
رشاد كامل
العقاد ينهى علاقته بالوفد نهائيًا!
لقاء عاصف وغاضب جرى فى الإسكندرية عندما ذهب العقاد للقاء «النحاس باشا»، وانتهى بتبادل عبارات لاذعة من العقاد للنحاس باشا والمتواجدين معه فى منزله.
تفاصيل اللقاء العاصف يرويها الأستاذ «عامر العقاد» -ابن شقيق العقاد- فى كتابه «لمحات من حياة العقاد المجهولة» فيقول: فى تلك المقابلة رفض العقاد استبداد «النحاس» برأيه ورد عليه يومذاك بقوله: أنت زعيم الوفد لأن هؤلاء الذين حولك أجلسوك على هذا الكرسى، أما أنا فقلمى وحده هو الذى وضعنى فى مكان قدّره سعد زغلول وقدّرته الأمة!
وغادر العقاد اجتماع الوفد غاضبا متحديا استبداد رئيسه الذى طلب منه أن يكتب مؤيدا الوزارة «النسيمية» فيخالف لأول مرة فى حياته مبادئه التى آمن بها منذ أن أمسك القلم وكتب ما كتب.
ويكمل الأستاذ عامر العقاد: روى لى العقاد قصة خروجه من حزب الوفد قائلا: كان صديقنا السيد «الجبلاوى» معى بالإسكندرية يوم تلك الحادثة، وكان ينتظرنى على مقربة من الاجتماع، ولما خرجت اقترب منى ثم سألنى فى هدوء: ما الخبر يا أستاذ؟ لعله خير.
فوقفت لحظة ثم قلت: من اليوم نحن لسنا مع الوفد!
وركبنا عقب ذلك عربة سارت بنا فى طريق الكورنيش قاصدين الفندق الذى أنزل فيه وكان الطريق هادئا على غير العادة بل كانت حوافر الخيل تحدث ضربات منتظمة كأنها النذير بسوء عاقبة الوفد معى، أو كأنها ضربات المسرح الذى سيرفع بعدها الستار لتبدأ الدراما الكبرى بيننا وبين الوفد ورئيسه الذى فضل الوصول لكرسى الحكم على حساب مصلحة أبناء الأمة!
ويواصل العقاد شهادته: ولحق بى -النقراشى رحمه الله- وأخذ يرجونى أن أعدل عن رأيى الذى أعلنته منذ ساعات بل أخذ يصور لى الموقف بأن النحاس وأعوانه سيحاربوننى فى كل ميدان حتى أذوق ألوانا من العذاب!
ولكنى قلت له يومذاك إننى لا أخاف من الحرب لأننى أؤمن بحرية الرأى وشجاعتى الأدبية وهما أنفس فى مقاييسى من الاستقلال ذاته، لأن الأمة التى تملك رأيها مستقلة فعلا حتى ولو احتلتها فيالق الغاضبين، أما إذا خسرت الأمة حرية رأيها وشجاعة إيمانها فلا خير لها فى استقلال ولا دستور ولا نيابة ولا انتخاب، لأنها تساق سوق العبيد لكل من خطر له أن يسودها من الأقرباء أو البعداء، وتعيش عيشة العبيد ولو لم يكن لها سيد قريب أو غريب ولا فرق بين عبد مسود وعبد مطلق اليدين والقدمين، لأن العبودية فى النفوس والقلوب لا فى القيود والانحلال!
وبطبيعة الحال فقد تجاهلت الصحف الوفدية اللقاء العاصف بين النحاس باشا والعقاد لكن اللافت للنظر والدهشة أن جريدة «الشعب» -لسان حال حزب الشعب الذى أسسه إسماعيل صدقى باشا- أشارت إلى هذا اللقاء بقولها إن العقاد أصر على موقفه من الحالة السياسية القائمة ومن الوزارة! ولفت العقاد نظر النحاس باشا الى أنه -أى العقاد- يكتب عن عقيدة تتفق فى هذه الأيام مع عقيدة الرأى العام، بدليل أن بعض الصحف الكبرى التى ليس لها أى لون حزبى معين تكتب مثل كتاباته، فضلا عن أنه لا يستمد الوحى فى كتاباته من أى جهة!
وكتبت «الشعب» أيضا أن العقاد نبه مصطفى النحاس إلى أن موقفه أصبح محل انتقاد أصدقائه وأنصاره وأنه يخشى على سمعته كرئيس للوفد إذا تمادى فى موقفه.
وخرج العقاد غاضبا من هذه المقابلة العاصفة مصمما على المضى فى خطته.
وللذكريات بقية.