الأحد 27 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الاقتصاد.. من شبح الإفلاس إلى سباق النمو والاستثمار

منذ اندلاع ثورة 30 يونيو 2013، دخلت مصر فى مسار جديد عنوانه: «الاستقرار أولًا.. والتنمية ثانيًا»، فى حين كانت البلاد تواجه آنذاك انهيارًا اقتصاديًا واحتياطيًا نقديًا على شفا النفاد، ومؤسسات شبه مشلولة، استطاعت مصر خلال سنوات قليلة أن تعيد رسم خريطة اقتصادها، وتتحول من دولة تعانى من العجز المزمن والبطالة، إلى دولة تطلق مشروعات قومية عملاقة، وتجذب استثمارات دولية، وتحقق نموًا مستدامًا رغم الصدمات العالمية.



المشروعات القومية التى أقامتها الدولة، دفعت منذ اللحظة الأولى معدلات النمو للارتفاع، ووفرت مئات الآلاف من فرص العمل، بل ساهمت فى تقليص البطالة وتعزيز التنمية المستدامة، ونتج عنه تحسن فى تصنيف مصر الائتمانى من وكالات التصنيف العالمية، وانخفاضت نسبة البطالة من 13.4% عام 2014 إلى ما دون 6.5% فى بعض السنوات.

الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى، نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، أكد أنه لا وجه للمقارنة بين الاقتصاد المصرى قبل ثورة 30 يونيو أيام حكم الرئيس المعزول ووضعه بعد الثورة، موضحًا أن مصر كانت على وشك الانهيار وكادت تدخل فى نفق مظلم، وتصبح على حافة الهاوية من كثرة الأزمات والمشاكل، فمؤشرات الاقتصاد الكلى تراجعت بنسبة كبيرة، إذ انخفضت معدلات النمو، وزاد عجز الميزان التجارى وحجم الواردات، وتراجع حجم الصادرات والإيرادات العامة للدولة، وارتفع حجم المصروفات ومعدل البطالة، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية السلبية.

وعن الاقتصاد المصرى ما بعد ثورة 30 يونيو، قال «غراب»: «إنه أصبح متنوعا وشاملا وقويا واستطاع الصمود أمام جميع الأزمات الاقتصادية العالمية والجوائح»، مشددًا على أنه بعدما كان معدله 2.9% خلال العام 2013/2014، فقد وصل لنحو 6.6% خلال العام المالى 2021/2022، إضافة إلى أن الناتج المحلى الإجمالى خلال عام 2013/2014 بلغ نحو 2.130 تريليون جنيه، ومن المتوقع أن يبلغ حجم الناتج المحلى المصرى بالقيمة الأسمية نحو 345.9 مليار دولار فى 2025، وذلك وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولى، بنسبة نمو متوقعة 4.1%.  وفى ذات السياق، ضاعفت قناة السويس، من إيراداتها والتى قاربت الـ10 مليارات دولار خلال العام المالى 2022/2023، وذلك بفضل إنشاء قناة السويس الجديدة، التى ساهمت فى زيادة عدد السفن المارة بها وحركة التجارة التجارة العالمية، وذلك مقابل تحقيقها نحو 5.37 مليار دولار خلال العام المالى 2013/2014، كما شهد قطاع السياحة طفرة كبيرة جدًا بعد ثورة 30 يونيو إذ حقق خلال عام 2024 نحو 15.3 مليار دولار حيث زار مصر نحو 15.8 مليون سائح، بينما حققت خلال العام المالى 2013/2014 نحو 5.1 مليار دولار، كما ارتفعت إيرادات السياحة المصرية خلال النصف الأول من العام المالى الحالى «2024-2025» لتسجل 8.7 مليار دولار، مقابل 7.8 مليار دولار فى النصف الأول من العام المالى الماضى.

المؤشرات الإيجابية، تضمنت أيضًا وفق تصريحات «الخبير الاقتصادى»، تحويلات المصريين العاملين بالخارج، التى شهدت خلال العام الماضى 2024 زيادة كبيرة جدًا بنسبة 72.4% وذلك خلال 11 شهرًا فقط فى الفترة من مارس 2024 وحتى نهاية فبراير 2025، إذ زادت بمقدار 13.7 مليار دولار لتصل إلى نحو 32.6 مليار دولار، بينما سجلت فى العام المالى 2013/2014 نحو 18.5 مليار دولار، كما زاد الاحتياطى النقدى الأجنبى خلال الأيام الماضية ليتجاوز أكثر من 48 مليار دولار مقارنة، بنحو 25.8 مليار دولار فى عام 2013/2014، بينما سجل معدل البطالة أدنى مستوى فصلى له على الإطلاق فى الربع الأول من العام الجارى، إذ وصل إلى 6.3%، مقابل 6.6% خلال عام 2024، فيما بلغ خلال عام 2014 نحو 13 %. وبحسب تصريحات «غراب»، فإن الدولة المصرية أولت اهتمامًا كبيرًا بزيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص والتوسع فى المشروعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والسياحية لتحقيق الإكتفاء الذاتى، إذ زادت نسبة مشاركة القطاع الخاص فى الاقتصاد الوطنى لتصل لنحو 60% وفقًا لصندوق النقد الدولى، وذلك تنفيذًا لوثيقة سياسة ملكية الدولة حتى تصل نسبة مشاركته لنحو 70%، وزيادة حجم الصادرات المصرية التى تسعى مصر لوصولها 100 مليار دولار، فقد ارتفعت قيمة الصادرات المصرية خلال 2024 لتحقق 44.9 مليار دولار مقابل 42.6 مليار دولار خلال عام 2023، وذلك مقابل 22 مليار و236 مليون دولار خلال عام 2014، إضافة لبلوغ صافى الاستثمار الأجنبى المباشر فى عام 2013/2014 بنحو 3.1 مليار دولار، بينما بلغ صافى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر نحو 46.1 مليار دولار بنهاية العام المالى الماضى 2023/2024 .

أكبر الإنجازات التى تحققت بعد 30 يونيو، وفق تصريحات الدكتورة عالية المهدى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، كانت إعادة بناء البنية التحتية للدولة فى أقل من 10 سنوات، إذ تم إنشاء أكثر من 7 آلاف كيلومتر من الطرق الجديدة ضمن المشروع القومى للطرق، فضلًا عن توسعة وتطوير الموانئ البحرية والجافة، وفى مقدمتها ميناءى شرق بورسعيد والسخنة، بالإضافة إلى زيادة قدرة الدولة الكهربائية بنسبة تفوق 250%، مع دخول مصر عصر الطاقة المتجددة، علاوةً على تطوير شبكة السكك الحديدية والمترو لتصبح أكثر كفاءة.. وكل هذه الإنجازات لم تكن فقط مشروعات إنشائية، بل أسس لجذب الاستثمار، وربط الأسواق، وتحقيق العدالة التنموية جغرافيًا.

أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، أكدت أنه قد حدث توسع فى المساحات المزروعة بما يتيح تغطية أكبر من الاحتياجات السوقية، مشددة على ضرورة استهداف جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر للمشروعات الصناعية، بما يمثل 40% من حجم التمويلات الممنوحة للقطاع الصناعى، و30% للقطاع الزراعى، و30% للمشروعات الخدمية والتجارية.

الدكتورة يمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أوضحت أن أهم ما تحقق من استقرار سياسى واجتماعى من ثورة 30 يونيو، يترجم إلى آثار إيجابية اقتصادية، بينما بالمقارنة فى عهد الأخوان كان عدم الاستقرار السياسى والاجتماعى والاقتصادى على طول الخط، ويكفى أن الإخوان قاموا بتكريم قتلة الرئيس السادات الذى أنقذ مصر وحقق نصر أكتوبر، وهى رسالة خطيرة تشير لعدم مصداقية واستمرارية نظام الجماعة الإرهابية التى سعت لإحكام السيطرة على جميع الجهات وعدم قبول الرأى الآخر، وهو ما شكل أزمة فى عدم وضوح الرؤية.

وعن توجهات الدولة الحالية، استطردت «الحماقى»: «أن الوسطية الإسلامية التى تتمتع بها مصر، هى المحرك الرئيسى لثورة 30 يونيو»، مشيرًا إلى أن وتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى، مقاليد الحكم، ساهم فى تحقيق الاستقرار فى الأبعاد الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية

والسياسية، منوهة إلى أن توجه الدولة الحالى يهدف لدعم وتمكين القطاع الخاص وتذليل جميع العقبات أمام المستثمرين، لاسيما وأن وثيقة ملكية الدولة تهدف لزيادة الوزن النسبى للقطاع الخاص، بالإضافة إلى ذلك هناك نقاط إيجابية تتمثل فى الإصلاح الضريبى.

ويرى الدكتور محمد البهواشى، الخبير الاقتصادى، أنه قبل ثورة 30 يونيو وفى عهد جماعة الإخوان الإرهابية، كان الاقتصاد مترهل وطارد للاستثمار إلى جانب خروج المستثمرين الأجانب حتى فى قطاع البترول، إلى جانب أزمات سياسية وعدم وجود رؤية واضحة للدولة المصرية.

وبعد 30 يونيو، يرى «البهواشى» أن مصر أصبحت لديها رؤية استباقية ونظرة استشرافية للمستقبل وهدف، لأن يكون لدينا دولة مصرية متكاملة الأركان تقوم على ثورة إصلاحية فى جميع القطاعات، بدءًا بالبنية التحتية والتسريعية، لافتًا إلى أن الرؤية الاستباقية للتعامل مع مستجدات الأحداث جعلت الاقتصاد المصرى صامدًا أمام الأزمات العالمية المتتالية بدءًا من أزمة كرونا والحروب فى المنطقة، مؤكدًا أن توطين الصناعة أهم الملفات الحيوية للدولة باعتبارها قاطرة للتنمية، فبعد أن كنا نصدر المواد الخام لعدم القدرة على تصنيعها أصبح لدينا صناعة سواء مصانع مصرية قائمة أو بالشراكة مع مستثمرين وافدين.