كارثة ترسين.. غضب الطبيعة يجتمع مع مأساة حرب بالسودان

أمانى عزام
رغم استمرار المأساة الإنسانية التى يعيشها الشعب السودانى بفعل الحرب المستعرة فى الداخل، لم تكن الطبيعة أرحم بأهالى قرية ترسين من نيران البشر، بل بدت وكأنها تعلن شراكتها فى مسلسل الإبادة المفتوح على جسد السودان.
ففى قلب جبل مرة، ذلك العلو الشامخ فى غرب البلاد، وقعت مأساة لا تشبه سواها، إذ اختفت قرية ترسين بكاملها من الوجود بين ليلة وضحاها، بعدما انزلقت كتل صخرية هائلة من سفح الجبل تحت وطأة أمطار غزيرة غير مسبوقة.
فى لحظات معدودة، سويت القرية بالأرض، وابتلع الركام أكثر من ألف نفس بريئة، ولم ينج من الكارثة سوى شخص واحد خرج وحيدًا من بين الأنقاض.
وللوقوف على تطورات الكارثة التى ضربت قرية ترسين، تحدثت جريدة «روزاليوسف» إلى عدد من المسئولين والخبراء السودانيين، الذين أجمعوا على ضرورة تدخل المنظمات الإغاثية الدولية بصورة عاجلة، فى ظل الأوضاع الإنسانية المتفاقمة التى خلفتها الانهيارات الأرضية، وما يرافقها من تحديات مناخية وأزمات أمنية متواصلة.
وبمرارة يغلفها الألم كشف إبراهيم عبد المالك محمد، الناطق الرسمى باسم حكومة ولاية وسط دارفور، أنهم حتى الآن لم يتسن لهم تحديد عدد الضحايا بصورة رسمية أو بصورة دقيقة، لكن الأكيد أن هناك عددًا كبيرًا من الضحايا تم دفنهم تحت الكتلة الجبلية.
وأوضح «عبدالمالك» أن هذه الانزلاقات الأرضية تحدث من حين لآخر، وهذا هو الانزلاق الثالث منذ 2018، حيث شهدت المنطقة أحداثاً مماثلة لكن أعداد الضحايا كانت أقل، لافتًا إلى أنه الآن المنطقة واقعة تحت سيطرة قوات حركة عبد الواحد محمد نور، لذلك من الصعب جداً أن تستطيع الحكومة أن تدخل بعض المساعدات الإنسانية أو الإغاثية أو فرق الإنقاذ للمنطقة المذكورة.
وناشد كل المنظمات الإنسانية والدولية وكل المبادرات والجمعيات الأخرى العاملة فى مجال حقوق الإنسان أن تسارع فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه على الأقل، وتوصيل الأدوية وفرق الإنقاذ لمحاولة انتشال الجثث العالقة حتى الآن تحت الركام.
ومن الجانب الرسمى إلى الحقوقي، إذ ناشد خضر فضل السيد، الحقوقى السودانى وعضو منظمة محامون من أجل الحقوق والعدالة فى السودان، الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى والمنظمات الإنسانية والإغاثية الدولية بالتحرك العاجل لإنقاذ من تبقى من القرى المحيطة بالمنطقة وانتشال الجثامين ودفنها حتى لا تحدث كارثة بيئية بسبب تحلل الجثث، وتقديم الدعم الطبى والغذائى والمأوى للقرى المجاورة المهددة بالخطر، مشيرًا إلى أن المنطقة نائية وتحتاج إلى تضافر الجهود حتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى.
وأوضح «السيد» فى تصريح خاص لجريدة «روزاليوسف» أن هذه الحادثة لا ينبغى النظر إليها كواقعة طبيعية عابرة، بل كجرس إنذار خطير يستوجب تحركًا عاجلًا على المستويات كافة، مؤكدًا أن الأرواح التى أزهقت فى ترسين مسئولية إنسانية وأخلاقية تقع على عاتق الجميع.
واختتم تصريحه بالقول: «إننا أمام كارثة وطنية تتجاوز حدود دارفور لتضع ضمير العالم أمام اختبار حقيقي».
الدكتورة شذى الشريف، عضو الهيئة القيادية بالحزب الاتحادى الديمقراطى الأصل، ومدير مركز الشريف للدراسات والإعلام والتدريب، أضافت صوتها إلى أصوات المناشدين بقولها: «هذه الكارثة ليست مأساة دارفورية فقط، بل مأساة وطنية كبرى تضاف إلى ويلات الحروب والنزوح واللجوء التى يعيشها شعبنا، نحن بحاجة إلى تضامن حقيقى وإغاثة عاجلة، لأن آثارها تتجاوز حدود الإقليم لتلامس الضمير الإنسانى بأسره».
ومن زاوية علمية، حذر الخبير الجيولوجى السودانى نور الدين دودين جارالنبى من مخاطر تكرار المأساة، موضحًا أن جبل مرة منطقة بركانية نشطة نسبياً، وتربتها قابلة للانهيارات الأرضية، خصوصاً مع ازدياد معدلات الأمطار، لافتًا إلى أن ما حدث فى ترسين يجب أن يكون جرس إنذار لإجراء مسوحات جيولوجية عاجلة، وتأسيس نظم إنذار مبكر، لأن أرواح الأبرياء لا تحتمل الإهمال.
وأوضح «دودين» أن هذه الحادثة تعكس خطورة التغيرات البيئية والمناخية التى يشهدها الإقليم، إضافة إلى هشاشة البنية الجيولوجية فى بعض المناطق الجبلية المعرضة للانهيارات جراء الأمطار الغزيرة، وهو ما يستدعى اهتمامًا عاجلاً من الجهات المختصة، مضيفًا:»الطبيعة تحدثنا بصوت عال، والسؤال: هل نصغي؟”.
كما دعا الخبير الجيولوجي، إلى ضرورة إجراء مسوحات ودراسات جيولوجية عاجلة لتحديد المناطق الأكثر عرضة لمثل هذه الكوارث، وإنشاء نظم إنذار مبكر للانهيارات الأرضية فى إقليم دارفور والمناطق الجبلية الأخرى بالسودان.