إسرائيل تتصدع
خسائر سياسية وعسكرية واقتصادية تلاحق «نتنياهو»
إسلام عبدالكريم
«إضرابات» و«هجرة عكسية» و»خسائر اقتصادية»، تضرب الداخل الإسرائيلى، وتهز استقرار حكومة بنيامين نتنياهو المتعنت والمتمسك بالمنصب، متجاهلا أى أولويات أخرى، فبعد مرور أكثر من 10 أشهر، عجز جيشه عن تحقيق أى من أهداف الحرب المعلنة على قطاع غزة، وهى استعادة المحتجزين، وتصفية قادة وعناصر حركة حماس، وألا تمثل غزة أى تهديد مستقبلى لإسرائيل، وهى أهداف ذيّلها بمقولة بدت غريبة حتى لقادة جيشه وهى «النصر المطلق»، إضافة إلى الهدف الجديد الذى أعلن عنه مؤخرا بإعادة سكان الشمال إلى منازلهم بسبب الاشتباكات مع حزب الله، لكن المتغيرات المتتالية تغير من حسابات نتنياهو الذى تزادد العزلة حوله يوما بعد يوم.
بنيامين نتنياهو، الذى روّج لنفسه بأنه «رجل الأمن»، بات يواجه تصاعدا فى الانتقادات الداخلية والخارجية على حد سواء، الأمر الذى تخطى مسألة الضغط السياسى، بل استقرار الدولة الاقتصادى، فالاثنين الماضى، شهدت إسرائيل إضرابا شاملا دعا إليه رئيس اتحاد نقابات العمال «الهستدروت»، أرنون بار دافيد، يشمل كل مرافق الدولة والقطاعات الاقتصادية «بما فيها المطارات والموانئ» فى محاولة للضغط على ائتلاف نتنياهو اليمينى للمضى قدما فى صفقة من شأنها إعادة المحتجزين الإسرائيليين من قطاع غزة.
أكد رئيس الهستدروت، ضرورة التوصل لصفقة وعدم الوقوف فى صف المتفرجين أمام سقوط المحتجزين قتلى فى قطاع غزة.
وجاء هذا الحراك استجابة لدعوات أهالى المحتجزين، الذين باتوا لا يرون أى رغبة من قبل المستوى السياسى لإتمام الصفقة، وصدموا بعد الإعلان عن العثور على جثث 6 محتجزين فى مدينة رفح جنوب قطاع غزة السبت الماضى.
كما دعا زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، نقابات العمال والمشغّلين والسلطات المحلية لتعطيل الاقتصاد، قائلا: «إن الدولة تتحطّم، ولا يمكن الاستمرار هكذا»، بالإضافة إلى دعوات أهالى المحتجزين الإسرائيليين فى قطاع غزة لشل الاقتصاد، إذ شمل الإضراب العديد من القطاعات، أهمها شركات التكنولوجيا الفائقة (الهاى تك) وشركات استثمارية وائتمانية ومراكز تسوق، وبنوك، وعدة فنادق، علاوة على مشاركة منتدى الأعمال، الذى يضم 200 شركة من كبرى الشركات فى إسرائيل، فى الإضراب.
وشهد مطار بن جوريون بتل أبيب شللا فى بعض الأوقات وأدت الإضرابات إلى تأخير إقلاع أكثر من 20 رحلة، وميناء حيفا وأسدود، علاوة على إضراب وسائل النقل العام، بينما تم استبعاد شركة القطارات، فيما شهد القطار الخفيف فى القدس إضرابا قصيرا.
كما طال الإضراب القطاع الطبى، حيث أعلن العديد من المشافى المشاركة الجزئية – عدا خدمات الجراحات العاجلة وأقسام الطوارئ ووحدات غسيل الكلى والحضانات وغيرها من المراكز الحيوية، كذلك أعلنت عدة منشآت جامعية وتعليمية مشاركتها فى الإضراب.
غير أن الأمر لم يستمر إلا لعدة ساعات، فبعد تحركات قادها وزير المالية اليمينى المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، أصدرت محكمة العمل الإسرائيلية حكما بإنهاء الإضراب الشامل، بدعوى الإضراب سياسيًا وليس نزاع عمل، وبالتالى فهو غير قانونى.
وقال بيان قضاة المحكمة:» لم نجد أى حجة اقتصادية فى إعلان الإضراب.. وادعاءات الهستدروت حول الجانب الاقتصادى لم تكن مقنعة، ولم يتم توضيح العلاقة بين مقتل المحتجزين وبين الجانب الاقتصادى للإضراب».
وبرغم عدم استمراره، إلا أن الإضراب حمل رسالة مهمة لأعضاء الحكومة بأن الهستدروت قادر على الحشد حوله، حيث استطاع جمع عشرات الآلاف من المتظاهرين فى التظاهرة الأكبر من السابع من أكتوبر، الأمر الذى أثار مخاوف الحكومة، ما دفع عددا من الأعضاء بحزب الليكود، الذى يتزعمه نتنياهو، للعمل على إعداد قوانين تحد من صلاحيات اتحاد نقابات العمال الإسرائيلى.
فيما شهدت عدة مدن إسرائيلية مظاهرات كبيرة للمطالبة بالتوصل إلى اتفاق بشأن المحتجزين، وقام المتظاهرون بإغلاق عدد من الطرق مما أدى إلى تعطيل حركة المرور.
ضغط سياسى وعسكرى
ومع كل جثة لمحتجز يعثر جيش الاحتلال عليها، تزداد الضغوط على ائتلاف نتنياهو، من قبل المعارضة، بزعامة رئيس حزب «هناك مستقبل»، يائير لابيد، الذى لا يتوانى عن انتقاد فشل حكومة الاحتلال وعجزها عن تحقيق أية نتائج، ويطالب بالتوصل لاتفاق تهدئة من شأنه استعادة المحتجزين الإسرائيليين وإنهاء الحرب، ووصل الأمر إلى أنه وجه دعوة لوزراء الائتلاف بالانسحاب حال رفض نتنياهو التوصل إلى صفقة.
وأكد «لابيد» أن تصريحات نتنياهو بشأن الانسحاب من محور «فيلادلفيا» هى «خدعة سياسية لا أساس لها» وليس له علاقة بالواقع، مشيرا إلى أن إسرائيل أخلت محور فيلادلفيا منذ 19 عاما - عام 2005 - ونتنياهو نفسه وافق على ذلك وصوت لصالح قرار الإخلاء آنذاك فى الحكومة والكنيست، ومنذ ذلك الحين فى السنوات الـ 15 التى شغل فيها نتنياهو منصب رئيس الوزراء لم يفكر يوما باحتلال المحور.
خسائر اقتصادية
ورغم قلة المصادر العبرية التى تتحدث عن الخسائر الاقتصادية، إلا أن هناك العديد من النقاط التى يمكن من خلالها أن نتلمس تكبد الاحتلال العديد من الخسائر المالية، لا سيما فى ظل استنزاف الموارد على الحرب فى غزة والمواجهات مع حزب الله وتأثيرها على سكان شمال إسرائيل.
ويمكن رصد أهم ملامح تلك الخسائر التى تكبدها الاحتلال فى النقاط التالية:
«التعويضات المالية»: فحكومة نتنياهو بحاجة إلى دفع تعويضات للمواطنين الذين تضرروا خلال الحرب، سواء على الحدود الشمالية جراء الاشتباكات مع حزب الله، حيث طال القصف العديد من المناطق فى مستوطنات الجليل بأكمله أو مستوطنات غلاف غزة، سواء بسبب الأضرار المادية أو فقدان الدخل، أو تكاليف إقامتهم فى فنادق على حساب الدولة.
«الأضرار للبنية التحتية»: فعلى مدار نحو 11 شهرا تضرر العديد من المصانع والمنشآت الاقتصادية بسبب القصف، مما يؤدى إلى توقف الإنتاج وتراجعه وهو ما يسبب ضغطا على الاقتصاد المرهق بسبب الحرب، إضافة إلى انقطاع بعض الخدمات مثل الكهرباء والمياه والاتصالات، مما يؤثر سلبًا على الأعمال التجارية.
ويضاف على ذلك تكاليف إعادة الإعمار، فبعد انتهاء الحرب ستظهر الحاجة لإعادة إعمار المناطق المتضررة، مما يتطلب موارد مالية كبيرة وسط تساؤلات عن قدرة مواكبة هذا الأمر فى ظل زيادة الإنفاق العسكرى وتوسيع الاستيطان.
«تضرر السياحة»: ويعد قطاع السياحة لإسرائيل أحد الموارد الاقتصادية والسياسية أيضا لحكومة الاحتلال، فبجانب المدخلات من العملة الصعبة، إلا أنه كذلك يستخدم للترويج لدولة الاحتلال كدولة قائمة فى المنطقة، خاصة من خلال الرحلات التى يتم تسييرها إلى القدس المحتلة والبلدات العربية القديمة بزعم أنها مناطق إسرائيلية.
وفى تقرير لصحيفة هآرتس فى يوليو الماضى كشفت أن معدلات السفر إلى إسرائيل انخفضت بنسبة 76% منذ بدء الحرب على غزة، فى حين لا يزال الإسرائيليون حريصين على السفر إلى الخارج، حسبما أفادت وكالة الإحصاء الإسرائيلية.
وأكدت انخفاضا حادا فى أعداد السياح الذين زاروا إسرائيل خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024.
«تداعيات على الأسواق المالية»: وخلال المواجهات سواء فى غزة أو مع إيران وحزب الله تذبذب الأسواق المالية ما تسبب فى خسائر للمستثمرين.
وفى تقرير لصحيفة هآرتس، أشارت إلى أن أحد الأسباب الرئيسة لهروب المستثمرين من إسرائيل هو سوء الإدارة الاقتصادية للحكومة.
«زيادة الإنفاق العسكرى»: وعلى مدار أشهر الحرب التى تقارب العام، تكبد الجيش الإسرائيلى نفقات كبيرة فى التحضيرات والأسلحة والعمليات العسكرية، وما يستنفده من مخزونه من الأسلحة، إضافة إلى الخسائر التى يتكبدها فى العمليات والمواجهات أمام الفصائل الفلسطينية وحزب الله، وسط مخاوف من تقلص الدعم المبنى على المساعدات الأمريكية والغربية.