ما بين مؤيد ومعارض لدورته الـ 44
المعرض العام.. رؤية تشكيلية بروح معاصرة
د.أحمد سميح
بمشاركة ما يقرب من ٣٥٠ فنانًا، من جيل الكبار، وجيل الوسط والشباب انتهت فعاليات المعرض العام للفنون التشكيلية فى دورته الـ ٤٤ والتى شهدت كغيرها الكثير من اللغط خاصة على وسائل التواصل الاجتماعى ما بين مؤيد ومعارض.. وحقيقة لا يمكن أن نغفل مجموعة كبيرة من الإيجابيات والنجاحات لهذه الدورة التى اتخذت شكلًا جديدًا أكثر معاصرة ومواكبة للتطور تنظيميًا من بين الفعاليات الفنية.. ذلك المجهود التنظيمى الذى سبقه شهور من الإعداد والتجهيز من خلال اجتماعات بين رئيس قطاع الفنون التشكيلية الفنان د.وليد قانوش وقوميسيير المعرض الفنان سامح إسماعيل اللذين قاما بعدة جلسات تشاورية مع النقاد ومع عدد من الفنانين لعمل تصور مدروس ومنهجى يمكن تطبيقه ويكون بمثابة النموذج للفعاليات المقبلة ولغيره من الأنشطة الجماعية التى ينظمها القطاع وهو ما نجح فيه القائمون عليه.
جاءت لجان الفرز والتحكيم سرية بحيث تكون أسماؤهم غير معلنة مما يتيح لهم قدرًا كبيرًا من النزاهة والحرية فى الاختيار وذلك طريقة التحكيم إلكترونيًا بحيث يمكن لعضو اللجنة الاطلاع على الأعمال وتحكيمها دون معرفة صاحب العمل وبشكل فردى دون الدخول فى نقاش مع أعضاء آخرين مما يزيد من المصداقية والشفافية.
فى المعرض لم يتم التقيد بتيمة محددة لتعزيز حرية الطرح الإبداعى وإفساح المجال لجميع المشاركين لتقديم رؤاهم وأفكارهم دون تقييد.
من أهم إيجابيات المعرض البرنامج الثقافى الضخم الذى جاء متميزًا وشمل لقاءات وندوات ثقافية جاءت بعنوان «لقاء مع الفنان» لعرض تجارب بعض الفنانين المؤثرين بالحركة التشكيلية والحوار حول مسيرتهم الفنية، تلك اللقاءات التى جذبت شريحة كبيرة من الفنانين والنقاد والمثقفين، كما شهدت الجلسات الختامية مناقشات جادة ومثمرة شارك فيها نخبة متميزة من النقاد والفنانين، أعدها الفنان خالد حافظ والذى قدم تنوعًا ملحوظًا فى المحتوى والموضوعات المتناولة كما صاحبها مائدة مستديرة شهدت تنوعًا فى الحضور واختلافًا فى الرؤى والأفكار المطروحة، كما شهد الأسبوع الأخير، معرضًا للكتب الفنية وإصدارات قطاعات الثقافة المختلفة فى مجالات الفنون فى مركز محمود مختار الثقافى.
تم توزيع الأعمال بجميع مستوياتها بشكل أفضل كثيرًا من الدورات السابقة خاصة فى القاعات فى الأدوار العليا والتى دائمًا ما كانت تخصص لعرض الأعمال الأقل فى المستوى وهو ما لم يحدث فى هذه الدورة.
ظهرت معظم الأعمال الفنية فى مجال التصوير بشكل متميز ومتنوع منها أعمال الفنانين تيسير حامد وعبد الوهاب عبد المحسن، محمود حامد، رندة فخرى، أميرة عادل، عصام طه، محمد المسلماني، صلاح المليجي، ماهر جرجس، حنفى محمود ومى حشمت وغيرهم الكثير.
جمع الفنان مصطفى بط بين الماضى والحاضر فى لوحته حيث اختار لها مشهدًا بين حبيبين يظهر فى خلفيته أبو الهول وأحد الأهرامات وقد تداخلا فى مساحات لونية تشبه جذور الأشجار تعبيرًا عن الرسوخ وتظهر فى فضاء اللوحة عوالم إنسانية معقدة ومتداخلة تفتح بابًا للتفكير والتأويل فى العلاقات ما بين الماضى والحاضر.
الفنانة نهلة رضا تميزت بلوحتها والتى استعملت فيها خامات مختلطة جمعت فيها بين الكولاج بدمج صور مطبوعة ملونة وبالأبيض والأسود فى علاقات لونية وتعبير فنى يشير إلى الحنين وذكريات الطفولة والماضي.
فى لوحتيها فى المعرض تلعب الفنانة د.سهام وهدان على فكرة التناقض الشكلى فهى تصور الفتيات البدينات فى أوضاع حركية تنم عن الرشاقة تحوطها خلفيات ملونة مليئة بالبهجة وكأنها مبعوثة من دنيا خيالية حالمة تتداخل معها صانعة عوالم البهجة، وتعد تلك الأعمال عبارة عن تفصيلة مستمدة من أعمالها السابقة التى تتناول فيها ثنائيات من التواصل والتباين بين الفن المصرى القديم بمثاليته والفن المعاصر بواقعيته.
جاءت أعمال التصوير الفوتوغرافى قليلة فى مُجملها فى حين ظهرت أعمال الخزف والنحت بشكل جيد رغم قلتها أيضًا وهو ما ظهر جليًا فى أعمال الخزف المعروضة علاوة على أعمال أخرى تناثرت وتوزعت فى القاعات وتعددت خلالها مستويات الأعمال ارتفاعًا وانخفاضًا، ومن أهم الأعمال المشاركة جاءت مشاركات الفنانين أحمد عبد الفتاح، ومروة يوسف ونهلة وجدي، وأمانى فوزى.
من اللافت قلة الأعمال المعروضة فى فنون الطباعة والجرافيك رغم قوة ما يُقدم فى هذا المجال فى الفعاليات الأخرى، ومن الأعمال اللافتة فى مجال الطباعة عمل الفنانة د.منى مدحت فى مجال الطباعة وهو السهل الممتنع وتظهر فيه فتاة تركب دراجة فى تشكيل لونى وخطى بديع، أيضا مجموعة أعمال الفنان هانى الأشقر وتضم مجموعة من الأعمال فى لوحات صغيرة تشكل فى مجموعها مضمون العمل.
كما شهد المعرض عددا من الأعمال المتميزة فى مجال الفيديو آرت، وأيضًا أعمال التجهيز فى الفراغ إلا من أعمال قليلة جدًا، كما شهد المعرض اختفاء تامًا لفنون الأداء الحركية “البيرفورمانس” ومن الأعمال المهمة فى مجال التجهيز فى الفراغ عمل الفنان “أيمن لطفي” الذى يتميز بفكر فلسفى يجيد فيه استعمال عناصر العمل الفنى من صورة وصوت ومجسم وخلافه.
وفى مجال الفنون المختلطةmixed media جاء عمل الفنان عماد عادل بعنوان “جدارية المغزل” وفيها قام بتشكيل عوالم موازية للحياة الإنسانية فى هيئة دمى خزفية أو منفذة بالقماش وبخامات أخرى مختلطة، وضعها فى محيط خشبى قام بتقسيمه على هيئة غرف متباينة الأحجام والمساحات ثم قام بتقسيمها على أكثر من قطعة وكأن كل قطعة تمثل مبنى مستقلًا وقام بخلق علاقات حركية ولونية بينها فى شكل فنى متميز، منفصل ومتصل، وكأنها تعبير مجازى للحياة الإنسانية والعلاقات المجتمعية وتعقيداتها وتشابكاتها.