الخميس 7 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الشيـوخ» بين التحديات الخارجية والبنية الحزبية

«الشيـوخ» بين التحديات الخارجية والبنية الحزبية

لا يمكن التصدى لتحليل علمى واقعى لانتخابات الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، دون الانطلاق من ثلاثة سياقات عالمية وإقليمية وداخلية، بما لها من تأثيرات مباشرة على المشهد.



فمن أكبر أخطاء التحليل السياسى، فصل الحالة موضع الدراسة عن سياقاتها المؤثرة فى تكوينها وحركتها، فما نشهده من استحقاقات دستورية وديمقراطية، لا يمكن فصله عن الحالة المصرية وتحديات البنية الحزبية والسياسية.

على مدار 14 عامًا، جابهت مصر أخطر تحديات هددت  بنيان الدولة وهويتها الوطنية، بداية من استغلال الحراك الشعبى فى 2011، للانحراف به من محاولات الإصلاح والتغيير إلى محاولات التخريب والتدمير للمؤسسات، مرورًا باستغلال تنظيم الإخوان الإرهابى ضعف البنية الحزبية المدنية، للقفز على السلطة ومحاولة طمس الهوية الوطنية لحساب مشروعات تدمير وإعادة رسم خريطة المنطقة.

وصولًا إلى محاولات كسر إرادة الشعب، واستنزاف مقدرات الدولة، بحزمة من الأسلحة الهجين، التى تنوعت ما بين الإرهاب والشائعات والحصار الاقتصادى، وعمليات الإرباك والتفكيك ومحاولات إعادة الحراك الجماهيرى الغاضب للتدمير من الداخل، وهى حرب تجاوزت العشر سنوات ولا تزال ممتدة.

وختامًا موجة التهديدات المتزامنة على كل محاور الأمن القومى المصرى المباشر وغير المباشر، من تهديدات حصة مصر فى مياه النيل شريان الحياة، فى إثيوبيا إلى تهديدات دول الجوار المباشر التى تشهد تعثرًا فى مرحلتها الانتقالية وصراعات مسلحة، وصولًا للحدود الشرقية التى تشهد مخططًا ممنهجًا للتجويع والإبادة الجماعية.

المدقق فى السياق العالمى، بتأثيراته الاقتصادية والسياسية، والإقليمى بتهديداته المباشرة، التى تستنزف قدرات إضافية للدولة، والداخلى الذى يشهد ضعفًا حقيقيًا للبنية السياسية الحزبية ومدى قدرتها على الالتحام الجماهيرى والحشد على أساس برامج تميزها برؤية خاصة لمجابهة التحديات والمشكلات التى تشغل المواطن.

فالأحزاب ما قبل 2013 عانت كثيرا من الضعف، قديمها اختصر فى صحف ومقرات وصراعات، وحديثها ما قبل وبعد 2014، لا تزال فى مرحلة النمو الشعبى، ومن ثم فإن الاستحقاقات الدستورية والديمقراطية المعززة لقدرة المؤسسات تتطلب نوعًا خاصًا من التعاطى لمساعدتها على النمو التدريجى.

هذا النمو التدريجى والإصلاح السياسى، تطلب إحداث توازن فى مواصلة مسارات النمو الديمقراطى، مع مراعاة للتهديدات والتحديات الخارجية دولية وإقليمية، وهنا يتم بحث النموذج المحقق لهذه الأهداف.

فهناك النموذج، والأهداف والآليات، وفى اعتقادى أن النموذج يكمن فى تأسيس مؤسسة تشريعية آمنة للإسهام فى بناء البنية التشريعية المكملة للدستور، فى الفصل التشريعى الأول ما بعد دستور 2014، مع الشروع فى تأسيس بنية سياسية منشأة للكفاءات الجديدة، فكان نموذج تنسيقية الأحزاب والسياسيين والبرنامج الرئاسى لدعم ما ينبغى أن تقوم به الأحزاب كآلية أساسية لإنتاج الكادر السياسى.

والهدف: التوافق على الثوابت الوطنية فى مجابهة التحديات الخارجية والداخلية، فكانت مؤسسة الحوار الوطنى آلية للشراكة الوطنية فى صياغة قائمة الأولويات وطرح برامج لمواجهة التحديات.

وفى سياق هذا النموذج تأتى انتخابات مجلس الشيوخ التى فضلت فيها الأحزاب المحاصصة على المنافسة فى ثلث مقاعد المجلس بالقائمة المغلقة، تحت شعار القائمة الوطنية من أجل مصر، والتى يشارك فيها 12 حزبًا سياسيًا وفق أوزانها النسبية، فيما تنافس 428 مرشحًا على 100 مقعد فردى، حيث إن أكثر من 56% منهم ينتمون لأكثر من 20 حزبًا، ونحو 44% مستقلون.

وقد تكون تلك الأحزاب ارتأت أن القائمة تضمن لها الحد الأدنى من التمثيل المضمون فى مجلس الشيوخ، بثلث مقاعد المجلس، فيما تعمل على توسيع قاعدة تمثيلها وفق قدراتها بالمنافسة على الثلث الثانى، فيما يمثل الخبرات فى الثلث الثالث من خلال تعيين الرئيس عبدالفتاح السيسى لمائة عضو وفق الدستور.

المشرع عند صياغة قانون مجلس الشيوخ اتخذ إجراء احترازيًا فى المادة 25 منه، لاحتمالية منافسة عضو واحد أو قائمة واحدة فى دائرة انتخابية، فوضع حدًا أدنى للأصوات يستوجب الحصول عليه للنجاح، فحددها 5% من إجمالى من لهم حق التصويت ليتحقق النجاح.

وهنا فإن النموذج الذى تم الاتفاق عليه، عبر المشاركة الواسعة للقوى الحزبية والسياسية فى قائمة وطنية، تجمعها الثوابت، وتحالف انتخابى ينتهى بتمثيل برلمانى تعبر فيه كل قوة فى أمور التشريع عن رؤيتها، لكن هذا لا ينفى وجود ضرورة للنظر لملاحظات تسهم فى تعزيز الحياة السياسة والحزبية وتحقيق تنافسية أوسع فى المرحلة المقبلة.

فإن كان هناك اتفاق على النموذج فهناك جدل حول آليات اختيار الأحزاب لمرشحيها، وقد يكون للأحزاب هى الأخرى مبرراتها فى ظل أوضاعها البنيوية، فهى تحتاج من يدعم نشاطها وحملاتها، فى حين أن مسئولية الحزب أيضا بناء كوادر شعبية، تملك قدرة على التأثير وخبرات فنية، وهنا تكمن المعضلة فى إحداث تنمية حزبية تكفل ضمان التوازن بين قدرات الأحزاب على صناعة الكادر السياسى وخلق مصادر دائمة لتمويل النشاط الحزبى.

لذا تدريجيًا يمكن تلافى الثغرات، وما تسفر عنه التجربة من ملاحظات كاتساع الدوائر بشكل يجعل من الصعب على المستقل التنافس فى دوائر الفردى، بأن تتسع القواعد الحزبية ليكون الاختيار على أسس برامج، لكنها تبقى مصر هى الهدف والغاية، وهو ما يدركه كل من ذهب للتصويت فى الانتخابات لصالح مواصلة مسيرة الاستقرار السياسى فى مواجهة تحديات غير مسبوقة، مع الأخذ فى الاعتبار أن انتخابات الشيوخ دائمًا الأقل فى نسب المشاركة بين الاستحقاقات الديمقراطية.