«الجامعات التكنولوجية».. كلمة السر فى مواجهة البطالة

شيماء عدلى
طفرة نوعية يشهدها قطاع التعليم العالى على مدار الأعوام الماضية، تمثلت فى إنشاء 12 جامعة تكنولوجية حكومية دخلت الخدمة حتى عام 2025، إلى جانب جامعتين خاصتين هما جامعة السويدى وجامعة ساكسونى مصر، ليصل الإجمالى إلى 14 جامعة، خاص إن تلك الطفرة لم تكن شكلية، بل انعكست على أعداد الطلاب المقيدين الذين تضاعفوا خلال عام واحد من 15 ألفًا فى 2023/2024 إلى 30 ألفًا فى 2024/2025، ومن المنتظر أن يشهد العام الدراسى الجديد تضاعفًا فى الأعداد، فى ظل ارتفاع عدد البرامج الأكاديمية إلى 58 برنامجًا متخصصًا يغطى قطاعات حيوية تبدأ من الذكاء الاصطناعى والأمن السيبرانى، وتمتد إلى الطاقة المتجددة، وصناعة الزجاج، والسكك الحديدية، والتسهيلات المقدمة.
قرار إنشاء الجامعات التكنولوجية، جاء بموجب القانون رقم 72 لسنة 2019، ليؤسس لمسار تطبيقى جديد يربط التعليم بسوق العمل مباشرة، ويضع فلسفة «التعلم بالممارسة» فى قلب العملية التعليمية، وبالفعل، تم توزيع الجامعات على مختلف الأقاليم بما يتناسب مع الميزة الصناعية لكل منطقة: ففى القاهرة الكبرى مثلًا، تطرح الجامعات برامج فى الذكاء الاصطناعى والتصنيع الدوائى وصناعة الزجاج، بينما تحتضن منطقة الدلتا تخصصات الزراعة الذكية والتصنيع الغذائى وتكنولوجيا النسيج.
أما الإسكندرية وبرج العرب فاختصت بالميكاترونكس والتكنولوجيا الطبية الحيوية، فى حين برزت بورسعيد ببرامج صيانة السفن والسياحة الذكية، فضلًا عن تخصيص جامعات بنى سويف والفيوم للسكك الحديدية والكهرباء الصناعية والطاقة الشمسية، بينما ركزت جامعات أسيوط على الإلكترونيات والأجهزة الطبية، وجاءت جامعة طيبة لتلبى احتياجات الصعيد فى مجالات التشييد والبناء والطاقة الجديدة.
«نتائج عالمية»
التجربة التكنولوجية لم تقتصر على المناهج الدراسية، بل تجلت نتائجها فى المحافل الدولية، ففى مسابقة «تحدى التكنولوجيا الإفريقى 2025» التى أقيمت فى نيروبى بمشاركة 142 فريقًا من 15 دولة، صعد الطلاب المصريون إلى منصات التتويج بجدارة، وحصل فريق جامعة القاهرة الجديدة التكنولوجية على المركز الثانى فى تطبيقات الهاتف المحمول، فيما فاز الطالب عبدالله صلاح من جامعة أسيوط التكنولوجية بالمركز الأول وحصل على منحة دراسية فى الصين، وبرزت طالبة من جامعة حلوان التكنولوجية الدولية بحصولها على المركز الخامس، لينال طالب من مجمع السلام التكنولوجى المركز الثانى فى التصميم الميكانيكى «CAD»، لتؤكد تلك النتائج أن الجامعات التكنولوجية المصرية أصبحت قادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا.
إلى جانب ذلك، عملت الجامعات على توسيع شراكاتها محليًا ودوليًا، إذ تم توقيع بروتوكولات تعاون مع جامعات بوليتكنيك الصينية لنقل خبرة «التعلم بالممارسة»، ومع معهد دون بوسكو وشركة دانيللى الإيطالية لدعم تخصصات الميكاترونكس والتكنولوجيا الطبية، كما وقعت شراكات مع شركات كبرى مثل هيونداى وروتم وسيسكو، إضافة إلى بروتوكولات تعاون مع قطاع الفنادق والسياحة لتدريب الطلاب عمليًا فى برامج بورسعيد وسمنود.
«العمود الفقرى»
ويظل التدريب الميدانى العمود الفقرى لهذه التجربة؛ إذ تعتمد الجامعات على أن تكون 60% من الدراسة تطبيقية فى ورشها ومعاملها أو فى مقار الجهات الشريكة، فإلى جانب تجربة بنى سويف التى درّبت نحو ألف طالب فى شركات صناعية كبرى، عقدت جامعة القاهرة الجديدة شراكات مع هيئة سكك حديد مصر وسيسكو لتدريب الطلاب فى الورش الحديثة، بينما أتاحت جامعة شرق بورسعيد تدريبات داخل هيئة قناة السويس وترسانتها البحرية.
أما جامعة برج العرب فقد وقعت اتفاقًا مع شركة فيستاس الدنماركية لتدريب الطلاب على تكنولوجيا طاقة الرياح، ووفرت جامعة سمنود برامج تدريبية فى مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، وتعاونت جامعة أسيوط مع شركة سامسونج، وقدمت جامعة طيبة تدريبات عملية فى شركات المقاولات بالأقصر وأسوان، فضلًا عن شراكة مع مركز الطاقة الشمسية بالكريمات.
يقول الدكتور أحمد الجيوشى، أمين المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي: إن المجلس يتابع حاليًا موقف التكليف الرئاسى بإنشاء 17 جامعة تكنولوجية جديدة لدعم مسار التعليم التكنولوجى، لتغطية جميع المحافظات،ومن أبرزها جامعة بلبيس التكنولوجية التى ستضم كليات متخصصة فى الصناعة والطاقة والعلوم الصحية وإدارة الأعمال، وجامعة العريش التكنولوجية التى تركز على الزراعة الذكية والسياحة والفندقة. كما ستشهد الجامعات القائمة إضافة كليات جديدة، مثل: تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعى، والتشييد والبناء، والزراعة الذكية والتصنيع الغذائى.
الجيوشى يشير إلى أن عدد البرامج الدراسية بالجامعات التكنولوجية بلغ 58 برنامجًا متنوعًا تُلبى احتياجات قطاع عريض من مجتمع الصناعة، فضلًا عن جاهزية 132 معملًا مخصصًا لتدريب الطلاب من إجمالى 179 معملًا وورشة، منوهًا إلى أن الشراكات بين الجامعات التكنولوجية والشركاء الصناعيين بلغت 361 شراكة تستهدف الربط بين الجانب الأكاديمى ومتطلبات السوق الصناعية.
ولم تعد الجامعات التكنولوجية مجرد تجربة، بل تحولت إلى قاطرة حقيقية للتنمية الاقتصادية، وذراع أساسية لربط الخريجين بسوق العمل المحلية والدولية. ومع خطة التوسع، تقترب مصر من التحول إلى مركز إقليمى لإعداد وتأهيل العمالة الماهرة فى مجالات المستقبل.