بعد صعود اليمين المتطرف فى انتخابات البوندستاج
تحالف سياسى بين المحافظين والاشتراكيين لتشكيل الحكومة فى ألمانيا

ابتهال مخلوف
تغيرت بوصلة الحياة السياسية فى ألمانيا من اليسار لليمين بصورة دراماتيكية، إثر الانتخابات العامة التى جرت فى البلاد بداية الأسبوع، حيث جاء الديمقراطيون المسيحيون بقيادة فريدريش ميرز – من تيار يمين الوسط ولكنهم الآن ميلاً للمحافظين مما كانوا عليه فى أيام المستشارة أنجيلا ميركل - فى المرتبة الأولى بنحو 29 % من الأصوات.
كما ضاعف حزب «البديل» من أجل ألمانيا المتطرف حصته من الأصوات ليحتل المرتبة الثانية بنسبة 20% من الأصوات، فى أقوى أداء لحزب يمينى متشدد منذ الحرب العالمية الثانية، وتراجع للمركز الثالث الحزب الديمقراطى الاجتماعى الحاكم بقيادة المستشار أولاف شولتز الذى قاد ألمانيا على مدار أربع سنوات بلا دفة على رأس حكومة ائتلاف يسار الوسط.
وتلقى الحزب، الذى احتفظ بالسلطة لمدة 23 من السنوات السبع والعشرين الماضية، هزيمة مخزية حيث فاز بنسبة 16٪ فقط من الأصوات، فى أسوأ نتيجة له منذ خروج الجمهورية الفيدرالية من رماد الحرب العالمية الثانية، وكان أداء شركائهم فى الائتلاف حزب الخضر أسوأ حيث حصلوا على 13.5٪ من الأصوات.
لحظة فارقة
واكتسبت الانتخابات زخمًا شديدًا باعتبارها الأكثر أهمية لألمانيا وأوروبا، بنسبة إقبال هائلة بلغت 84٪، وصوت نصف الألمان لصالح الحزبين الرئيسيين من اليمين واليمين المتطرف، ويرجع ذلك لأن «ميرز» خاض الانتخابات متسلحًا بعزمه خفض الضرائب لتنشيط الاقتصاد الألمانى وإعادة بناء المؤسسة العسكرية المفرغة فى البلاد، ودعم لأوكرانيا، واتباع سياسة طاقة أقل جنونًا.
وكان الائتلاف المنتهية ولايته، بقيادة أولاف شولتز، من الحزب الاشتراكى الديمقراطي، منقسمًا وغير قادر على تحديد الاتجاه بوصلته، ونتيجة لهذا، انجرف الناخب الألمانى نحو تيار اليمين الذى يسيطر على الاتحاد الأوروبى.
ويعانى الاقتصاد الألمانى من حالة يرثى لها، وتراجع لمدة عامين متتاليين، مع انخفاض الإنتاج الصناعى بنسبة 15 % عن مستويات ما قبل جائحة كورونا وأزمة شركات تصنيع السيارات الذاتية القيادة.
وصوت الألمان لصالح التغيير لأنهم أرادوا عكس التدهور الاقتصادى فى البلاد، والسيطرة على حدودها بعد الهجرة غير المنضبطة، وإعادة التسلح للتعامل مع روسيا، وإنهاء هوس الطاقة الخضراء الذى أدى إلى ارتفاع فواتير الوقود المنزلية وتدمير صناعتها الثقيلة المشهورة عالميًا، وأفرزت حرب أوكرانيا الحرب أزمة الطاقة فى ألمانيا، لأن أسعار الغاز ارتفعت بشدة، لاعتماد برلين على الغاز الروسي.
الفراغ السياسى وفخ اليمين
وينظر المراقبون لبرلين كقوة توازن لقارة أوروبا فى مواجهة سياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاه القارة وأوكرانيا، وربما تشهد ألمانيا فراغًا سياسيًا يستمر لشهور فى وقت حرج تتفق فيه أمريكا وروسيا بمنأى عن أوروبا بشأن أوكرانيا وينتظر أن تعقد قمة بين ترامب وبوتين فى مايو المقبل.
ولن يكون انتصار «ميرز» كافيًا لتشكيل أغلبية حاسمة فى البرلمان الألمانى «البونددستاج»، الذى يضم 630 عضوا، لذا فأمامه خياران لتشكيل حكومة ائتلافية، إما الاتفاق مع حزب البديل لألمانيا المتطرف وهى مخاطرة جسيمة، لذا، سيلجأ للبحث عن شريك آخر ــ وهم الديمقراطيون الاجتماعيون، بدون شولتز، الذى سوف يتم التخلص منه بسرعة، وهى عملية قد تستغرق شهورًا ــ مما يترك فراغاً فى أهم دولة فى أوروبا خلال أزمة قارية.
وفى الوقت نفسه، سوف يقتنص حزب البديل من أجل ألمانيا الفرصة ويصبح المعارضة الفعلية فى البوندستاج بحوالى 150 مقعداً ويمارس ضغوطًا على الائتلاف لدفعه لتبنى سياسات يمينية ضد المهاجرين وقد تكون الفرصة سانحة أمامه للوصول إلى السلطة إذا فشل ميرز فى مهمته.
كان ميرز 69- عامًا -معارضًا دائمًا لأنجيلا ميركل، وكان يقف على طرفى النقيض من شخصيتها وترأس المجموعة البرلمانية للاتحاد الديمقراطى المسيحي/الاتحاد الاجتماعى المسيحي، فعندما صعدت أنجيلا ميركل أقصته من المنصب، وهو من الشخصيات الصدامية فى الحياة السياسية بألمانيا يرفض سياسات ميركل بتشجيع الهجرة للبلاد.
ويتوقع ان يتمسك «ميرز» بفكرة أوروبا أولًا التى تواجه تحديًا من جانب دونالد ترامب، وبشأن أوكرانيا سيسعى لتعزيز قوة أوروبا العسكرية وإنفاق المزيد من الأموال على الدفاع فى ألمانيا، وأيضًا تعزيز حلف شمال الأطلنطى «الناتو» وقد يلجأ لإقناع أمريكا بأن القيم الأوروبية جوهر القيم الغربية، ويجب الدفاع عنها فى مواجهة روسيا، وأنه ليس من مصلحة ترامب أن ينتصر بوتين فى أوكرانيا ويغير النظام الجيوسياسى للعالم بشكل أساسى.