أيمن عبد المجيد
الرئيس السيسى حدد فى تكليفه للدكتور مدبولى معايير اختيار الوزراء وأهداف وقائمة أولويات الحكومة الجديدة
مواصلة الإصلاحات ومجابهة التحديات
بين الأمل والرجاء فى غد أفضل، يترقب شعب مصر الحكومة الجديدة، التى كلف الرئيس عبدالفتاح السيسى الدكتور مصطفى مدبولى بتشكيلها.
حدد الرئيس السيسى فى خطاب التكليف معايير اختيار أعضاء الحكومة، وأهدافها، وقائمة أولوياتها، بما يُمكن المدقق فى التفاصيل من قراءة ملامح المستقبل.
مواصلة الإصلاحات ومجابهة التحديات، عنوان يمكن أن يجمل الولاية الرئاسية الجديدة للرئيس عبدالفتاح السيسي، وتكليفاته لحكومة مدبولى الثانية المنتظرة.
فقد سطرت مصر «عشرية إصلاحية» تتعاظم قيمة إنجازاتها، قياسًا على التحديات الداخلية، التى زادت حدتها أزمات عالمية وصراعات إقليمية ودولية.
تحقيق الأمن والاستقرار والقضاء على الإرهاب، وتعظيم قدرة مصر الشاملة، واستعادة مكانتها الدولية، أحد أهم تلك الإنجازات، التى ما كان بالإمكان تحقيقها بدون إرادة سياسية تحقق التوازن بين مجابهة التحديات وعلاج المشكلات بإصلاحات جذرية.
انتهت فى «العشرية الإصلاحية» سياسات المسكنات، وانتهجت الجمهورية الجديدة سياسة العلاج الحقيقى، الانتقال من مجرد رصد المرض وكلمات المواساة، إلى تشخيص دقيق لتحديد العلاج الأمثل.
بعض أمراضنا المستعصية لسنوات، تطلبت جراحات دقيقة عاجلة، لإنقاذ حياة الوطن والمواطنين، فى القلب منها المنظومة الاقتصادية، والبنية التحتية، وخريطة التنمية العمرانية، فقد ظلت مصر لعقود أنبوبا ضيقا من الوادى والدلتا يكتظ بملايين الشعب فى ٧٪ فقط من مساحة مصر التى تجاوزت مليون كيلو متر مربع.
بينما التحديات تتعاظم، وتتبدل خريطتها، بفعل الزيادة السكانية، وتغيرات خريطة تحالفات القوى الدولية، وتأجج الصراعات، بما يعظم الحاجة لمواصلة الإنجازات التى تعظم من القدرة الشاملة للدولة المصرية، للحفاظ على أمنها القومى وتعزيز قدرتها على تلبية طموحات شعبها.
المدقق فى قراءة خطاب التكليف الرئاسى لرئيس الحكومة المرتقبة يدرك الآتى:
أولًا: معايير اختيار الوزراء فى الحكومة الجديدة:
كلف الرئيس عبدالفتاح الدكتور مصطفى مدبولى بتشكيل حكومة جديدة من «ذوى الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة».
وهنا ثلاثة معايير: الكفاءة والخبرة والقدرة المتميزة، وهو ما يعكس إرادة تشكيل حكومة تملك مؤهلات وقدرات تحقيق أهداف الرئيس والدولة فى الولاية الرئاسية الجديدة.
ثانيًا: الأهداف السبعة للدولة المنوط بالحكومة العمل على تحقيقها:
حدد الرئيس السيسى قائمة بأولويات الأهداف:
١- الحفاظ على محددات الأمن القومى المصرى فى ضوء التحديات الإقليمية والدولية.
وهو هدف رئيسى للحكومة، فالمحددات تعنى الثوابت والخطوات الفاصلة بين مصالح الوطن العليا وأمنه القومى وما دونها.
ومفهوم الأمن القومى ممتد إلى حيث تقف مصالح الدولة المصرية، يشمل الحفاظ على سلامة التراب الوطني، والأمن المائي، والأمن الغذائي، وقوة نسيج المجتمع، وتعظيم القدرة البشرية، والقدرات الاقتصادية.
ذلك فى ظل تحديات إقليمية جعلت مصر كالسفينة التى تبحر فى محيط إقليمى متلاطم الأمواج، وسط شروخ أصابت بينان دول إقليمية زادت من التحديدات والمخاطر، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
فبعد معارك دامية نجحت فيها الدولة المصرية فى اقتلاع الإرهاب من جذوره واستعادة الأمن فى سيناء، نشأ تهديد العدوان الاسرائيلى فى قطاع غزة، ومخططات تهجير الشعب الفلسطينى التى وقفت مصر سدًا منيعًا لمواجهتها، وما زالت التهديدات قائمة والجهود متواصلة لدعم الأشقاء.
٢- وضع ملف بناء الإنسان على قائمة الأولويات.
الإنسان هو عماد الدولة، به ولأجله تبذل كل الجهود، وبقدر تنامى قدراته صحيًا وعلميًا وفكريًا، تتعاظم قدرة الدولة ومكونات قوتها.
أ- الصحة
ومنذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى حكم مصر وضع ملف بناء الإنسان والارتقاء بجودة حياته على قائمة أولوياته، خاصة فى قطاع الصحة الذى شهد رغم صعوبة تحدياته إنجازات، تمثلت فى القضاء على فيروس سي، وتخطى أزمة جائحة كورونا بأقل خسائر، والقضاء على قوائم الانتظار بمبادرات رئاسية صحية والشروع فى تنفيذ التأمين الصحى الشامل.
القوة البشرية، الفاعلة هى القادرة صحيًا، ولذا هناك تحديات ما زالت قائمة تتمثل فى زيادة سكانية تفوق القدرة الاستيعابية للبنية التحتية الصحية، وثقافة صحية تحتاج إلى تنمية، وكوادر بشرية نصفها يعمل خارج مصر.
لذلك رغم الإنجازات فإن أمام الحكومة الجديدة الكثير من التحديات فى ملف الصحة للعمل على تحقيق الأفضل لشعب مصر، من بنية تحتية لخدمة طبية إلى تنمية قدرات مصر فى الصناعات الدوائية واستكمال ما بدأ فى مجال توطين صناعة الأطراف والأجهزة الطبية.
ب- التعليم
من أهم أولويات الدولة لبناء عقول نقدية، تتجاوز الحفظ والاستذكار إلى الإبداع والابتكار.
وقطعت الدولة خطوات ثابتة فى تطوير منظومة التعليم قبل الجامعي، والجامعي، للانتقال إلى منظومة تستهدف تخريج منتج تعليمى قادر على الإيفاء بمتطلبات سوق العمل الحديث محليًا وعالميًا.
ولذا نجد اهتمام الدولة بالجامعات التكنولوجية والبرمجيات وتخصصات العمل المؤهلة لسوق عمل حديث، لذا أعتقد أن الهدف الرئيسى هو الوصول إلى منظومة تخرج أجيالا قادرة على مواجهة تطورات وتحديات المستقبل.
٣- المشاركة السياسية:
حققت الجمهورية الجديدة إصلاحات سياسية، بحرية إنشاء الأحزاب والتمكين السياسى لكافة مكونات المجتمع خاصة المرأة والشباب والقادرين باختلاف والمصريين بالخارج.
لتصل إلى حوار وطنى شامل لكافة مكونات الشعب، لوضع خارطة أولويات الوطن فى المرحلة المقبلة، وهى خطوات ناجحة أثمرت قرارات رئاسية استجابة لمخرجات الحوار الوطنى.
لذا وضع الرئيس فى تكليفه للحكومة هدف تعزيز المشاركة السياسية على قائمة أولويات الحكومة الجديدة يبشر بمزيد من الإصلاحات التى تحقق تقوية للنسيج الوطني، وتخلق كوادر من خلال مشاركة قادرة على تحمل المسئولية، وهو جزء من بناء الإنسان المصرى القادر سياسيًا، والمشارك فى اختيار من يمثله بوعى.
٤- تعزيز ما تم إنجازه فى ملف الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب:
يعد من أهم التكليفات الرئاسية للحكومة الجديدة، ومن أهم الإنجازات المتحققة فى السنوات الماضية، فقد بذل خيرة رجال مصر شهداؤها دماءهم للقضاء على الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار، ومن ثم تعزيز مكتسبات الأمن والاستقرار هدف للحكومة الجديدة.
قضت مصر على الإرهابيين، لكن من المهم مواصلة العمل على تحصين العقول ضد الفكر المتطرف والحيلولة دون عودة المتطرفين.
ولعل ذلك ينقلنا إلى الهدف الخامس للحكومة الجديدة.
٥- تطوير ملفات الثقافة والوعى الوطني.
الحرب تدور رحاها داخل الجمجمة، ومن ثم فإن مواجهة التطرف والإرهاب يكون سلاحها الأقوى هو تحصين العقول ضد الاستقطاب والتضليل، من خلال تطوير منظومة الثقافة وتعزيز حصون الوعى الوطنى.
وقطعت الدولة فى السنوات القليلة الماضية شوطًا فى ذلك من خلال استعادة قدرة ودور القوى الناعمة وفى مقدمتها دراما بناء الوعى، “الاختيار” و”الحشاشين” وغيرهما من الأعمال التى ثقفت العقول وحصنتها عبر حقائق تقدم فى سياق درامى إبداعي.
لكن التحدى ما زال قائمًا فى ظل الهجمات المتوالية على العقل الجمعى من خلال حروب الشائعات والإعلام المعادى ووسائل التواصل الاجتماعى.
لذا أعتقد أن هذا التكليف للحكومة الجديدة بالغ الأهمية ويتطلب عملا جادا،لتأسيس عقول مثقفة ونخبة فكرية حقيقية، وبناء إنسان مصرى لديه من الوعى الوطنى ما يجعله قادرا على إفراز ما يتلقاه من هجمات وثوابت هوية وطنية تحمية وتغلب انحيازه دائمًا لوطنه.
٦- الخطاب الدينى المعتدل
هدف رئيسى فى مواجهة التشدد والتطرف، ويعزز حصون الحماية الفكرية فى مواجهة الاستقطابات المتشددة، ويعزز الفهم الصحيح للدين فى كل ما له علاقة بتنظيم حياة المواطن، فالشعب المصرى متدين بطبيعته معتدل بفطرته يعلى صحيح الدين على مدار التاريخ، لديه قوة الأزهر الشريف، والكنيسة المصرية.
كل تلك الأهداف ذات الصلة ببناء الإنسان صحيًا وفكريًا وعلميًا ودينيًا، تعزز مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعى وقوة النسيج الوطنى.
٧- مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادى
من أهم الملفات التى شهدت جراحات عاجلة لإنقاذ الاقتصاد من أمراض مستوطنة.
أهمها توحيد سعر الصرف، وتنمية البنية التحتية والتشريعية الجاذبة للاستثمارات الأجنبيه، وتعزيز ثقافة الاستثمار وتنمية القدرة البشرية للقوى العاملة وتحديث منظومة الصناعة وتوسعة رقعة الاستثمار الزراعي.
ملفات شهدت تعزيز القدرة الإنتاجية لضبط أسعار السلع الأساسية من خلال ضخ إنتاج يحدث توازنًا بين العرض والطلب.
لذلك نجد تأكيد الرئيس على:
أ- جذب وزيادة الاستثمارات المحلية والخارجية:
وشهدت الفترة الماضية استثمارات رأس الحكمة وغيرها، كما شهدت اهتماما بتذليل عقبات المستمر المحلى وتنمية ثقافة ريادة الأعمال.
لذا، مواصلة هذا الهدف تعزز من قدرة الاقتصاد المصرى بإنتاج محلى يخلق فرص عمل ويحد من الاستيراد الخارجى ويعزز معدلات الاكتفاء الذاتى والتصدير.
ب- بذل الجهد للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق.
هدف رئيسى لحماية المواطن، وتخفيف أعباء الحياة، وهذا الهدف يتحقق عبر الرقابة على الأسواق وجذريًا من خلال زيادة القدرة الإنتاجية وتنمية الاقتصاد الوطني، بتطوير شامل للأداء الاقتصادى للدولة فى جميع القطاعات.
وفى هذا العدد ملف خاص يستعرض أهم الملفات على أجندة الحكومة الجديدة بإذن الله.
كل الشكر للحكومة المستقيلة لجهودها فى ظل سنوات التحديات وكل الأمنيات للحكومة المنتظرة بالتوفيق فى تحقيق أهداف الوطن وطموح المواطنين.
حفظ الله مصر