الأحد 9 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القيم الأسرية سر عظمة الحضارة المصرية

لم تكن الحضارة المصرية القديمة قائمة على نظرية الفرد الواحد، بل تميزت بأنها حضارة مجتمع وتعاون، وسر تماسكها على مر العصور كان الأسرة، وهى الفكرة التى وردت فى كثير من نصائح حكماء مصر القديمة لأبنائهم، فقبل 4000 سنة قدم الحكيم بتاح نصائح لابنه، دار كثير منها حول أهمية الزواج وتأسيس الأسرة والبيت وكيفية الحفاظ على هذه الأسرة، وذلك بحسن اختيار الزوجة وتربية الأطفال بشكل سليم، وغيرها من مختلف الوسائل والأساليب التى تضمن حياة أسرية سعيدة وآمنة.



لو نظرنا إلى جدران المعابد والمقابر وحتى التماثيل، سنجد كثيرًا من الكتابات الدالة على أن الأسرة وتكوينها، وتمسك المصرى القديم بها كانت من العوامل القوية لتماسك الحضارة المصرية القديمة ، لذلك حرص المصرى القديم على ترسيخ هذا المفهوم فى كثير من النقوش، وفى متاحف مصر المختلفة وعلى رأسها المتحف المصرى الكبير. 

هنا سنجد كثيرًا من التماثيل التى يظهر فيها الزوج وبجواره زوجته، وفى كثير من التماثيل يظهر الأبناء مع الزوجين، وذلك تأكيدًا على أن الزواج كمقدمة لتكوين أسرة مستقرة بحسن اختيار الزوجة، من أبرز قيم ومفردات الحضارة المصرية القديمة.

أيضًا تمتلئ كثير من النصوص الأدبية المصرية القديمة بوصايا رعاية الأب والأم والأطفال والاهتمام بتعليمهم والعناية بهم، وهى المهمة التى كانت تقع فى جانب كبير منها على الأم، التى كانت تحظى بمكانة رفيعة فى مصر القديمة، حيث تُكرَّم وتُحاط بالتقدير والحُبّ، فهى مصدر الحياة والحنان والقوة، وهذا الدَّوْر المقدَّس تجسد فى مشهد المعبودة إيزيس عندما احتضنت ابنها حورس، تحميه وتغذّيه بحبها ورعايتها ليكبر قويًّا، ومن هنا أصبح مَشْهد إيزيس وهى تضم صغيرها رمزًا خالدًا للأمومة وللدَّور المحورى الذى تؤدِّيه الأم، فى تنشئة الأجيال.

وإذا كانت المرأة قد لعبت دورًا كبيرًا فى الحضارة المصرية القديمة، وهذا الدور تجسد فى عدة جوانب من أبرزها كونها الأم التى ترعى الأبناء، خاصة أنه منذ فجر التاريخ، حملت المرأة على عاتقها مسئولية الأسرة، سواء بتربية الأطفال أو مساعدة زوجها فى الحقل، وكانت الأمومة الهدف الأسمى لمعظم النساء فى مصر القديمة، ولم ينس الأدب المصرى القديم دور المرأة العظيم فى الأسرة المصرية، فنجد الحكيم آنى من القرن 16 ق.م، يطلب من أحد الأبناء أن يحفظ جميل رعاية أمه له قائلاً: «ضاعف الخير لأمك واحملها إن استطعت، كما حملتك صغيرًا». ومهما كانت مكانة المرأة فإنها فى النهاية أم طبقا لطبيعتها، ولذلك كانت الأم الملكية سندًا وداعمًا فى الأوقات الصعبة أثناء الحروب، ففى حرب التحرير التى قادها «سقنن رع تا عا الثانى»، كانت «أمه» تتى شيرى « هى التى أرضعته حب مصر ولقنته مبادئ الوطنية، واستحقت لقب أم أول شهيد فى حرب الهكسوس، كما أرضعت معه أخته «أيعح حتب» أم الأبطال لـ«كامس» الشهيد و«أحمس» بطل التحرير، ولذلك لم تكن ولادة الأنثى مصدر حزن وأسى عند الأم المصرية، بل كانت من بواعث الفرح، والدليل على ذلك الأسماء التى منحها القدماء لبناتهم والتى حملت فى معناها قدرًا كبيرًا من الاعتزاز، مثل «وبت نفر» أى بشرة الخير.

د.أشرف أبو اليزيد مدير عام المتاحف النوعية بوزارة السياحة يوضح أن الأسرة من أهم مقومات تماسك الحضارة المصرية واستمرارها على مدار آلاف السنين، ومن الأسرة الأولى نرى فكرة الزواج معروفة جدًا وما ينتج عنها من تكوين الأسرة، وفى مقابر الأسرة الأولى فى نقادة وأبيدوس نرى أن الملكات يتم دفنهن مع الملوك فى مقابر واحدة، وهذا يدل على العلاقة الزوجية بينهما.