مستقبل الصناعة فى مصر
التعليم الفنى التكنولوجى

منيرفا سعد
طفرة غير مسبوقة يشهدها قطاعا التعليم الأساسى الفنى، والتعليم العالى، فى ظل الجهود المتواصلة لتخريج أجيال جديدة، تتميز بكفاءة ومهارات تؤهلهم لاقتحام سوق العمل المحلية والدولية، لعل أبرزها إنشاء المدارس التكنولوجية الحديثة التى يقترب عددها من 113 مدرسة ضمن خطة الحكومة لتحويل ما يزيد على 1200 مدرسة فنية إلى مدرسة تكنولوجيا تطبيقية، إذ تنفرد بامتيازات عدة يقدمها الشركاء الصناعيون، مثل التأمين الصحى والتأمين الاجتماعى وبدل التدريب خلال سنوات الدراسة، الذى قد يصل فى بعض المدارس إلى 2000 جنيه شهريًا.
أيضًا شهد التعليم العالى إنشاء 12 جامعة تكنولوجية حكومية دخلت الخدمة حتى عام 2025، إلى جانب جامعتين خاصتين، هما جامعة السويدى وجامعة ساكسونى مصر، ليصل الإجمالى إلى 14 جامعة، فى ظل ارتفاع عدد البرامج الأكاديمية إلى 58 برنامجًا متخصصًا يغطى قطاعات حيوية تبدأ من الذكاء الاصطناعى والأمن السيبرانى، وتمتد إلى الطاقة المتجددة، وصناعة الزجاج، والسكك الحديدية، وغيرها.
نجاحات كبيرة وغير مسبوقة حققتها وزارة التربية والتعليم، من خلال المدارس التكنولوجية، الأمر الذى دفع لإصدار قرار بإنشاء 8 مدارس تكنولوجية حديثة ليرتفع الإجمالى إلى 113 مدرسة تكنولوجية ضمن خطة الحكومة لتحويل ما يزيد على 1200 مدرسة فنية إلى مدرسة تكنولوجيا تطبيقية، حيث تمكن خريجوها من اقتحام سوق العمل المحلية والأجنبية فى فترة قصيرة، بالإضافة إلى الامتيازات الكثيرة التى يقدمها الشركاء الصناعيون مثل التأمين الصحى والتأمين الاجتماعى وبدل التدريب خلال سنوات الدراسة، الذى قد يصل فى بعض المدارس إلى 2000 جنيه شهريًا، إلى جانب توفير فرصة عمل دائمة بعد انتهاء سنوات الدراسة الثلاث.
هذه المدارس تتوجه إلى مجالات جديدة تمامًا، مثل: صناعة الأدوية والمشغولات الذهبية، كما أنها تعمل على توطين صناعات ثقيلة مثل صناعة السيارات وتوفير عمالة مناسبة لها، بالإضافة إلى توفير عمالة ماهرة فى المجالات التكنولوجية الحديثة مثلما يحدث فى المدارس الخاصة بالشركة المصرية للاتصالات.
وحول جهود الدولة المبذولة فى التعليم الفنى، يؤكد عبدالرءوف علام، رئيس المجلس الأعلى للآباء والمعلمين، أن وزارة التربية والتعليم بدأت منذ عام 2018 فى تطوير التعليم الفنى وفقًا لاحتياجات سوق العمل بمعايير دولية، وشارك ممثلو مجتمع الأعمال وجمعيات المستثمرين فى إنشاء المناهج الجديدة وفقًا لطبيعة واحتياجات سوق العمل، وتم التعاون مع عدد من الدول المتطورة فى التعليم الفنى وعلى رأسها ألمانيا، ونشأت منظومة الجدارات فى المدارس الفنية، التى تعنى مهارة وعلمًا وسلوكيات، فضلًا عن إعلان وزارة التربية والتعليم تطبيق الجدارات خلال العام الدراسى الجديد الذى ينطلق 20 سبتمبر الجارى 2025 فى كل المدارس الفنية، بعد أن تم تطوير كل المناهج.
علام يشدد خلال تصريحاته لـ«روزاليوسف» على أنه تم إنشاء لجان تضم ممثلى وزارة التعليم وممثلين عن الصناعة والقطاع الخاص وأصحاب العمل لوضع مواصفات البرامج الدراسية والكفاءات المطلوبة وتطويرها وتحديثها بشكل مستمر، لذلك مصر قطعت شوطًا كبيرًا فى تطوير التعليم الفنى، مشيرًا إلى أن هناك توجهًا للدولة نحو جذب صناعات تكنولوجية جديدة وتوطين صناعات مثل صناعة السيارات الكهربائية والدوائر الإلكترونية، ما جعل لدينا برامج تدريبية وفنية متقدمة تركز على هندسة الإنتاج، الإلكترونيات، الروبوتات، والصيانة، والميكاترونيك.
ويوضح أن وزارة التربية والتعليم أتاحت برامج دراسية بالشراكة مع كبرى شركات السيارات، ومثال على ذلك مدرسة فولكس فاجن للتكنولوجيا التطبيقية بحى الأسمرات بالقاهرة، بجانب برامج صيانة السيارات فى المدارس الصناعية التى تم تطويرها مع مجتمع الأعمال، وتوفير تدريب داخل مصانع تجميع السيارات داخل مصر، ما يوفر للطالب خبرة مطلوبة، وفى الوقت نفسه تتعرف الشركات على إمكانات الطلاب وبالتالى توظيفهم.
وفيما يخص المدارس التكنولوجية التطبيقية، فيقول إنه نموذج مبنى على شراكة وثيقة بين وزارة التربية والتعليم وقطاع الأعمال وشريك تعليمى دولى، ووصل عددها إلى ما يقرب من 100 مدرسة حاليًا، وتستهدف تأهيل خريج قابل للعمل مباشرة فى المصانع أو الشركات أو الخوض فى مشروعات ريادة أعمال فنية وتقنية، لأن طلاب التعليم الفنى يتعلمون ريادة الأعمال لتأسيس مشروعاتهم الخاصة بعد التخرج.
ويتابع: التكنولوجيا التطبيقية هى مدارس حكومية مجانية ويكون هدفها تقديم تعليم متميز وفق مجالات عديدة متطورة مثل الذكاء الاصطناعى والبرمجيات والتسويق الإلكترونى والصناعات الميكانيكية الثقيلة والتجارة الحديثة والخدمات الفندقية والخدمات الزراعية المتطورة ومجال صيانة الطائرات وغيرها، وهذه المدارس تعتمد على منهجية الجدارات فى إعداد الطلاب وتدريبهم داخل المصانع وأماكن التدريب العملى المختلفة والملائمة لطبيعة كل تخصص، وتقبل هذه المدارس المتميزين من خريجى المرحلة الإعدادية العامة والأزهرية وفق معايير القبول، كما تستخدم هذه المدارس دراسة اللغات الأجنبية المختلفة كلغة تعليم إضافية حسب كل تخصص، وتوفر معامل لغات متطورة للتدريب.
وعن الصورة الذهنية لطلاب التعليم الفنى، يؤكد علام: نؤمن جميعًا بأن تغيير الصورة المجتمعية يتطلب جهودًا مشتركة، وبالفعل شهدت الفترة الأخيرة إطلاق حملات توعية تبرز قصص نجاح خريجى التعليم الفنى ومشروعاتهم، بجانب جهود كبيرة لتحسين الصورة الذهنية، منها تسليط الضوء على فرص العمل الحقيقية والأجور والمهن الحديثة المتاحة لخريجى التعليم الفنى والمتميزين من طلاب الفنى.
ويلفت إلى أنه فى السابق كان لدينا عدد محدود من الكليات تقبل بعض خريجى الدبلومات الفنية، مثل: كليات الهندسة والتعليم الصناعى والتجارة، لكن الدولة أنشأت الجامعات التكنولوجية لتوفير مسار جامعى لطلاب التعليم الفنى تقبل 80٪ من طلابها خريجى الدبلومات الفنية، ما شجع قطاعًا كبيرًا من الطلاب على دخول المدارس الفنية، كل ذلك ساعد على تغيير الصورة النمطية القديمة عن التعليم الفنى، والدليل على ذلك أن المدارس الفنية تحقق مستويات قبول أعلى من الثانوى العام بنسبة 52% من طلاب الإعدادية.
وبشأن خلق فرص جديدة لسوق العمل، يؤكد علام أن وزارة التربية والتعليم ركزت على برامج دراسية تخدم سوق العمل، وعلى رأسها مهن جديدة فرضتها التكنولوجيا، وأصبح لدينا مدارس فنية مثل مدرسة WE بالتعاون مع وزارة الاتصالات ومدارس أخرى بها تخصصات برمجيات، وتطوير تطبيقات، وذكاء اصطناعى، وتجارة رقمية، وصيانة أنظمة ذكية، وخدمات ما بعد البيع، والتسويق الرقمى، كل ذلك هدفه خلق فرص عمل لطلاب الفنى تتوافق مع احتياجات سوق العمل.
ويوضح أنه يوجد تنسيق بين وزارة التعليم وغرفة الصناعة والغرف التجارية لاحتضان خريجين فى برامج توظيف وتدريب مستمر، مؤكدًا أن تطوير المناهج يتم باستمرار بمؤشرات أداء واضحة ومخرجات تعلم قابلة للقياس، مع إدخال تدريب ميدانى موثق، وحاليًا يحصل الطالب على شهادتين: الأولى شهادة بالدرجات، والثانية شهادة جدارات تشمل المهارات التى يجيدها الطالب طبقًا للبرنامج الذى قام بدراسته، ويُختبر الطالب طبقًا لمنهجية الجدارات عبر ممثلين من سوق العمل وليس من وزارة التربية والتعليم لتوفير الاحترافية المطلوبة.
وفى ذات السياق، تؤكد داليا الحمزاوى، الخبيرة التربوية ومؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر، أن مدارس التكنولوجيا التطبيقية تحظى باهتمام كبير من جانب الدولة بهدف تخريج جيل من المهرة القادرين على المنافسة المحلية والدولية، وذلك من خلال الاهتمام بتطبيق المعايير الدولية فى التدريس والتدريب من خلال الشراكة بين تلك المدارس وشركات القطاع الخاص والسعى لتوقيع بروتوكولات تعاون بين عدة جهات وفقًا لاحتياجات السوق، كما اهتمت الدولة بتغيير النظرة المجتمعية للتعليم الفنى، حيث شهدت منظومة التعليم الفنى نقلة نوعية كبيرة، ومع تعديلات قانون التعليم تم إطلاق مسمى جديد لشهادات التعليم الفنى تحت اسم «البكالوريا التكنولوجية المصرية»، التى تم تصميمها وفقًا لأعلى المعايير الدولية وبشراكات استراتيجية مع كبرى الشركات الصناعية والمؤسسات العالمية لضمان تخريج كوادر مؤهلة تمتلك المهارات والجدارات اللازمة للمنافسة بقوة فى أسواق العمل المستقبلية.
ومن أبرز التعديلات، التى تكشف عنها الحمزاوى، استبدال مسمى «التعليم الثانوى الفنى» بعبارة «التعليم الفنى والتقنى «الثانوى التكنولوجى»، وهو تغيير لا يقتصر على المسمى فقط بل يعكس تحولًا عميقًا فى فلسفة هذا النوع من التعليم ليركز على الجانب التكنولوجى والتطبيقى بشكل أكبر.
وتقترح تبنى حملة تسويقية للتعليم الفنى من خلال عقد ندوات تعريفية بالمدارس الإعدادية لتعريف الطلاب بمسار التعليم الفنى ومستقبله، ويمكن تنظيم جولات داخل المدارس الفنية لرؤية الطلاب على أرض الواقع، كما يمكن تسليط الضوء على النماذج الناجحة من خريجى التعليم الفنى لإثبات أن خريجى التعليم الفنى قد يتفوقون مهنيًا على خريجى الجامعات التقليدية، ولزيادة إقبال الطلاب على التعليم الفنى يمكن تقديم دعم لخريجى التعليم الفنى لإنشاء مشاريع صغيرة من خلال منحهم قروضًا ميسرة، وتنظيم معارض لعرض إنتاجهم وتسويقه.
من جانب آخر، يؤكد الدكتور عاصم حجازى، أستاذ علم النفس التربوى بجامعة القاهرة، أنه تم تطوير المناهج الخاصة بالمدارس التكنولوجية أو الفنية المتطورة بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل وأيضًا بمشاركة فعالة وحقيقية من سوق العمل ذاته، وقد أصبحت المهارات التكنولوجية جزءًا أصيلًا من هذه المناهج، كما تم اعتماد منهجية الجدارات التى تهتم بجوانب 3 أساسية تشمل الجانب المعرفى والوجدانى والمهارى للطلاب، كما أن هناك تعاونًا وثيقًا بينها وبين سوق العمل يتضمن تدريب الطلاب فى أماكن العمل الفعلية، وهذا التدريب بالتأكيد يمثل بعدًا هامًا فى عملية إعداد الطالب، حيث إنه يتم فى نفس بيئة العمل التى سيلتحق بها الطالب بعد تخرجه.
ويشدد على أن الحكومة تضع آمالًا كبيرة على التعليم الفنى فى توفير عناصر بشرية مدربة ومؤهلة على أعلى مستوى للمشاركة فى مسيرة التنمية سعيًا وراء توطين الكثير من الصناعات وجذب الاستثمارات الأجنبية، مؤكدًا أن نظرة المجتمع قد تغيرت خاصة لطلاب المدارس التكنولوجية، والدليل على ذلك الإقبال الشديد من الطلاب على مدارس التكنولوجيا التطبيقية، وذلك لتغير نوعية التعليم والتدريب فى تلك المدارس وارتباطها باحتياجات الطلاب ومتطلبات سوق العمل، واشتمالها على تخصصات فريدة وعصرية. موضحًا أن هناك الكثير من التخصصات الحديثة التى تم استحداثها لتواكب توجهات سوق العمل والاستثمار المصرى، كصناعة السيارات وغيرها، واستحداث هذه المسارات الجديدة يعتبر حجر الأساس لتوطين الصناعات المرتبطة بها.