
أيمن عبد المجيد
الرسالة بين الهدف والإبداع والجمهور المستهدف
ماذا يريد الرئيس من الإعلام وماذا يريد الإعلاميون؟
استراتيجية مقترحة لتطوير الإعلام وتعزيز «الأمن المعرفى» و«السردية الذكية»
عكس توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى، بوضع خارطة طريق للتطوير الشامل للإعلام، فى لقاء جمعه برؤساء الهيئات الإعلامية المُستقلة المنوط بها دستوريًا، تنظيم الإعلام والإشراف على مؤسساته، توافر الإرادة السياسية من رأس الدولة للنهوض بالمنظومة الإعلامية.
تأتى تلك الإرادة فى لحظة تاريخية فارقة، تتعاظم فيها التحديات عالميًا وإقليميًا ووطنيًا، ومهنيًا، بما جعل التطوير ضرورة حتمية ووطنية ومهنية، تلاقت فيها إرادة الدولة وإرادة القائمين على المنظومة الإعلامية وأبنائها للارتقاء بالمهنة.
فى الجزء الأول من مقالى استراتيجية مقترحة لتطوير الإعلام وتعزيز «الأمن المعرفى»، و«السردية الذكية»، بذات المساحة عدد الخميس الماضى، تطرقت لطبيعة التحديات فى اللحظة الراهنة، وتعاظم دور الإعلام فى مواجهة الحروب الحديثة التى تستخدم أسلحة «قذائف السردية»، وتعزيز حصون «الأمن المعرفى»، منطلقًا من الأهداف العامة والفرعية للاستراتيجية إلى تحديات المنظومة الإعلامية ورؤيتى للمساهمة فى التطوير المرتقب.
ولعل من المهم هنا التأكيد أن بداية التطوير فى اعتقادى يجب أن تنطلق من الإيمان بأن الإعلام «علم» له نظرياته ومعارفه وأدواته، ومستجداته، لا موهبة ومهارة فقط، وأنه «منظومة متكاملة»، لها عناصرها المتداخلة والمتشابكة، التى تؤثر وتتأثر ببعضها البعض.
وهنا التطوير يجب أن يراعى التأهيل العلمى والمعرفى، بداية من منح تراخيص مزاولة المهنة، للقضاء على ظاهرة تحول الإعلام لمهنة من لا مهنة له، وهو ما يتطلب إصلاحًا تشريعيًا، ومرورًا بالتنمية المستدامة لقدرات العنصر البشرى الإدارى والمهنى، عبر تأسيس أكاديمية لتدريب وإعداد القيادات الإعلامية.

تتكون منظومة الإعلام من «مُرسل»، «رسالة»، «وسيلة إعلامية»، «جمهور مستهدف».
وقد تناولت فى المقال السابق، العنصر البشرى القائم بالاتصال، وقطاعات معاونة، والوسيلة وتطرقنا لتحديات المؤسسات الصحفية القومية وإصداراتها الورقية والرقمية، واليوم أواصل عناصر الاستراتيجية المُقترحة «الرسالة»، و«الجمهور المستهدف».
٣- «الوسيلة»:
بكل بساطة الرسالة الإعلامية، هى الغاية والهدف، لتحقيق التأثير المستهدف فى الجمهور المتلقى، وتلك الرسالة يحملها المحتوى المهنى المكتوب أو المرئى أو المسموع.
ومن ثم فإن كل جهود تطوير المحتوى الإعلامى هدفها تعزيز قدرة الرسالة على التأثير فى الجمهور المستهدف.
وتطوير المحتوى لتحقيق الأهداف العامة والفرعية للاستراتيجية المقترحة، لتعزيز قدرات الإعلام، ينبغى أن ينطلق من معالجة أخطر تحديات الرسالة الإعلامية، والتى تتمثل فى ضبابية الرؤية لدى بعض منتجى المحتوى.
■ يجب أن ينطلق التطوير من صياغة سياسات تحريرية عامة لتحقيق مستهدفات وطنية، تخدم المواطن وتحمى محددات الأمن القومى المصرى، تكافح التطرف، تدعم التنوير، تعكس تنوع المجتمع وتثرى النقاش، وتسهم فى البناء الثقافى والفكرى واستعادة ريادة مصر الحضارية.
■ تترك للمؤسسات حرية صياغة سياساتها التحريرية، فى ضوء السياسة العامة التى تمثل الثوابت، مع الإبداع فى إنتاج المحتوى بما يواكب رؤية وإمكانيات وقدرات كل وسيلة.
أ - تطوير المحتوى
لتطوير المحتوى الصحفى، يجب أن يجيب الصحفى أو معد البرنامج ومقدمه عن تلك الأسئلة:
■ ما هو هدفى ورسالتى من المحتوى الذى أعده للنشر أو البث؟ ماذا أريد قوله وإيصاله للجمهور؟ فالإعلام ليس مجرد شغل مساحات على الورق أو الفضائيات بلا هدف!
■ هل مصادرى فى الموضوع الصحفى أو الحلقة التليفزيونية مختصون ويحققون الهدف؟
■ من الذى أستهدف إيصال رسالتى إليه؟ وما أهمية دراسة وسائل الإعلام للجمهور المستهدف وخصائصه، ونوعية الوسائل ووسائل التواصل التى يتعرض لها، فلكل جمهور اهتماماته.
■ كيف أحقق هدفى؟ وهنا تأتى حرفية وإبداع قالب المحتوى الذى يناسب الجمهور المستهدف؟ فما ينتج للصحافة المقروءة يختلف عن المرئى وحسابات الوسيلة على شبكات التواصل الاجتماعى.
■ ما الوسيلة الأنسب لبلوغ الهدف وفق معطيات الرسالة والجمهور؟
الآليات المقترحة لتطوير المحتوى المحقق لأهداف الرسالة:
١- إنشاء أقسام للابتكار وتطوير المحتوى والموارد بالمؤسسات والإصدارات الصحفية.
٢- تطوير أداء القائمين على إنتاج المحتوى انطلاقًا من الرسالة والجمهور المستهدف وطبيعة الوسيلة.
٣- استثمار شبكات التواصل الاجتماعى فى مضاعفة قيمة المحتوى التأثيرية، عبر إعادة إنتاج المحتوى بما يناسب الجمهور الجديد المستهدف ووسيلة النشر.
٤- الاهتمام بالتحليل ومساحات الرأى لتقديم قيمة مضافة فى الورقى، مع حصر الخدمة الإخبارية على السبق، والتصريحات الخاصة.
5- إنتاج مؤثرين من داخل المؤسسات الصحفية القومية لمنافسة المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعى غير المستندين لضوابط التحقق من صدق المعلومة، أو من يستهدفون نسب المشاهدات دون اهتمام بالرسالة.
6 - تنظيم حملات ذات مستهدفات تستخدم قوالب صحفية متنوعة بين حوارات وتحقيقات ومقالات ووثائق، لتحقيق أهداف الاستراتيجية، فأزمة الإعلام أنه يتعامل كرد فعل لحدث ثم يغفل القضية.
مثال ١: مواجهة الفكر المتطرف
■ تتطلب حملات متصلة لبناء وعى تراكمى.
■ تتطلب حملات موازية للتنوير والتثقيف لبناء حصانة معرفية ضد الاستقطاب.
■ تتطلب آراء تعزز إصلاح منظومة التنشئة الأسرية والمناهج التعليمية لبناء أجيال تتمتع بمهارات التلقى الفعال يصعب استقطابهم نحو التطرف.
مثال ٢: حملات اكتشاف المواهب ودعم الكفاءات
■ لتقديم نماذج مبدعة وناجحة للمجتمع.
■ رفع الروح المعنوية والارتقاء بالقيم والمُثل، لا أن يتحول المثل الأعلى للشباب إلى شخصيات لم تقدم قيمة حقيقية.
■ الحملات تقدم المحتوى فى قوالب تناسب الوسيلة والجمهور المستهدف، ويعاد إنتاجه بما يناسب وسائل التواصل الاجتماعى.
7- تعزيز دور الإعلام كحلقة وصل بين الجمهور والحكومة، ينقل بموضوعية ومصداقية هموم المواطن، ويشرح ويحلل قرارات الحكومة للمواطن، ويمارس دوره بحرية وموضوعية، وهذا يتطلب:
■ تفاعل المسئول الحكومى بداية من رئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة مع الإعلام والاستجابة لما يطرحه من مشكلات المواطنين، لتعزيز دوره كحلقة وصل.
■ تعزيز دور الإعلام من خلال المحتوى الخدمى للمواطنين، يعزز مصداقية الإعلام والقدرة التأثيرية لما يقدمه من خدمات ومحتوى بما ينعكس إيجابًا على دوره التنموى وتعزيز النسيج المجتمعى، فالإعلام الأكثر مصداقية هو الأكثر تأثيرًا لصالح الوطن ودعم السردية الوطنية.
8- إنشاء مراكز بحثية فى المؤسسات الصحفية، تهتم بالتخصص الدقيق والدراسات المستقبلية، حتى تتمكن الإصدارات الورقية من إنتاج محتوى عميق يمثل قيمة مضافة ويخدم المجتمع، ولدينا قضايا كثيرة تتطلب متخصصين، منها التغيرات المناخية وتأثيراتها المتنوعة، وتحديات الأمن القومى، وظاهرة الإرهاب العابر للقارات.
9- ربط المحتوى بالقضايا التنموية الوطنية، والقضايا الاستراتيجية المصرية والمصالح القومية.
10- استثمار التراث الصحفى والإذاعى والإعلامى المصرى فى دعم مستهدفات التنوير ومواجهة التطرف وبناء وعى الأجيال بتاريخهم، فمن لا يعلم تاريخه لا يستطيع قراءة مستقبله.
11- تأسيس أقسام حديثة وكوادر تستطيع التعامل مع الذكاء الاصطناعى تستثمر وتوظف إمكانياته وتواجه تحدياته.
■ يتطلب المستقبل محررى خوارزميات يجيدون هندسة وصياغة الأوامر للذكاء الاصطناعى ومراجعة المحتوى المنتج منه.
■ قد يتراجع الاعتماد على أقسام الترجمة والتدقيق اللغوى، لكن سيتطلب ذلك أقسام مراجعة نهائية.
■ تتطلب المؤسسات كوادر جديدة قادرة على كشف التضليل العميق، فالذكاء الاصطناعى ينتج فيديوهات مرئية ومقاطع صوتية تنسب لمصادر رسمية بدرجة تضليل عالي الحرفية، وهذا تحدٍ سيواجه الإعلام للتحقق.
■ الذكاء الاصطناعى يتيح إمكانية تحليل البيانات الخاصة بالجمهور وفئاته واهتماماتهم، بل يتيح إمكانيات يمكن إتاحتها للمعلن بالإصدار الرقمى لاستهداف جمهوره المحدد.
■ كل هذا بعض من المقترحات التى نملك آلياتها التنفيذية تفصيلًا، حتى تسهم فى تطوير المحتوى الإعلامى، وتعزيز مصداقية الإعلام، ومن ثم القدرة التأثيرية فى الجمهور المستهدف.
■ وبالتأكيد الصحافة القومية تجتهد بكل ما أوتيت من قوة؛ لتقديم محتوى احترافى ونجحت فى تحقيق الكثير ولعبت دورًا بارزًا فى خدمة الوطن والمواطن، لكن الحقيقة أن غالبيتها العظمى تعمل فى ضوء إمكانيات بالغة الصعوبة من حيث البنية التحتية والإمكانيات الاقتصادية المحدودة.
■ ومن ثم فإن القائم بالاتصال عنصر فى منظومة تتطلب إمكانيات لتحقيق المستهدفات، قد يبدع فى وضع الرؤية ولكن لا تسعفه الإمكانيات، إبداعه وحده غير كافٍ، النجاح يتطلب إمكانيات وبيئة عمل صحية مساعدة، استديوهات وأجور عادلة للاستعانة بالكفاءات ودعم إدارى، النجاح يتطلب تطوير عناصر المنظومة مكتملة.
٤- العنصر الرابع «الجمهور».
الجمهور المستهدف هو الغاية والهدف الرئيسى، للمنظومة الإعلامية، وبات الجوهر بالغ التنوع والاهتمامات.
أ- الجمهور داخل الوطن.
المواطن بات هدفًا للحروب الحديثة، فالحرب اليوم تدور رحاها داخل الجمجمة، المواطن هدف لأسلحة «السردية الزائفة»، وتحطيم الروح المعنوية، فى حروب تدمير الدول من الداخل، وهو ذاته مقاتل على حصون الوعى، داعمًا للتنمية ولقيادته، هو المواطن الذى دافع عن هوية الوطن فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ومول مشروع قناة السويس الجديدة، وواجه الإرهاب، وتحمل معاناة سنوات البناء، ويدعم قيادته ودولته فى مواجهة مؤامرة التهجير رافضًا تصفية القضية الفلسطينية.

■ هذا الجمهور فئات عمرية متنوعة، واهتمامات متباينة، ونسب تعرضهم لوسائل الإعلام مختلفة، قطاع منهم يعيش على المعلومة القشرية على وسائل التواصل الاجتماعى.
آليات التطوير ذات الصلة بالجمهور المقترحة:
■ الاهتمام بالتخصص لاستهداف فئات ذات اهتمامات خاصة مثل إصدارات اقتصادية وفنية، وصحف اجتماعية تناقش قضايا الشباب.
■ الغوص فى عمق المجتمع المحلى والأقاليم وإصدار مطبوعات خاصة بالمحافظات، فجميع الصحف تتنافس على محتوى عام.
■ إعادة إنتاج المحتوى بما يناسب وسائل التواصل الاجتماعى لاستهداف الشباب، عبر الريلز والإنفوجرافيك والفيديو جرافيك.
■ التفاعل مع الجمهور عبر صفحات خدمية ومتنوعة تخاطب فئات مستهدفة.
■ إنشاء حسابات للإصدارات على شبكات التواصل الاجتماعى لخلق قيمة مضافة لنسب وصول المحتوى.
■ الاهتمام بمنافسة الصحفيين المحترفين للمؤثرين منتجى المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعى، لكسب قطاعات من جمهور السوشيال ميديا، أو على الأقل تقليص عدد ساعات تعرضهم لمحتوى غير هادف، وهذا لن يتحقق إلا بمحتوى هادف إبداعى يراعى طبيعة الجمهور والوسيط الرقمى، ويتطلب هذا الهدف فى الوقت ذاته توفير الإمكانيات المطلوبة للصحف.
وتبذل الهيئة الوطنية للصحافة برئاسة المهندس عبدالصادق الشوربجى جهودا كبيرة للارتقاء بالمؤسسات الصحفية القومية.
كما تبذل لجنة تطوير المهنة برئاسة الكاتب الصحفى حمدى رزق جهودا لتطوير المحتوى.. وتجرى الهيئة حوارات صحفية إيجابية مع مختلف الأجيال والخبرات للمساهمة فى وضع خارطة الطريق المرتقبة لتطوير الإعلام.
وعن رؤية الصحافة الخاصة والحزبية والإعلام المرئى والمسموع بإذن الله للحديث بقية.
حفظ الله مصر