الملف النووى فى الصدارة
إيران تتحدى.. وواشنطن ترفع السقف

امانى عزام
فى وقت تتزايد فيه حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران يعود الملف النووى الإيرانى إلى صدارة المشهد كأحد أكثر الملفات تعقيدًا وتشابكًا فى العلاقات الدولية، فواشنطن تلوّح بالعقوبات والتهديدات العسكرية، وطهران ترد بالتصعيد والمناورة، فيما يقف العالم على حافة اتفاق محتمل قد يغيّر موازين القوة، أو انفجار وشيك يعيد المنطقة إلى زمن الصدامات المفتوحة.
ووسط ضغوط اقتصادية خانقة على الجانب الإيراني، واشتراطات أمريكية وصفها محللون، تحدّثوا فى تصريحات خاصة لجريدة «روزاليوسف»، بأنها أقرب إلى إعلان استسلام سياسى منها إلى اتفاق تفاوضى متوازن.
يرى هانى سليمان، الباحث المتخصص فى الشأن الإيراني، أن الشروط التى طرحتها واشنطن لإحياء الاتفاق النووى تمثل قيدًا ثقيلًا على النظام الإيراني، لأنها تمسّ صميم عناصر قوته ومصادر نفوذه الإقليمي، منوهًا إلى أن الولايات المتحدة وضعت «4 لاءات» أمام طهران، وهي: وقف تخصيب اليورانيوم بالكامل، والقبول بمفاوضات مباشرة دون وسطاء، والحد من برنامج الصواريخ الباليستية، إلى جانب وقف تمويل ودعم الميليشيات الإقليمية.
وفيما يخص تلك البنود، يقول: إنها تمسّ جوهر الفعل الإيرانى فى الإقليم، وبالتالى فإن التخلى عنها يمثل إعلان استسلام كامل، مشددًا على أن طهران لن تقدم تنازلات مجانية إلا تحت تهديد وجودى مباشر أو ضربة عسكرية تهدد بقاء النظام، مشيرًا إلى أن إيران ستواصل سياسة كسب الوقت والمراوغة، وستحاول الخروج بأقل الخسائر الممكنة، متفاديةً فخّ المواجهة المباشرة مع إدارة ترامب الحالية، التى قد تعيد توجيه ضربات جديدة فى حال فشل الأولى فى كبح الطموح النووى الإيراني.
أما هشام البقلي، الخبير فى الشئون الإيرانية، فيرى أن المفاوضات النووية تمرّ بمنعطف حاسم، بعد أن أعادت واشنطن وشركاؤها الأوروبيون تفعيل العقوبات الأممية عبر آلية «سناب باك»، بينما ردّت طهران بتعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإلغاء اتفاق القاهرة، موضحًا أن العام الجارى شهد تطورًا نوعيًا فى مسار الصراع، تمثل فى الضربات الأمريكية والإسرائيلية التى استهدفت منشآت نطنز وفردو وأصفهان، مسببة تراجعًا مؤقتًا للبرنامج النووى دون وقفه.
البقلى يشير إلى أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت امتلاك إيران نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالى التخصيب بنسبة 60%، وهو مستوى يقترب من الاستخدام العسكري، ما جعل الملف يدخل دائرة الخطر المباشر، منوهًا إلى أن واشنطن تطالب بخفض التخصيب إلى 3.67%، والإفصاح الكامل عن مواقع الإنتاج، وتوسيع التفتيش الدولي، وتقديم ضمانات بعدم تطوير رءوس نووية أو صواريخ بعيدة المدى، مؤكدًا أن طهران تعتبر هذه الشروط مساسًا بالسيادة الوطنية، وترى فيها مجرد سقف تفاوضى لا أكثر، يُستخدم لإجبارها على تقديم تنازلات جزئية.
وفى قراءة للنهج الأمريكي، يوضح البقلى أن سياسة بايدن كانت أكثر لينًا وأقرب إلى نهج أوباما، الذى وقّع الاتفاق عام 2015، فى حين اعتمدت إدارة ترامب الحالية على الدمج بين العقوبات الاقتصادية والـ “عصا العسكرية”، لتفرض شروطًا أكثر صرامة مع إبقاء باب الحوار مفتوحًا، ناهيك عن أن طهران، فى المقابل، عززت تحالفاتها مع روسيا والصين، ووقعت اتفاقًا استراتيجيًا مع موسكو يمتد لعقدين، يوفر مظلة سياسية واقتصادية تساعدها على الصمود فى وجه الضغوط الغربية، لكنها لا تخفى هشاشتها الداخلية أمام أزمة اقتصادية خانقة وتوتر اجتماعى متصاعد.
من جانبه، يرى اللواء محمد عبدالواحد، الخبير فى الأمن القومي، أن المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة تمثل محور صراع جيوسياسى معقد، تتشابك فيه العقوبات الاقتصادية، والضغوط الداخلية الإيرانية، والتوترات الإقليمية، فى معادلة تجعل من انعدام الثقة سمة دائمة بين الجانبين، مشيرًا إلى أن واشنطن طرحت شروطًا قاسية أبرزها «صفر تخصيب»، وتفكيك البنية التحتية النووية بما فى ذلك أجهزة الطرد المركزى المتقدمة “IR-6 وIR-8”، ونقل أو تخزين مخزون اليورانيوم المخصب – الذى يبلغ نحو 900 كيلوجرام – تحت إشراف دولي.
ويتابع: وتضمنت المطالب وقف تطوير الصواريخ الباليستية، وتحديد قيود زمنية من 8 إلى 10 سنوات على البرنامج الصاروخي، فضلًا عن وقف دعم أذرع إيران الإقليمية مثل حزب الله والحوثيين والكيانات الشيعية فى العراق وسوريا، وفى المقابل، تعرض واشنطن حزمة حوافز اقتصادية تشمل رفعًا تدريجيًا للعقوبات، واستئناف صادرات النفط، وإحياء مفاعلات نووية للأغراض المدنية، ودعم مشاريع تعاون اقتصادى مع دول الخليج فى إطار تحالف إقليمى مقترح.
تلك المطالب، يعتبرها عبدالواحد أنها تمسّ جوهر السيادة الإيرانية، وأن النظام فى طهران يواجه معضلة حقيقية بين التنازل الذى قد يضعف شرعيته داخليًا، والاستمرار فى المواجهة التى تنذر بانهيار اقتصادى أعمق، ناهيك عن أن مطلب «صفر تخصيب» غير واقعي، مرجحًا أن يتم التوصل إلى نسبة تخصيب منخفضة “3.6% إلى 5%” كما كان الحال فى اتفاق 2015.
ويحذر من أن أى فشل فى المفاوضات قد يعيد المنطقة إلى حافة الاشتعال، وأن الخيار العسكرى المحدود سيظل مطروحًا كورقة ضغط، لكنه قد يتحول إلى شرارة صراع مفتوح إذا ما استُخدم بطريقة خاطئة.