مصر ترسّخ مفهومًًا جديدًًا لحقوق الإنسان

أمانى حسين
شهدت حقوق المرأة طفرة ملحوظة، حيث تم تخصيص 88 مليار جنيه لدعم المشروعات متناهية الصغر للمرأة، ما استفاد منه 5 ملايين سيدة، مما يعكس توجه الدولة لدعم التمكين الاقتصادى للمرأة وزيادة مشاركتها فى سوق العمل.
كما تم مواجهة العنف ضد المرأة من خلال إصدار قوانين وتوفير مراكز دعم للضحايا، فضلًا عن زيادة نسبة تمثيل المرأة فى البرلمان إلى 27% فى عام 2020، وتعيين المرأة فى مناصب قيادية مثل القضاء والمحافظات.
وكذا إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الطفل، التى تركز على التعليم والصحة، وحمايتهم من العنف أو الاستغلال، وكذلك الحد من عمالة الأطفال من خلال مبادرات التوعية وإجراءات صارمة ضد المخالفين.
وأولت الدولة اهتمامًا كبيرًا بكبار السن وفقًا لدستور 2014، الذى أكد حماية حقوق المسنين، حيث جاء فى نص المادة 83 التزام الدولة بتوفير رعاية صحية واجتماعية وثقافية لهم، علاوة على إصدار قانون رعاية حقوق المسنين رقم 19 لسنة 2024، الذى يمثل نقلة نوعية فى تحسين ظروف حياة المسنين فى مصر، ويضمن لهم الحماية الاجتماعية والصحية، لكل من بلغ 65 عامًا.
قادرون باختلاف
أطلقت الدولة المبادرة الرئاسية “دمج.. تمكين.. مشاركة” لدعم وتمكين الأشخاص ذوى الهمم، وتم تخصيص عام 2018 ليكون عام ذوى الاحتياجات الخاصة فى مصر.
وصدور قانون رقم 200 لسنة 2020 بشأن إنشاء “صندوق دعم الأشخاص ذوى الإعاقة”.
كما خصصت الدولة لذوى الاحتياجات الخاصة نسبًا لتمثيلهم الدائم داخل مجلس النواب، وتم إنشاء صندوق “قادرون باختلاف” لدعم الأشخاص ذوى الإعاقة، الصادر بالقانون رقم 200 لسنة 2020.
وأطلقت الدولة بطاقة الخدمات المتكاملة من بين العديد من المبادرات لدعم حقوق ذوى الهمم فى شتى المجالات، وخصصت نسبة 5% من الوحدات السكنية للأشخاص ذوى الهمم ضمن مشروعات الإسكان الاجتماعى، فضلًا عن العمل على الخطة الوطنية للأشخاص ذوى الإعاقة، التى تشمل جوانب صحية وتعليمية وثقافية، تتكامل مع ما جاء فى “الإطار الاستراتيجى والخطة الوطنية للطفولة والأمومة (2018-2030)”.
المبادرات الرئاسية
تستمر المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” فى تحقيق إنجازات كبيرة على أرض الواقع، حيث تم تنفيذ عدد من المشروعات التنموية التى تستهدف تحسين حياة المواطنين فى القرى الأكثر احتياجًا فى مختلف أنحاء الجمهورية.
وتعمل المبادرة على تحسين البنية التحتية، وتوفير خدمات أساسية مثل المياه، والصرف الصحى، والتعليم، والصحة، من خلال شراكة بين الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدنى.
ويعد “حياة كريمة” المشروع الأكبر على مستوى العالم من حيث عدد المستفيدين، البالغ عددهم فى مرحلته الأولى فقط 18 مليون مواطن فى 1500 قرية، بتكلفة تنفيذ للمرحلة الأولى تتجاوز 350 مليار جنيه، وبعدد مشروعات يبلغ 23 ألف مشروع.
وقد بلغت الإتاحة المالية فى المرحلة الأولى 274 مليار جنيه من جملة المخصصات بنسبة 78%. وبلغ عدد المشروعات المنتهية 15,700 مشروع، حيث تم الانتهاء من تطوير 100 قرية بتكلفة كلية 21 مليار جنيه بإجمالى مستفيدين يبلغ 1.2 مليون شخص.
تعتبر المبادرات الرئاسية من أهم محاور الإصلاح الصحى التى ساعدت على التوفير السريع لحزم من الخدمات الصحية والعلاجية للمرضى بدون أى أعباء مالية، ومنها مبادرة “100 يوم صحة”، التى سعت إلى التوسع فى تقديم خدمات مبادرات الصحة العامة، وكذلك مبادرة دعم صحة المرأة التى تستهدف تقديم توعية عن الفحص الذاتى للثدى وكيفية المحافظة على الصحة العامة من خلال قياس ضغط الدم، السكر، الوزن والطول.
وقد فحصت المبادرة 43 مليون سيدة على مستوى الجمهورية وقدمت العلاج لجميع الحالات التى تحتاج إلى تدخلات دوائية وجراحية، وكذلك مبادرة الكشف عن فيروس “سى” لمن هم فى سن 18 عامًا فما فوق، حيث قامت بمسح عينات 50 مليون مواطن وتقديم الرعاية العلاجية لهم.
أما مبادرة الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوى، فتستهدف الكشف المبكر عن الأمراض غير السارية (ضغط الدم، سكر الدم، دهون الدم، اعتلال كلوى) والتوعية تجاه عوامل الخطورة المسببة لتلك الأمراض وكيفية الوقاية منها، والتى استفاد منها 11 مليون مواطن حتى الآن.
العدالة الناجزة
يشكل مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد خطوة مهمة نحو تحديث المنظومة القضائية وتعزيز العدالة الناجزة، حيث عمل المشروع على معالجة الثغرات والإشكاليات الموجودة فى القانون الحالى، الذى يعود إلى أكثر من 70 عامًا ماضية.
وتستهدف التعديلات تعزيز حقوق الإنسان من خلال تقديم ضمانات أكبر لحقوق المتهمين، مثل تحديد مدد الحبس الاحتياطى والتعويض عن الأضرار الناتجة عنه، مما يعكس التزام الدولة بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تحديث الإجراءات القضائية وفقًا للتطورات التكنولوجية، مما يسهم فى تسريع الإجراءات وتحقيق العدالة بكفاءة أكبر.
كما تضمن قانون رقم 1 لسنة 2024 الخاص بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، تعديلات بأن يكون التقاضى أمام محكمة الجنايات على درجتين، بحيث يكون للمتهم حق استئناف الحكم الصادر من محكمة أول درجة جنايات، وهو ما يحقق ضمانات أكبر للمتقاضين.
مراكز الإصلاح والتأهيل
شملت تعديلات قانون تنظيم السجون، الصادر فى مارس 2022، حزمة واسعة من التطوير الشامل لمنظومة السجون، ومن بين ذلك تغيير مسمى السجون الوارد فى القانون القديم إلى مراكز إصلاح وتأهيل عمومية، أو مراكز إصلاح جغرافية، أو مراكز إصلاح وتأهيل خاصة.
كما تم تغيير اسم السجناء إلى نزلاء، ومأمورى السجون إلى مديرى مراكز التأهيل، وقطاع السجون إلى قطاع الرعاية الاجتماعية.
وشهدت مراكز الإصلاح والتأهيل خلال السنوات الماضية، طفرة كبيرة فى طريقة التعامل مع نزلاء السجون، بهدف تأهيل الخارجين على القانون وتعليمهم المهن التى تمكنهم من الاعتماد عليها بعد الإفراج عنهم، حيث تم غلق أكثر من 45 سجنًا، بينها “العقرب وطرة”، عقب افتتاح مركزى الإصلاح والتأهيل فى وادى النطرون وبدر، ونقل جميع النزلاء إلى مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة، ويعد مركز الإصلاح والتأهيل فى وادى النطرون هو الأكبر على مستوى العالم.
وهى مؤسسات عقابية متكاملة تهدف إلى إصلاح السلوك وتأهيل مواطنين جدد يسهمون بفاعلية فى المجتمع، وأصبحت قيم حقوق الإنسان على رأس أولويات التعامل مع النزلاء، بالإضافة إلى الاهتمام بتأهيل السجناء وعدم عزلهم عن العالم الخارجى.
وتتضمن خطط إعادة التأهيل برامج متكاملة تشمل الاهتمام بالتعليم، وتصحيح المفاهيم والأفكار، وضبط السلوكيات، وتعميق القيم والأخلاقيات.
كما أقامت وزارة الداخلية عددًا من المشروعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والحيوانية داخل مراكز الإصلاح، وكذلك تم إنشاء مستشفى كبير داخل كل مركز يحتوى على جميع التخصصات المطلوبة وغرف العمليات المجهزة بأحدث المعدات الطبية.
كما تم إنشاء ملاعب رياضية للترفيه عن السجناء خلال أوقات الراحة. كما تم توفير عنابر خاصة لأصحاب القدرات الخاصة داخل هذه المراكز إعلاءً لقيم حقوق الإنسان.
استراتيجية حقوق الإنسان
فى عام 2021، أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، لتكون خارطة طريق لحقوق الإنسان وتعزيز الحريات، وتستند على 4 محاور رئيسية هى: الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق الإنسان للمرأة والطفل والأشخاص ذوى الإعاقة والشباب، والتثقيف وبناء القدرات فى مجال حقوق الإنسان.
وتتضمن تلك المحاور المفهوم الشامل لحقوق الإنسان فى الدولة، وذلك بالتكامل مع المسار التنموى القومى لمصر الذى يرسخ مبادئ تأسيس الجمهورية الجديدة ويحقق أهداف رؤية مصر 2030، وتعظيم حقوق المواطنة وتعزيز رؤية بناء الإنسان.
كما تستند الاستراتيجية إلى عدة مبادئ هامة، أهمها: عدم التمييز وكفالة حقوق الإنسان فى إطار من المساواة وتكافؤ الفرص، وسيادة القانون كأساس للحكم فى الدولة، واستقلال القضاء، وتعزيز الحكم الرشيد، ومكافحة الفساد، والحق فى التنمية كحق من حقوق الإنسان.
العمل الأهلى
تم إطلاق التحالف الوطنى فى مارس 2022، ويضم أكثر من 30 جمعية ومؤسسة أهلية، ويعمل على تقديم الخدمات لأكثر من 30 مليون مصرى داخل القطاعات المختلفة.
وترتكز المبادرة على تقديم العديد من المساعدات التى تتنوع بين الدعم النقدى والدعم الغذائى، فضلًا عن توفير الرعاية الصحية والمساعدات الطبية، والاهتمام بالجانب التوعوى للمواطنين إلى جانب المساعدات الاجتماعية.
ويعمل التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى تحت مظلة قانون رقم 171 لسنة 2023، من خلال دوره التنموى إلى جانب دوره الخيرى فى دعم الفئات الأولى بالرعاية، بهدف إحداث طفرة غير مسبوقة فى مجال العمل التطوعى بتوحيد جميع الجهود التنموية من خلال قناة واحدة مدعومة بقاعدة بيانات تضمن وصول الدعم لمستحقيه من الأسر الأكثر احتياجًا.
كما تم إعلان عام 2022 عامًا للمجتمع المدنى، ويعد اعترافًا من الدولة بالدور المحورى الذى تلعبه منظمات المجتمع المدنى فى ترسيخ الحريات ومتابعة التقدم فى ملف حقوق الإنسان.
وكذلك صدر قانون العمل الأهلى رقم 149 لسنة 2019، وهو قانون ينظم عمل الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية، ويعزز دور المجتمع المدنى فى التنمية، ويحمى حقوق الجمعيات الأهلية ويضمن استقلاليتها.
الحوار الوطنى
أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى الدعوة إلى الحوار الوطنى خلال حفل إفطار الأسرة المصرية فى شهر أبريل 2022 تحت شعار “وطن يتسع للجميع”، كآلية جديدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، بمشاركة جميع ممثلى المجتمع المصرى بكل فئاته ومؤسساته، بالتنسيق مع جميع التيارات السياسية الحزبية والشبابية لضمان حوار وطنى فعال. وتعد هذه الخطوة إيجابية لتعزيز حرية الرأى والتعبير.
فى 27 أكتوبر 2017، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى تشكيل اللجنة الخماسية، وذلك للعفو عن المسجونين بقرار رئاسى وفقًا للمادة 155 من الدستور، التى تعطى لرئيس الجمهورية الحق فى إصدار قرارات بالعفو الرئاسى للمسجونين بأحكام نهائية، وتوسعت فى العمل لإعداد قوائم تضم المحبوسين على ذمة قضايا ولم يصدر بشأنهم أحكام.
كما تم إلغاء جميع الإجراءات الاستثنائية الخاصة بقانون الطوارئ، التى كانت تطبق من أجل حماية أمن وسلامة البلاد من أى خطر أو تهديد داخلى أو خارجى. وذلك بعد أن استقرت أحوال البلاد وتم القضاء على الإرهاب.
وأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى إلغاء حالة الطوارئ فى جميع أنحاء مصر لأول مرة منذ سنوات طويلة فى 25 أكتوبر2021.
وتستعد مصر لتقديم تقريرها الوطنى لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة يوم 28 يناير المقبل، وذلك فى إطار الاستعراض الدورى الشامل.
وقد قدمت 10 منظمات حقوقية مصرية تقريرًا مشتركًا للأمم المتحدة فى أغسطس 2024، وتقوم عدة منظمات مصرية بفعاليات فى جنيف، ومنها المنظمة العربية لحقوق الإنسان، التى تعقد يوم الإثنين المقبل حدثًا جانبيًا لمناقشة وضعية حقوق الإنسان.
وكرئيس منظمة حقوقية تتمتع بالصفة الاستشارية لدى المجلس الاقتصادى والاجتماعى التابع للأمم المتحدة، أكد أحمد فوقى، رئيس مؤسسة “مصر السلام للتنمية وحقوق الإنسان”، أهمية دور منظمات المجتمع المدنى فى عملية الاستعراض من خلال تقديم التقارير والملاحظات لمجلس حقوق الإنسان.
وأوضح أن آلية الاستعراض ليست مجرد عملية تقييم حكومية، بل هى فرصة شاملة لجميع أصحاب المصلحة، بما فى ذلك منظمات المجتمع المدنى.
كما أشار إلى إعداد مؤسسة “مصر السلام” تقريرًا شاملًا يتناول أبرز القضايا والتحديات الحقوقية التى تواجه مصر، مع تقديم توصيات عملية قابلة للتنفيذ لدعم الالتزام بالمعايير الدولية.
ولفت “فوقى” إلى أن المؤسسة بصدد تنظيم فعالية جانبية على هامش الاستعراض بجنيف، تهدف إلى تسليط الضوء على القضايا الرئيسية ذات الأولوية فى الملف الحقوقى المصرى، وذلك بمشاركة خبراء دوليين وممثلين عن المجتمع المدنى.
وستكون هذه الفعالية منصة للحوار المفتوح والنقاش البناء بين مختلف الأطراف المعنية، بما يسهم فى تعزيز التعاون الدولى لدعم حقوق الإنسان فى مصر.
وأوضح “فوقى” أهمية هذه الآلية باعتبارها فرصة فريدة لتقييم التزامات الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة فى مجال حقوق الإنسان، موضحًا أن آلية الاستعراض الدورى الشامل هى أداة دولية أساسية تهدف إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان عبر مراجعة شاملة لسجلات حقوق الإنسان لجميع الدول الأعضاء، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.
وتتيح هذه الآلية للدول فرصة فريدة للإعلان عن الجهود والإجراءات التى اتخذتها لتعزيز حقوق الإنسان، إلى جانب مناقشة التحديات التى تواجهها فى هذا المجال.