
رشاد كامل
الحكومة تشكو العقاد للنحاس باشا!
فشلت محاولة كبار رجال حزب الوفد فى إقناع العقاد.. بالعدول عن الهجوم على حكومة «نسيم» باشا.
وزاد عناد العقاد وتشبثه بموقفه واستأنف حملته العنيفة على وزير المعارف «نجيب الهلالى» باشا، والذى ضاق ذرعًا بما يكتبه العقاد ضده.
كان مقال العقاد رقم أربعة وقد نشر فى 12 أغسطس 1935 حتى قرر وضع استقالته تحت يد رئيس الوزراء بحجة أنه لا يستطيع الاستمرار فى العمل إذا لم يعمل الوفد على وضع حد لحملات العقاد وأنه لا معنى لتأييد الوفد للوزارة إذا كان مظاهر تأييده مثل ما يكتبه العقاد، وأصر على موقفه حتى يفصل فى الأمر بما يرضى كرامته.
وقام توفيق نسيم رئيس الوزراء بإبلاغ الأمر تليفونيًا إلى النحاس الذى استدعى بدوره العقاد إلى مقابلته فى الإسكندرية.
تفاصيل ذلك اللقاء المهم رواه واحد من أقرب أصدقاء العقاد وهو الأديب «طاهر الجبلاوى» فى كتابه «من ذكرياتى فى صحبة العقاد» فيقول:
استدعى النحاس باشا الأستاذ العقاد لمقابلته بمنزله فى الإسكندرية، فرحل إليها وأنا فى صحبته وجلست معه فى القطار وهو صامت طوال الوقت فلما وصل إلى الإسكندرية توجه إلى مقابلة النحاس وحدثت بينهما مناقشة حادة:
النحاس: لماذا تحمل على الوزارة يا أستاذ «عقاد»؟
رد العقاد: لأنها انحرفت عن الطريق السوى وهى تماطل فى إعادة الدستور وتعمل لصالح السراى والإنجليز ووزير معارفها يضطهد الوطنيين.
النحاس: ولكن الوفد يؤيد هذه الوزارة، وعند توليه الحكم يصّلح كل شىء!
أجاب العقاد: أنا لا أستطيع أن أغض الطرف عن أعمال الوزارة ولن أقف موقف الإغفاء عن مساوئها وهى تنكشف يومًا بعد يوم!
النحاس: أنا زعيم أؤيد هذه الوزارة فما عساك تصنع يا «عباس يا عقاد»؟!
رد العقاد: أنت زعيم الأمة لأن هؤلاء انتخبوك «مشيرًا إلى بضعة أشخاص من أعضاء الوفد» ولكنى كاتب الشرق بالحق الإلهى!
النحاس: إن الوزارة باقية مادام الوفد يؤيدها ويضع ثقته فيها!
قال العقاد: لن تنتهى «برية هذه القلم» إلا وقد انتهى أجل هذه الوزارة، «وأخرج قلمًا صغيرًا من جيبه»..
ويكمل الأستاذ الجبلاوى ما جرى بعد ذلك بقوله:
وانصرف العقاد والحاضرون يتشبثون به ويلاحقونه حتى يزيلوا ما بينه وبين «النحاس» لكن «العقاد» أصر على الانصراف، وكانت أول كلمة سمعتها من «فمه» بعد هذه المقابلة لسنا مع الوفد بعد اليوم!
واتصل العقاد بصحيفة روزاليوسف اليومية التى كان يكتب فيها وطلب إليها أن تعد عنوانا مرسومًا ليواصل حملاته ضد الوزارة.
وركبنا عربة يجرها جوادان سارت بنا فى شوارع الكورنيش والعقاد صامت وكل ما حولنا يوحى بالصمت، وجلسنا بمقهى فى رمل الإسكندرية، ودارت العيون تبحث عن العقاد فى كل مكان حتى التقى به بعض أعضاء الوفد الذين تربطهم به صلة الصداقة وحاولوا أن يزيلوا ما بنفسه من حديث النحاس باشا ولكن بغير جدوى.
فلما عاد إلى القاهرة زار المرحوم «فهمى النقراشى» باشا فى منزله وواصل ما بدأه رفاقه فى الإسكندرية، ولكن العقاد أقنعه بأن هذه الفئة قد انتهت ودب إليهما الفساد ولا فائدة من البقاء إلى جانبها أو تبادل الرأى معها.
وللذكريات بقية!