مخطط «الإنهاك والإرباك» تاريخ من الفشل الإخوانى

محمود محرم ومصطفى أمين
منذ ما يقرب من قرن حين أسس حسن البنا جماعة الإخوان عام 1928، وضعت الجماعة الإرهابية نصب عينيها خطة واحدة لم تتغير للهيمنة على الدولة المصرية وتفكيك مؤسساتها عبر ما يعرف باستراتيجية «الإنهاك والإرباك».
مرت الخطة بمراحل عدة، بدأت بإنشاء «التنظيم الخاص» المسئول عن الاغتيالات السياسية، مرورا بالتحول إلى العمل السرى، ومحاولة السيطرة على الجامعات والنقابات لإرباك الدولة من الداخل، وصولًا لمحاولة أخونة الدولة بعد الوصول إلى الحكم.

خبراء فى شئون الحركات الإسلامية أكدوا لجريدة «روز اليوسف» أن جماعة الإخوان الإرهابية لم تتوقف عن التخطيط للعنف فى محاولة لإرباك وإنهاك الدولة المصرية.
هذا الأمر أكد عليه المفكر السياسى ثروت الخرباوى بقوله إن جماعة الإخوان سعت منذ سقوط حكمها إلى تنفيذ ما أسمته بـ«مخطط الإنهاك والإرباك»، وهو استراتيجية تهدف إلى إنهاك مؤسسات الدولة وإرباك الرأى العام دون الدخول فى مواجهة عسكرية شاملة.
يتابع المفكر السياسى ثروت الخرباوى رؤيته قائلا: التجربة أثبتت أن كل هذه المحاولات انتهت إلى الفشل الذريع، بداية من الدعوات المتكررة للثورات مرورًا بمحاولات التحريض الخارجى، وصولًا إلى تحركاتهم المحدودة أمام بعض السفارات الأجنبية التى لم تلق أى صدى داخلى أو خارجى.

وأوضح الخرباوى أن المخطط اعتمد على أربع ركائز أساسية، جاءت جميعها بلا نتائج على أرض الواقع، وتمثلت الركيزة الأولى فى حرب الشائعات والتشكيك، حيث لجأ التنظيم إلى تضخيم أى أزمة اقتصادية أو اجتماعية عبر وسائل التواصل والإعلام الخارجى، فى محاولة لإفقاد الناس ثقتهم فى المؤسسات الرسمية، لكن وعى المواطنين كان كفيلا بإسقاط هذه الحملات.
أما الركيزة الثانية فتمثلت فى التحريض الخارجى، حيث سعت الجماعة لتدويل قضاياها وتحريض بعض العواصم ضد مصر من خلال تقارير مضخمة أو شهادات مزيفة، إلا أن الدولة المصرية واجهت هذه الأكاذيب دبلوماسيا بملفات ووثائق رسمية، فأصبح خطاب الإخوان فى الخارج بلا وزن أو تأثير.
وأضاف: إن الركيزة الثالثة كانت أذرع العنف المحدودة، مثل محاولات إحياء نشاط حركة «حسم» وتنفيذ عمليات متفرقة ضد عناصر شرطية أو منشآت حيوية لكن الضربات الاستباقية للأجهزة الأمنية أفشلت هذه المخططات وأدت إلى تفكيك معظم الخلايا المسلحة، فخسرت الجماعة ورقتها الأهم فى الضغط على الدولة.
وأشار الخرباوى إلى أن الركيزة الرابعة هى إرباك المشهد الاقتصادى والمعيشى، من خلال نشر شائعات عن نقص السلع أو انهيار العملة، بهدف خلق حالة من القلق والذعر فى الأسواق لكن سرعة الدولة فى الرد عبر بيانات رسمية مدعومة بالأرقام، إضافة إلى أن حملات التوعية المجتمعية، أجهضت هذه المحاولات وأفقدت الشائعات أثرها.
وشدد الخرباوى على أن فشل تلك الركائز الأربع يعكس فشل المشروع الإخوانى بأكمله، مؤكدا أن ما تبقى للجماعة لم يعد أكثر من تحركات هامشية فى الإعلام أو أمام بعض السفارات الأجنبية، وهى محاولات بائسة سرعان ما تتبخر أمام صلابة مؤسسات الدولة ووعى الشارع المصرى، لافتا إلى أن وعى المواطن أصبح هو الحصن الأول ضد هذا المخطط، فكل شائعة لا تجد من يصدقها، وكل دعوة للتحريض لا تجد من يستجيب لها، تسقط من تلقاء نفسها وتعود كسهم مرتد على مطلقيها.
طارق أبو السعد، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية أكد أن جماعة الإخوان بعد عزل محمد مرسى وأثناء ما سمى بمعسكر رابعة المسلح، وضعت خطة لاستعادة الحكم لم تكن عبر المسارات السياسية أو الأطر الديمقراطية المتعارف عليها، بل عبر العنف والإرهاب، مؤكدا أن هذه الخطة انقسمت إلى مراحل واضحة.
وأوضح أن المرحلة الأولى كانت مرحلة الإرباك، حيث سعت الجماعة إلى إرباك الدولة عبر الدعاية السلبية ضد كل مشروعاتها ورموزها، والتشكيك فى كل إنجاز يتم تحقيقه، إلى جانب تأسيس تحالفات وهمية تحت شعارات مثل «الشرعية» فضلا عن التواصل مع أجهزة مخابرات أجنبية ومحاولة تدويل ملف رابعة باعتباره «اعتداء على الأبرياء»، فى محاولة لإدانة الدولة وتشويه صورتها فى الخارج.. وتابع أبو السعد: إن المرحلة الثانية هى مرحلة الإنهاك، التى توازت أحيانا مع الإرباك، حيث ركزت على استهداف مؤسسات الدولة والبنية التحتية، مثل السكك الحديدية والكهرباء وخطوط المياه، إلى جانب الهجوم على أقسام الشرطة بالقنابل الحارقة والحقيقية، ومحاولات اغتيال شخصيات عسكرية وأمنية، والهجوم على كمائن وحفلات عسكرية، وصولا إلى اغتيال النائب العام ومحاولات أخرى طالت شخصيات عامة وكان الهدف النهائى من هذه المرحلة الوصول إلى ما أسموه بـ«مرحلة التمكين»، أى السيطرة على مفاصل الدولة بعد إخضاع الجيش أو تفكيكه.

وأكد الباحث أن هذه المخططات تم إحباطها بفضل التماسك الشعبى والثقة فى القيادة السياسية، حيث تعاملت الدولة مع كل ملف باحترافية شديدة، دون تسرع أو تباطؤ، مما أفشل كل محاولات الجماعة فى استعادة الحكم.
وأشار أبو السعد إلى أن الجماعة اليوم فقدت تماما الزخم الذى كان لها قبل 2013، بعد أن انكشفت حقيقتها وثبتت عمالتها وخيانتها، فلم يعد يصدق رواياتها أو ينصت إليها إلا أبناؤها المباشرون أو بعض أتباعها المرتبطين بمصالحها، أما الشعب المصرى فقد حسم أمره واعتبر الإخوان جزءا من الماضى.
وأكد أبو السعد على أنه حتى إذا حاولت الجماعة إعادة هذه المخططات، فإنها ستفشل كما فشلت من قبل، لأن المجتمع المصرى أصبح أكثر وعيا، ولأن ثوب الخيانة الذى ارتدته الجماعة بات مفضوحا أمام الجميع.
وقال هشام النجار، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إن مخطط الإنهاك والإرباك الذى تتبعه جماعة الإخوان الإرهابية قديم ومستمر منذ سقوط حكمها فى مصر، وهو يمثل استراتيجية بديلة للجماعة كلما فشلت فى السيطرة على الدولة أو ابتلاع مؤسساتها وتغيير هوية المجتمع.
وأوضح أن هذا المخطط يقوم على قاعدة واضحة تلخصها مقولة الجماعة «إما أنا أو الطوفان»، أى أنها إن لم تتمكن من حكم الدولة فإنها تعمل على إنهاكها وإضعافها واستنزاف مؤسساتها.
وأضاف النجار إن الجماعة تسعى عبر هذا النهج إلى إفشال الدولة وإفقادها القدرة على التماسك، من خلال شن حروب نفسية متواصلة، وتوظيف سلاح الشائعات والتشويه والتحريض على التمرد والهدف هو خلق بيئة مشوشة تجعل المواطن فى حالة عدم يقين دائم تجاه ما يتحقق من إنجازات أو ما يتخذ من قرارات، وبالتالى دفعه لليأس وفقدان الثقة فى الدولة.
وبين الباحث أن الأدوات التى تستخدمها الجماعة فى هذا المخطط متعددة، تبدأ من الدعاية السوداء وتزييف الحقائق، مرورا بتجنيد مذيعين مأجورين فى قنوات معادية، وانتهاء باستغلال بعض من يزعمون أنهم شيوخ دين لإصدار فتاوى مشوهة تبرر العنف وتروج لرواية الجماعة كما تستغل الجماعة منصات التواصل الاجتماعى كمنصة أساسية لنشر الأكاذيب وتضخيم الأزمات وإثارة البلبلة، فى إطار حرب نفسية شاملة تستهدف المجتمع كله.
وأكد النجار أن إحباط هذا المخطط يتطلب استراتيجية متكاملة، تبدأ من رفع مستوى الوعى العام وتحصين المجتمع ضد الشائعات، مع وجود إعلام قوى قادر على كشف الأكاذيب وتفنيد الدعايات المضللة أولًا بأول كما أن تعزيز الثقة بين الدولة والمواطن عبر إنجازات ملموسة ومستمرة فى ملفات التنمية والخدمات يقطع الطريق على محاولات الجماعة لتزييف الواقع.
النجار أكد أن المواجهة الناجحة لمخططات الإخوان لا تقوم فقط على البعد الأمنى، وإنما تشمل أيضا البعد الفكرى والإعلامى والسياسى، إلى جانب تقديم الدولة لنموذج عملى فى الإدارة الرشيدة والتنمية المستدامة فكلما كانت الدولة قوية وقادرة على تحقيق طموحات شعبها، تهاوت دعايات الجماعة وسقطت روايتها الكاذبة، وهو ما يجعل الشعب نفسه خط الدفاع الأول فى مواجهة هذا المخطط.
منير أديب، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، يرى أن جماعة الإخوان المسلمين اعتمدت منذ نشأتها على استراتيجية ثابتة تقوم على إسقاط الدولة ومؤسساتها عبر مخطط مزدوج يقوم على الإنهاك والإرباك.
فالإنهاك ــ بحسب رؤيته ــ يتمثل فى استهداف الدولة بحملات تشويه ممنهجة وترويج دعاية سوداء ضد كل مشروع وطنى، بينما الإرباك هو تنفيذ عمليات إرهابية متفرقة ونشر الشائعات والتلاعب بالأوضاع الاقتصادية، مثل محاولاتهم الأخيرة المتعلقة بأزمة العملة الأجنبية.
أديب أوضح أن هذه الاستراتيجية ليست جديدة، فقد استخدمتها الجماعة منذ أربعينيات القرن الماضى بالاغتيالات والعنف، ثم انتقلت إلى الحرب الإعلامية والدعاية فى الداخل والخارج، لكن الدولة المصرية نجحت عبر عقود فى كشف هذه الأدوات وإبطال مفعولها، مشيرا إلى أن ما بعد 2013 مثل نموذجا واضحا لفشل الإخوان، إذ حاولوا الدعوة إلى ثورات متكررة لم تجد صدى عند المصريين، كما لجأوا إلى تحركات أمام بعض السفارات الأجنبية لإعطاء صورة غير واقعية عن الوضع فى مصر، من بينها التجمعات أمام السفارة الأمريكية والبريطانية، لكن تلك التحركات تحولت إلى مشاهد هامشية لا تعبر إلا عن عزلتهم السياسية والاجتماعية.
بحسب أديب، فإن نجاح الدولة فى تفكيك الخلايا الإرهابية، وتحصين المجتمع بالوعى، والرد الإعلامى على الأكاذيب، كلها عوامل أسقطت هذا المخطط، لتصبح محاولات الجماعة مجرد أصداء باهتة لماض لم يعد له مكان: مؤكدا أن مصر اليوم أكثر قوة وصلابة، وأن الجماعة فقدت قدرتها على التأثير، بعدما انتهت استراتيجيتها للإنهاك والإرباك إلى فشل ذريع أمام تماسك الدولة ومؤسساتها.