجمت أطماعه التوسعية فى أكتوبر 1973.

تقف مصر بقيادة الرئيس السيسى سدًا منيعًا ضد مخططات المحتل «برفض تصفية القضية الفلسطينية ورفض تهجير الفلسطينيين أو نزوحهم قسريًا أو ما يجعل الحياة مستحيلة فى قطاع غزة بهدف إخلاء أرض فلسطين من شعبها».

أغلق المحتل المعبر من الاتجاه الفلسطينى فأنزلت قواتنا المساعدات جوًا وتواصل مصر جهودها المخلصة لوقف دائم لإطلاق النار وإنفاذ المساعدات للأشقاء، تحشد الرأى العام الدولى وتنسق مع القوى الفاعلة صاحبة الرؤية العادلة.

فى الصين أمس واليوم يتحدث الرئيس عن القضية والحق المشروع فى دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 يونيو 1967 ويعظم من الشراكات فى مختلف المجالات اقتصادية وسياسية.

فعلًا واقعيًا تقف مصر سدًا منيعًا وقولًا يواصل الرئيس السيسى رسائله شارحًا، ناصحًا، محذرًا، فى القمة العربية منذ أسبوع بالعاصمة البحرينية المنامة: 

حذر الواهمين والمخطئين: 

١- واهم من يتصور أن الحلول الأمنية والعسكرية قادرة على تأمين المصالح أو تحقيق الأمن. 

٢- مخطئ من يظن أن سياسة حافة الهاوية يمكن أن تجدى نفعًا أو تحقق مكاسب.

٣- ثقة جميع شعوب العالم فى عدالة النظام الدولى تتعرض لاختبار لا مثيل له وأن تبعات ذلك ستكون كبيرة على السلم والأمن والاستقرار فالعدل يجب ألا يتجزأ وحياة أبناء الشعب الفلسطينى لا تقل أهمية عن حياة أى شعب آخر.

٤- اللحظة الفارقة تفرض على كل الأطراف المعنية الاختيار بين مسارين: السلام والاستقرار والأمل أو مسار الفوضى والدمار الذى يدفع إليه التصعيد العسكرى المتواصل فى قطاع غزة.

٥- إن التاريخ سيتوقف طويلًا أمام العدوان على غزة ليسجل مأساة كبرى عنوانها الإمعان فى القتل والانتقام وحصار شعب وتجويعه وترويعه والسعى لتهجيرهم قسريًا واستيطان أراضيهم وسط عجز مؤسف من المجتمع الدولى بقواه الفاعلة ومؤسساته الأممية. 

٦- إسرائيل مستمرة فى التهرب من مسئوليتها والمراوغة حول الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار ماضية فى عمليتها المرفوضة.

٧- جهود مصر والأشقاء والأصدقاء متواصلة لإنقاذ المنطقة من السقوط فى الهوة العميقة، بينما الإرادة السياسية الراغبة فى العلاج الجذرى للصراع عبر حل الدولتين غائبة.

ستظل مصر على موقفها الثابت فعلًا وقولًا، تدعم الحق والعدل، تعزز قوتها وقدرتها الشاملة، فيما تتآكل صورة المحتل الغاصب لفلسطين، وتتهاوى أكاذيبه، ويزداد شرفاء العالم المؤيدون للحق والرؤية المصرية لإحلال السلام، فها هى ثلاث دول أوروبية تعترف بدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية «إسبانيا والنرويج وأيرلندا».

وقادة الاحتلال يلاحقون بتهم جرائم حرب.

فقد قالها رئيس مصر: «ستظل حقوق أطفال فلسطين القتلى والأيتام سيفًا مسلطًا على ضمير الإنسانية حتى إنفاذ العدالة من خلال القانون الدولى».

حفظ الله مصر