ارتفاع معدلات الاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية

أمانى حسين
تسعى الدولة المصرية لتحقيق الاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية، رغم التحديات الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وقد اتخذت عدة خطوات فى السنوات الأخيرة لتقليل فجوة الاستيراد من خلال التوسع فى المشروعات الزراعية الكبرى، وتطوير منظومة التخزين، وتشجيع الصناعات التحويلية، بالإضافة إلى سياسات تستهدف جذب الاستثمارات ورفع كفاءة الموارد المائية.
قال الدكتور خالد جاد، وكيل معهد المحاصيل الحقلية، إن الوضع الراهن للقمح فى آخر موسم ارتفع إنتاجنا إلى 9.5 مليون طن، وكان معدل التوريد هو الأعلى حيث وصلنا إلى استلام 4 ملايين طن، ومتوسط الإنتاجية بلغ 19.6 أردب للفدان، ويُعتبر من أفضل مواسم إنتاج القمح فى مصر، مشيراً إلى أن الاستهلاك من القمح يبلغ حوالى 21 مليون طن، أى أن الاكتفاء الذاتى وصل إلى 45% فى ظل تزايد عدد السكان ووجود ضيوف من الخارج بالملايين.
وأضاف أن المساحات المزروعة العام الماضى كانت 3.1 مليون فدان، وتُعد محافظة الشرقية أكبر المحافظات فى زراعة القمح، تليها محافظة البحيرة ثم المنوفية والغربية والمنيا، ومتوسط الإنتاج السنوى للقمح يتراوح من 9 إلى 9.5 مليون طن.
ولفت إلى أن الدولة تعمل على زيادة إنتاجية القمح وتحقيق الأمن الغذائى وتقليل فجوة الاستيراد على ثلاثة محاور: أولها المحور الرأسي، وهو زيادة الإنتاجية لوحدة المساحة، حيث وصلنا إلى المركز الرابع على المستوى العالمى فى إنتاج القمح، مضيفاً: «لدينا العديد من الأصناف الممتازة ذات الإنتاجية العالية والقادرة على التأقلم مع التغيرات المناخية، ورغم التغيرات المناخية الحالية لم ينخفض متوسط الإنتاجية حتى الآن، نتيجة لاستنباط الأصناف الجديدة فى مركز البحوث الزراعية، ونجاح مركز الإرشاد أيضاً فى نقل التكنولوجيا للمزارعين وتوعيتهم بالأصناف الجديدة».
وأضاف: «المحور الثانى هو التوسع الأفقي، أى التوسع فى المساحة من خلال المشروعات الضخمة مثل مشروع الدلتا ومستقبل مصر والمشروع القومى للريف المصرى وتوشكى والعوينات وغيرها، وهذه المشروعات تعمل على زيادة المساحة وتعويض النقص السابق الناتج عن كثرة التعديات على الأراضى الزراعية ودخول جزء منها فى مشروعات الطرق، وتساهم فى إضافة مساحة زراعية بما يزيد عن 600 ألف فدان لإنتاج القمح من خلال جهاز الخدمة الوطنية وجهاز مستقبل مصر. أما المحور الثالث فهو تقليل الفقد».
وأوضح أن العام المقبل سوف يكون باكورة إنتاج مركز البحوث الزراعية، حيث سيتم طرح خمسة أصناف حديثة من القمح فى الأسواق، منها أربعة أصناف قمح خبز وصنف قمح مكرونة، وجميعها أصناف عالية الإنتاجية، مقاومة للأمراض، وقادرة على تحمل التغيرات المناخية.
وتابع أن المشروع القومى للصوامع رفع القدرة التخزينية لمصر من حوالى 1.5 مليون طن إلى ما يقرب من 4.5 مليون طن، وتزداد القدرة التخزينية سنوياً من خلال إنشاء أجزاء جديدة من الصوامع، ودخول جهاز مستقبل مصر ساعد فى زيادة أعدادها، وأصبحت القدرة حوالى 4.5 مليون طن، أى بزيادة فى نسبة الصوامع القديمة تجاوزت 400%.
وأكد جاد إن القمح هو المحصول الاستراتيجى الأول، وجودة القمح المصرى من أعلى أنواع الأقماح فى العالم، والدولة كضامن أساسى تشجع المزارعين على إنتاج القمح، بداية من إعلان سعر التوريد قبل ميعاد الزراعة مبكراً، حيث تم الإعلان قبل شهرين من بدء الزراعة، ويُزاد سعر التوريد سنوياً بما لا يقل عن 10% حتى لو تجاوز السعر العالمي، وذلك بهدف دعم الفلاح المصري. لافتاً إلى أن الدولة توفر أصنافاً جديدة عالية الإنتاجية، ولدينا أكثر من 16 صنف قمح، بجانب توفير أسعار التقاوى بأسعار مخفضة للمزارعين، تصلح للزراعة فى المشروعات الكبرى الصحراوية.
وأضاف: «لقد غيرنا الخريطة الاستيرادية للقمح بعد أزمة حرب روسيا وأوكرانيا، وهى أزمة عالمية سياسية، فاتجهنا إلى تنويع مصادر الاستيراد، ومنها الهند وأمريكا وفرنسا بجانب روسيا وأوكرانيا، وهما النسبة الأغلب فى الاستيراد، وهناك أزمة عالمية مناخية سواء كانت فيضانات أو أعاصير مثل إعصار التنين، لذلك هناك ضرورة لتنويع مصادر الاستيراد وسد تلك الفجوة والاتجاه إلى محاولة الاكتفاء الذاتي، مع وجود مخزون استراتيجى يكفى أكثر من 5 أشهر».

السكر.. إنتاج غير مسبوق
الدكتور حازم سرحان، مدير معهد بحوث المحاصيل السكرية، قال إن الموسم الماضى للسكر شهد طفرة كبيرة جداً فى الإنتاج، حيث بلغت الكمية المنتجة 2.5 مليون طن من بنجر السكر و600 ألف طن من القصب، أى بإجمالى حوالى 3.1 مليون طن، بينما يتراوح استهلاكنا بين 3.2 و3.4 مليون طن، بالإضافة إلى 250 ألف طن من المحليات، أى أننا وصلنا تقريباً إلى أكثر من 95% من الاكتفاء الذاتي، والمستهدف أن نصل إليه العام المقبل فى حالة اتباع نفس النهج ونفس المساحات المزروعة ونفس كفاءة التشغيل فى المصانع، لافتاً إلى أن نسبة استيراد السكر ضعيفة حالياً، بينما قبل خمس سنوات كان الاستيراد يتراوح من 600 إلى 800 ألف طن سنوياً.
وأشار إلى أن حجم إنتاج محصول بنجر السكر بلغ نحو 18 مليون طن، وتم توريد 2.5 مليون طن سكر، بينما كان الإنتاج سابقاً حوالى 1.5 مليون طن. والمساحة المنزرعة فى الدلتا حوالى 400 ألف فدان، وباقى المساحة فى الأراضى الجديدة مخصصة لزراعة محصول القمح.
وأردف أن المساحة المخصصة للسكر حسب بيانات شركة السكر بلغت حوالى 186 ألف فدان، والباقى يستخدم للتقاوى وجزء آخر للعصارات. لافتاً إلى أن الموسم الجديد لم تتحدد مساحاته المزروعة بشكل دقيق بعد.

وقال إن هناك مصانع جديدة لإنتاج السكر، منها مصنع القناة فى المنيا وهو استثمار مصرى إماراتي، ومن المتوقع أن تصل طاقته الإنتاجية إلى مليون طن، وهو حالياً فى إطار التشغيل التجريبي، حيث أنتج فى الموسم الماضى حوالى 350 ألف طن، وفى حالة وصوله إلى الإنتاجية الكاملة بنحو مليون طن، سوف نحقق الاكتفاء الذاتي، ومن الممكن أن نصدر أيضاً. مضيفاً أن هناك مقترحاً لإنشاء مصنع ضمن مشروع جهاز مستقبل مصر، كما أن هناك مقترحاً آخر لإنشاء مصنع مزدوج يعمل على إنتاج سكر القصب والبنجر فى بعض المحافظات، خاصة شمال الصعيد أسوة بمصنع أبوقرقاص فى المنيا.
وأضاف: «نعمل فى المعهد على زيادة الإنتاجية من خلال إنتاج أصناف جديدة عالية فى الإنتاجية ونسبة السكر، ومقاومة للآفات والأمراض والتغيرات المناخية، بالإضافة إلى استخدام التقنيات الحديثة ومنها تقنية الشتل التى يتبناها المعهد، وتم إنشاء محطتين بالتكليف الرئاسي».
وقال: «تلجأ بعض شركات ومصانع إنتاج السكر إلى سياسة تحفيز المزارعين، ومنها بيع التقاوى للمزارعين بالمجان مثل شركة الفيوم، وهناك حافز آخر يتمثل فى زيادة سعر المحصول بنسبة حوالى 20% إلى 30% لنظافة المحصول.
والمزارع هو الأساس فى العملية، لأنه المادة الخام التى تقوم عليها المصانع، وعدم توريد المحصول يسبب خسارة كبيرة جداً على الشركات وعلى الدولة وعلى الدخل القومي». لافتاً إلى أن مصانع سكر البنجر تعمل بالطاقة القصوى التى قد تصل أحياناً إلى 120% من طاقتها التشغيلية، ووصلت مساحات البنجر إلى حوالى 750 ألف فدان، أما مصانع القصب فتعمل بحوالى 50% فقط من طاقتها التشغيلية.
وأشار إلى أن بعض المزارعين يتجهون إلى توريد نسبة من المساحة المتعاقد عليها مع مصانع السكر إلى العصارات أى الاستخدام الفريش للعصير، بسبب ارتفاع السعر بشكل كبير، حيث كان سعر توريد طن السكر للمصانع 2500 جنيه، أما عند بيعه للعصارات فيصل إلى 3 أو 5 آلاف جنيه للطن. لافتاً إلى أن التصريحات الجديدة من رئاسة مجلس الوزراء أكدت أنه تم تخفيض سعر البنجر فى الموسم الجديد 2025 – 2026 إلى 2000 جنيه للطن.

مستهدفات اللحوم
من جانبه قال الدكتور طارق سليمان توفيق، رئيس قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة بوزارة الزراعة، إن الإنتاج المحلى من اللحوم الحمراء عام 2025 من المتوقع أن يبلغ حوالى 600 ألف طن، مقابل 555 ألف طن فى العام الماضي، وهذا يحقق اكتفاء ذاتى بنسبة تزيد على 60%.
أما إنتاج الألبان المتوقع هذا العام فهو 7 ملايين طن، وهو ما يحقق اكتفاء ذاتى بنسبة 100%، ويتم تصدير ما يزيد عن احتياجاتنا إلى الخارج، بينما كان إنتاجنا المحلى فى عام 2024 يبلغ 6.5 مليون طن فقط.
وأضاف: «إنتاج الدواجن فى عام 2024 كان ملياراً و400 مليون طائر، أما العام الحالى فمن المتوقع أن يصل إلى مليار و600 مليون طائر. وبالنسبة لبيض المائدة فقد كان إنتاجنا عام 2024 يبلغ 14 مليار بيضة، ومن المقدر أن يصل فى العام الحالى إلى 16 مليار بيضة، وهو ما يحقق الاكتفاء الذاتى من البيض».
وأشار إلى أن الدولة المصرية اتخذت العديد من الإجراءات لتوفير كافة أوجه الدعم اللوجستى والفنى والمالى لمربى الثروة الحيوانية والداجنة من أجل التنمية المستدامة، فى صورة مشروعات قومية تنفذها وزارة الزراعة، وكان أهمها المشروع القومى للبتلو، والهدف الأساسى منه هو منع ذبح الحيوانات الصغيرة التى لا يتعدى وزنها 100 كيلوجرام كوزن حي، إذ تكون نسبة التصافى منخفضة لا تتجاوز 50%، وبالتالى كمية اللحوم المتحصلة منها لا تتعدى 30 كيلوجراماً.
وأضاف سليمان أن المشروع يضم أيضاً العجول المستوردة، وتُعتبر قيمة مضافة لأن العجول المستوردة تنتج ضعف معدلات الزيادة الوزنية مقارنة بالحيوانات المحلية، فضلاً عن العجلات المحسنة وراثياً وعالية الإنتاج ثنائية الغرض سواء فى إنتاج اللحوم أو الألبان.
وأكد أن الدولة المصرية ساعدت صغار المربين من خلال توفير قروض ميسرة بفوائد بسيطة تبدأ من حوالى 5%، وبدأ المشروع فى منتصف عام 2017 بمبلغ 100 مليون جنيه، بينما بلغ إجمالى ما تم تمويله وإقراضه 10.035 مليار جنيه، استفاد منه أكثر من 45 ألفاً و100 مستفيد لتربية وتسمين ما يزيد على 522 ألفاً و500 رأس ماشية.
وأوضح أن هناك عملية تهجين وخلط بين السلالات الأجنبية المستوردة عالية الإنتاجية والسلالات المحلية التى تتصف بمقاومتها للأمراض وتأقلمها مع الظروف البيئية المصرية، وذلك لتمصير هذه السلالات المستوردة من خلال التلقيح الاصطناعي. لذلك تم الاهتمام بمراكز التلقيح الاصطناعى على مستوى الجمهورية، وتنظيم القوافل البيطرية من قِبل الهيئة العامة للخدمات البيطرية ومعهد بحوث التناسلات الحيوانية لإجراء التلقيح الاصطناعى للحيوانات فى قرى ونجوع مصر. مضيفاً أن نتائج التحسين الوراثى للعجول رفعت معدلات الزيادة الوزنية اليومية إلى 1٫2 كيلوجرام يومياً، مقارنة بـ 600 جرام فقط فى السلالات المحلية، أما كمية اللبن فقد ارتفعت إلى حدود 15 – 20 كيلوجراماً فى اليوم بالسلالات المحسنة وراثياً، بدلاً من 7 كيلوجرامات فقط فى السلالات المحلية.
وأشار سليمان إلى أن مركز البحوث الزراعية ومركز بحوث الصحراء استنبطوا أصنافاً من المحاصيل يمكن زراعتها فى الأراضى الهامشية ولا تنافس المحاصيل الاستراتيجية، ذات إنتاجية عالية وقادرة على تحمل نسبة من الملوحة فى مياه الري، كما تم تحسين الأعلاف مثل البرسيم والذرة، حيث تم إنتاج أصناف تمكث فى الأرض فترة أطول وتحقق إنتاجية أعلى قد تصل إلى زيادة بنسبة 30% تقريباً.
وتابع أن هناك أيضاً مشروعاً قومياً لتطوير ورفع كفاءة مراكز تجميع الألبان، بتمويل بنكى بفايدة 5% مع مد أجل سداد القرض إلى 8 سنوات. كما أن لدينا 296 مركزاً لتجميع الألبان، منهم 8 تابعون لوزارة الزراعة و41 مركزاً تم إنشاؤهم فى المجمعات الزراعية، وحوالى 557 مليون جنيه تم تخصيصها لتمويل مراكز تجميع الألبان سواء للتطوير أو لرفع الكفاءة.
وأوضح أنه يتم تكثيف المتابعة والرقابة على تصنيع وتداول الأعلاف ومخازنها، بحيث إذا تم حجب أو تخزين خامات الأعلاف بغرض رفع السعر، يتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية الرادعة، حيث إن الأعلاف تمثل 70% من جملة مصروفات تشغيل وإنتاج أى مشروع.