![تحريض المندوب السامى البريطانى ضد الصحافة!](/Userfiles/Writers/350.jpg)
رشاد كامل
تحريض المندوب السامى البريطانى ضد الصحافة!
لم يكن «توفيق نسيم» غريبًا عن منصب رئيس الوزراء الذى تولاه فى نوفمبر سنة 1935، فقد كانت هذه هى المرة الثالثة التى يتولى فيها تشكيل الحكومة، والمرة الأولى كانت فى مايو سنة 1920 والثانية كانت نوفمبر سنة 1922، وفى كل المرات لم يتغير رأيه فى الصحافة والصحفيين!
وفى البداية كان «نسيم باشا» محل ترحيب وحفاوة الصحافة المصرية والأحزاب كذلك لكن سرعان ما تتبدل الأمور خاصة بعد وضوح موقفه من عودة الدستور الذى ألغاه إسماعيل صدقى باشا.
وفى تقرير مهم كتبه القائم بأعمال المندوب السامى البريطانى مستر «كيلى» جاءت فيه حقائق مذهلة ومنها: أن نسيم باشا كان فى قرارة نفسه يحتقر الصحف المحلية ويشك فى ذممها على طول الخط، ويرى أنها صحافة تافهة ومن السهل شراؤها بالمال، وكان من رأيه أن الصحفيين يريدون فقط المال حتى لو كان من الإيطاليين والألمان!
وأن الملك فؤاد وبعض رجال القصر يشجعون الصحف فى حملتها العدائية ضده، وأن كبار الصحفيين الذين يشنون حملتهم عليه يتلقون مساعدات مالية من الإيطاليين عن طريق حاشية القصر.
ونصح كيلى نسيم باشا بأن يكون أكثر حزمًا فى موقفه من الصحف عن طريق تهديدها بقطع الإعانات المالية أو إلغائها، ما يؤدى إلى تدمير هذه الصحف المعادية!
وفى تطور لاحق صرح نسيم باشا لمستر «كيلى» بأنه سيكون أكثر حزمًا تجاه الصحف التى تصدر فى مصر.
وفى الكتاب المهم “محمد توفيق نسيم باشا ودوره فى الحياة السياسية” للأستاذ عادل إبراهيم الطويل يقول: اتسمت الصحافة المصرية بحملات العنف المتزايدة ضد حكومة توفيق نسيم وضد البريطانيين، ولا سيما فيما يختص بالموقف الذى ينبغى أن تسلكه مصر فى حالة نشوب حرب بين إيطاليا والحبشة، واستمرت الصحف فى حملاتها الموجهة ضد توفيق نسيم حيث اتهمت حكومته بالعجز عن التعامل مع الموقف وطالبت بإعادة دستور سنة 1923.
وكان أكثر ما يغيظ الصحفيين هو صمت توفيق نسيم وعدم اكتراثه بالصحف وموقفه المتسم بعدم اللامبالاة.
وأعلنت دار المندوب السامى عن ارتياحها لاستعداد «توفيق نسيم» لتقبل نصائح دار المندوب السامى حيث وعد «نسيم» باتخاذ الترتيبات اللازمة لإجراء مقابلات منتظمة للصحفيين واحتواء للصحف وتهدئتها، ووعد «نسيم» بمنح إعلانات الحكومة للصحف التى تستحقها، كما وعد بأن ينفق بسخاء على الأنباء والأخبار كمحاولة لاستعادة التعاطف الذى فقده.
والمتتبع للحملة التى شنتها الصحف ضد توفيق نسيم وحكومته يلاحظ أنها استمرت فى عنفوانها ولم تهدأ حدتها حتى ولو بعض الشىء ! ووعد نسيم بتشديد قانون الصحافة.
وفى مواجهة الدعاية الإيطالية صرح نسيم للقائم بأعمال المندوب السامى البريطانى بأنه سيكون أكثر حزمًا تجاه الصحف التى تصدر فى مصر والتى تمولها بعض العناصر من الجالية الإيطالية فى مصر!
وقامت الحكومة البريطانية بالضغط على «نسيم» بضرورة توقيع قانون الصحافة الجديد بأسرع ما يمكن للحد من الانتقادات للسياسة البريطانية، وبالفعل أقر مجلس الوزراء عن طريق التمرير مرسومًا بالقانون فى 14 نوفمبر سنة 1935 الذى أعطى للسلطة الإدارية حق مصادرة الصحف ووقفها، ونتيجة لمعارضة الصحف لقانون الصحافة الجديد قامت قوات الأمن العام بمصادرة صحيفة «السياسة»، وتبقى معركة الصحافة الوفدية وخاصة جريدة «روزاليوسف» مع نسيم باشا من أجل عودة الدستور الذى ألغاه «صدقى باشا».
وللذكريات بقية!!