خبراء روس وأمريكيون يكشفون كواليس اجتماعات «ألاسكا - واشنطن»

أمانى عزام
ما بين «ألاسكا» و«واشنطن»، عقد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قمتين بالغتى الأهمية: الأولى جمعته بنظيره اللدود الروسى فلاديمير بوتين وسط حفاوة استقبال أثارت اهتمام الباحثين والمتابعين، والثانية فى واشنطن جمعته بالرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، تحت مظلة أوروبية غير مسبوقة، بعدما قرر كبار قادة الاتحاد الأوروبى مرافقته إلى واشنطن.
وبين المعلن والخفى، تطرح «روزاليوسف» عددًا من التساؤلات على خبراء روس وأمريكيين حول النتائج غير المعلنة للاجتماعين وأهدافها، وهل هى لقاءات عابرة أم مؤسسة لمرحلة جديدة تستهدف إنهاء الصراع؟
وقال ألكسندر زاسبكين، الدبلوماسى الروسى السابق، إن لقاء ألاسكا كشف عن توافق أولى بين موسكو وواشنطن حول بعض شروط التسوية، أبرزها انسحاب الجيش الأوكرانى من أجزاء من دونباس التى لا تزال تحت سيطرته، مشيرًا إلى أن رفض المقترحات يعنى استمرار الهجوم الروسى وتحرير المزيد من المدن والقرى، ومع مرور الوقت ستزداد شروط موسكو صرامة.
أما الدكتور رولاند بيجاموف، أستاذ العلاقات الدولية الروسى، فيعتبر أن لقاء ترامب مع الرئيس الأوكرانى وقادة أوروبا بعد قمة ألاسكا مباشرة كان لحظة مفصلية، وُضع خلالها أساس متين لمرحلة جديدة لم تعد تقتصر على وقف إطلاق النار، بل تهدف إلى إيجاد سلام شامل، وامتدت لتشمل استثمارات بمليارات الدولارات فى الاقتصاد والمعادن النادرة، إضافة إلى التعاون فى المنطقة القطبية الشمالية.
وأوضح «بيجاموف» أن مستقبل معاهدة «ستارت الجديدة» (New START) للحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية بين روسيا وأمريكا، والتى من المقرر أن تنتهى فى فبراير المقبل، كان حاضرًا بقوة على جدول المفاوضات.
أما الباحث السياسى والاستراتيجى الروسى أندريه مورتازين، فأكد أن الرئيسين بوتين وترامب توصلا إلى تفاهم غير معلن، يتضمن ثلاث نقاط أساسية: (تجميد خط الجبهة والإمداد الأمريكى لأوكرانيا بالسلاح، وتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا من الولايات المتحدة على غرار المادة الخامسة لحلف الناتو شرط عدم انضمامها للحلف، وتبادل للأراضى بحيث تبقى شبه جزيرة القرم وأربعة أقاليم ضمن روسيا، مقابل انسحاب روسى من خاركيف وسومى، وانسحاب أوكرانى كامل من دونيتسك ولوغانسك وزابوروجيا وخيرسون).
وشدد «مورتازين» على أن أمام زيلينسكى ثلاثة خيارات: إما التوقيع على الوثيقة وفق الشروط الروسية، أو الاستمرار فى الحرب بما قد يؤدى إلى خسارة المزيد من الأراضى، أو الهروب إلى لندن أو إسرائيل حيث تقيم عائلته.
وأشار إلى أن أوروبا لا تزال مترددة، إذ قد تدفع زيلينسكى لمواصلة الحرب رغم قبولها المبدئى بخطة تجميد الجبهة، فيما يسعى بعض قادتها لإقناع ترامب بالضغط على بوتين عبر عقوبات اقتصادية جديدة أو نشر قوات للناتو فى أوكرانيا تحت مسمى قوات حفظ السلام.
وفيما يتعلق بالصفقات الاقتصادية، لفت «مورتازين» إلى أن أغلبية المعادن النادرة تبقى داخل الأراضى الروسية، وخاصة فى إقليمى دونيتسك ولوغانسك، مؤكدًا أن ترامب لا يرحب بخوض حرب مع روسيا من أجل هذه المعادن.
من جانبه، وصف ديميترى بريجع، خبير مجلس الشئون الدولية الروسى، القمة بأنها لحظة فارقة فى مسار الحرب، موضحًا أن الصراع لم يعد مجرد نزاع بين موسكو وكييف، بل تحول إلى مواجهة شاملة بين روسيا والاتحاد الأوروبى بدعم أمريكى.
وقال «بريجع» إن ترامب يسعى إلى صفقة كبرى تبدأ مع روسيا وتُستكمل مع أوكرانيا، فى حين أن بوتين حصل على مكسب مهم يتمثل فى إيقاف خطط فرض عقوبات إضافية على الاقتصاد الروسى.
ويذهب خبير مجلس الشئون الدولية الروسى إلى أن الاجتماعات أكبر من مجرد بحث مستقبل أوكرانيا، وتمثل محاولة لإبرام صفقة أوسع ترتبط بالمصالح الاقتصادية والمعادن النادرة فى غرب أوكرانيا، أما الشرق فبقى تحت سيطرة موسكو فى ظل غياب الاعتراف الدولى، مؤكدًا أن ترامب يسعى لتسجيل إنجاز سياسى تاريخى يقوده للحصول على جائزة نوبل للسلام.
ومن واشنطن يرى توم حرب، مدير التحالف الشرق أوسطى الأمريكى، أن قمة ألاسكا كانت مهمة وتاريخية لبدء مسار حل الأزمة الأوكرانية، مشيرًا إلى أن المسألة ليست فى التنازل عن شرق أوكرانيا، إذ إن هذه المناطق سبق أن نصت اتفاقيات مينسك (1 و2) على إجراء استفتاء فيها يمنحها استقلالية وحكمًا ذاتيًا، ثم تتحول إلى جمهوريات مستقلة، لكن الرئيس الأوكرانى الحالى تراجع عن ذلك بعد انتخابه بضغط من لندن وواشنطن، وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمة.
ومن جهته، اعتبر الدكتور ماك شرقاوى، المحلل السياسى المتخصص فى الشأن الأمريكى، أن القمة نجحت فى كسر حالة الجمود وفتح نافذة للحوار بين الطرفين، مشيرًا إلى أنها لم تكن معدة للوصول إلى اتفاق ينهى العملية العسكرية أو يفرض وقفًا لإطلاق النار، بل شكلت بداية لمسار تفاوضى جديد.
وبينما يترقب العالم الخطوة التالية، يظل السؤال مفتوحًا: هل تقود قمة ألاسكا إلى صفقة تاريخية قد تنهى الحرب وتفتح الطريق أمام سلام شامل بضمانات أمنية متبادلة، أم تبقى مجرد استراحة سياسية فى حرب طويلة؟