السبت 21 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

من هنا مر المسيح

رحلة العائـلة المقدسـة بركات حَّلّت على أرض مصر

صورة أرشيفية تخيلية لرحلة السيد المسيح والسيدة العذراء
صورة أرشيفية تخيلية لرحلة السيد المسيح والسيدة العذراء

حدث تاريخى ودينى على قدر كبير من الأهمية يحل كل عام فى بداية شهر يونيو، وذلك حين لجأت العائلة المقدسة «العذراء مريم والسيد المسيح والقديس يوسف النجار»، إلى مصر قادمين من فلسطين، هربًا من بطش الملك «هيرودس» حتى وصلوا إلى أرض الكنانة.



ولأنها ليست حدثًا عاديًا بل استثنائيًا فى تاريخ مصر، فقد لقيت تقديرًا عالميًا، حينما تم إدراج هذا المسار فى اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافى العالمى اللا مادى، وهو المجهود الذى بدأته وزارة السياحة والآثار عام 2018 بإعداد الدراسات الخاصة بالمواقع الأثرية على مسار رحلة العائلة المقدسة، ووضعه على قائمة التراث اللا مادى لمنظمة اليونسكو، كما أنه فى مارس 2020 انتهت الوزارة من إعداد ملف موثق للاحتفالات المرتبطة بمسار الرحلة وفق ضوابط منظمة اليونسكو وتسليمه للجنة الوطنية، كما اعتمد بابا الفاتيكان مسار الرحلة فى مصر ضمن مسار الحج المسيحى العالمى، حيث يضم المسار 25 نقطة على مسافة 3500 كم ذهابًا وعودة من سيناء حتى أسيوط.

تطوير

اهتمت الدولة بإحياء مسار العائلة المقدسة، إذ وضعت خطة لأعمال تطوير شامل لنقاط المسار فى المحافظات المختلفة، وهو ما تم تنفيذ كثير منه بواسطة وزارة السياحة والآثار، بالتعاون والتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية الأخرى، وهذا التطوير تضمن الخدمات السياحية حول نقاط ومناطق مسار الرحلة، ورفع كفاءة الطرق المؤدية إليها، وإنشاء طرق جديدة للسيارات والأتوبيسات السياحية.

ومن أبرز أعمال الترميم والتطوير التى تمت، ترميم كنيسة أبى سرجة بمصر القديمة، وكنيسة السيدة العذراء مريم والشهيد أبانوب بسمنود «2016»، والانتهاء من ترميم المبانى المتضررة من السيول فى أديرة وادى النطرون فى 2017، وخلال عام 2019 تم الانتهاء من مشروع صيانة وترميم موقع شجرة وبئر مريم بالمطرية، علاوةً على ترميم كنيسة السيدة العذراء مريم بجبل الطير.

توثيق

من جانبه قال الدكتور محمد عبداللطيف، مساعد وزير الآثار السابق، عميد كلية السياحة والفنادق بجامعة المنصورة: «إن هناك جهودًا كبيرة قامت بها الدولة ممثلة فى عدة وزارات وجهات، وذلك لتوثيق محطات مسار العائلة المقدسة فى مصر وتطويرها وتأهيلها لاستقبال السياحة المحلية والعالمية»، مشيرًا إلى أنه كان رئيسًا للجنة التى قامت بإعداد الدراسات والمواقع التى تخص رحلة العائلة المقدسة إلى مصر ووضع مسارات الرحلة على الخريطة السياحية العالمية، وقامت اللجنة بجمع كل الدراسات السابقة التى تخص زيارة العائلة المقدسة، وجمع المادة العلمية الموجودة بالوزارة التى تخص المواقع المسجلة فى الآثار الإسلامية والقبطية.

 

 

وكشف «عبداللطيف»، أن اللجنة انتهت إلى تحديد خمس محطات رئيسية من محطات رحلة العائلة المقدسة، التى لا تزال تحمل لنا كثيرًا من الآثار والقصص التى تحكى لنا الرحلة، كما أنها تعد من المواقع المتاحة أمام السياحة المحلية والدولية خاصة كنيسة أبى سرجة بمصر القديمة، وشجرة مريم بالمطرية، وأديرة وادى النطرون «دير السريان - البراموس - الأنبا بيشوى»، وكنيسة العذراء مريم بجبل الطير بسمالوط المنيا، ودير المحرق فى أسيوط، كما تم إعداد كتالوج توثيقى بالعربية والإنجليزية لمجموعة من المحطات الأثرية بالمسار ورصد مظاهر الاحتفالات الشعبية المرتبطة بمحطات العائلة المقدسة.

رفع كفاءة

أعمال التطوير التى تمت ومستمرة، تسعى كما أكد «عبداللطيف»، إلى تحقيق تنمية عمرانية على محور كبير، لا سيما فى الدلتا وصعيد مصر، بجانب خلق مسارات للتنمية السياحية تضاف إلى المواقع الأثرية، والقضاء على موسمية السياحة، حيث أن نقاط المسار يمكن زيارتها على مدار العام، نظرًا لكونها منتجًا روحانياً فى المقام الأول ولا يقتصر على شريحة معينة، ويهدف إلى زيادة العائد من النشاط السياحى على المجتمعات المحلية، ومن ثم تعزيز روح الولاء والانتماء، ورفع مكانة مصر عالميًا كأرض تحتضن مختلف الأديان والثقافات والحضارات، وإبراز صورتها الحقيقية وممتلكاتها الإنسانية.

صور للرحلة بأحد الأديرة
صور للرحلة بأحد الأديرة

 

ومن أبرز أعمال رفع الكفاءة التى تمت، إعادة رصف الشوارع المؤدية على مجمع الأديان بمصر القديمة، وتنفيذ ازدواج الطريق وإنشاء طريق بديل لوسائل النقل العام، علاوةً على إنشاء بوابات سياحية للمنطقة تحمل أيقونة العائلة المقدسة على مسافة بين 800 م إلى 1 كم من موقع المزار، وفى كفر الشيخ تم تطوير الكنيسة والشارع المؤدى إليها وإنشاء ساحة لانتظار السيارات، ودورات مياه، ومظلات وكافيتريات، وفى سمنود تم تطوير منطقة السوق التى كانت تعانى من العشوائية ما يتسبب فى صعوبة وصول الزائرين إلى الكنيسة، ورفع كفاءة وتوحيد واجهات المحلات.

وفى وادى النطرون، تم رصف 24 كم طرق دائرية تصل الأديرة بعضها بالبعض، وإنشاء بوابات عند المدخل ودير السريان ودير الباراموس، وتنفيذ أعمال إنارة بالتنسيق مع محافظة البحيرة، بجانب إنشاء مواقع توقف فى أثناء زيارة الأديرة، وفى المنيا تم ترميم الكنيسة وإقامة مبنى فندقى من دورين متوافق مع الطابع التاريخى للمنطقة، وإنشاء طريق بطول 1.2 كم بديلًا عن الطريق القديم بطول 18 كم المحاذى لترعة، وكان المرور عليه غير آمن، وتم إنشاء طريق مباشر يربط بين أسيوط والمنيا، وتم الانتهاء من تنفيذ بوابات على الطريق الشرقى القادم من أسيوط «800 متر من الكنيسة»، وإقامة مركز للزائرين.

أيقونات

وكل موقع حلّت بها العائلة المقدسة، ستجد إما آبار أو كنائس أو أديرة، هذا بخلاف الأيقونات القبطية الدالة على مرور العائلة المقدسة بتلك المواقع، حيث تعد هذه الرحلة مصدرًا مهمًا لفن الأيقونات، وذلك من خلال المسافة التى قطعتها العائلة المقدسة من سيناء إلى القاهرة، حيث تم تخليدها فى عدد كبير من الأيقونات ومعروضة فى عدة متاحف، ومن أبرزها أيقونة فى المتحف القبطى، إذ تظهر بها السيدة مريم العذراء على حصان أبيض، ويجلس السيد المسيح على الكتف الأيمن للقديس يوسف النجار، وترجع للقرن 18م ومصنوعة من الخشب.

مسار العائلة المقدسة
مسار العائلة المقدسة

 

وفى متحف شرم الشيخ، تظهر أيقونة فيها المسيح الطفل مع العذراء مريم على حمار وخلفهما يوسف النجار، وهى من رسم أنسطاسى الرومى من كنيسة الشهداء سرجيوس وواخس مصر القديمة، ومرسومة بتقنية تمبرا كتان على خشب، وأيقونة فى متحف كوم أوشيم بالفيوم، وفيها يظهر القديس يوسف النجار يحمل الطفل يسوع المسيح، وهذه الأيقونة تم اكتشافها فى كنيسة العذراء مريم الدمشيرية بمصر القديمة عام 1754م، وهى مصنوعة من الخشب.

8 محافظات

الطريق الذى سارت فيه العائلة المقدسة، بدأ من فلسطين حيث دخلوا مصر ومروا على 25 نقطة فى 8 محافظات “شمال سيناء والشرقية والغربية وكفر الشيخ والقاهرة والبحيرة والمنيا وأسيوط”، وبدأ المسار من منطقة الفرما بين العريش وبورسعيد، ثم تل بسطا فى محافظة الشرقية، ومنها إلى مسطرد التى كانت تسمى المحمة “لأنها كانت منطقة للاستحمام”، ثم بلبيس فى الشرقية، ومنها إلى محافظة الغربية وتحديدًا منطقة سمنود، وبعدها واصلت العائلة المقدسة رحلتها حتى وصلت إلى سخا فى محافظة كفر الشيخ، وصولًا إلى وادى النطرون وهى معروفة بوجود عدد كبير من أماكن الرهبان، ثم إلى المطرية والتى توجد بها أحد أشهر المواقع الأثرية المتعلقة بمسار الرحلة «شجرة مريم».

وانتقلت العائلة المقدسة، من المطرية إلى مصر القديمة التى تضم أماكن كثيرة باركتها العائلة المقدسة بزيارتها، ثم منطقة المعادى والتى ظلوا بها فترة ثم غادروا إلى الصعيد عن طريق نهر النيل، حتى وصلوا إلى مغاغة وتحديدًا دير الجرنوس، ثم إلى البهنسا ومن بعدها جبل الطير فى سمالوط.

وواصلت العائلة المقدسة طريقها حتى وصلت إلى منطقة الأشمونين، ومن بعدها محافظة أسيوط التى مرت فيها بمنطقتين الأولى ديروط، ثم جبل قسقام ومير التى تقع غرب القوصية، ووصلوا إلى دير المحرق الذى يعد من أبرز وأهم الأماكن التى استقرت بها العائلة المقدسة فى رحلتها، وقضت هناك أكثر من 6 أشهر، وهى أطول فترة فى رحلتها قضتها فى مكان واحد، وكان جبل درنكة فى أسيوط هو آخر المحطات فى رحلة العائلة المقدسة بمصر.