د. كريم الأدهم
قصة الطاقة الذرية.. من التدمير إلى إسعاد البشرية
لقد كانت أول لمسة للبشرية مع الطاقة النووية لمسة مأساوية حيث ألقت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على مدينتى هيروشيما وناجازاكى فى اليابان خلال الحرب العالمية الثانية فى أغسطس عام 1945، وقد أسفر الهجومان عن حوالى مائتى ألف قتيل وعدد كبير من المصابين، علاوة على تساقط الغبار الذرى خارج الحدود. ومن هنا ارتبطت الطاقة الذرية فى أذهان الناس بالدمار والخراب، خاصة بعد أن دخل صراع التسابق فى السلاح النووى بين الدول حيز التنفيذ، فقد أجرى الاتحاد السوفيتى أولى تجاربه عام 1949 وتلته بريطانيا عام 1952، وفى الثامن من ديسمبر عام 1953 وجه الرئيس الأمريكى أيزنهاور من على منبر الأمم المتحدة نداءه الشهير «الذرة من أجل السلام» ومعناه أن هذا الشىء المخيف إذا أحسن التعامل معه والسيطرة عليه وتطويعه يمكن أن يتحول إلى يد حانية تساعد فى إسعاد البشرية. ومن هنا بدأ النشاط المعروف بـ «التطبيقات السلمية للطاقة الذرية»، ويتركز هذا فى فرعين رئيسيين؛ المفاعلات النووية، وتطبيقات الإشعاع والنظائر المشعة فى مجالات عدة تشمل الطب والزراعة والصناعة وغيرها من المجالات.
فيما يتعلق بمفاعلات إنتاج الطاقة الكهربائية تم ربط أول محطة للطاقة النووية فى العالم فى أوبنينسك بشبكة موسكو فى 27 يونيو 1954، وكانت قدرة المحطة 5 ميجاوات كهربى، وأصبحت البشرية على دراية بظهور مصدر جديد للطاقة لإنتاج الكهرباء. وفى الثانى من ديسمبر دخل أول مفاعل أمريكى لتوليد الكهرباء بقدرة 60 ميجاوات كهربى إلى الشبكة الكهربية فى محطة شيبينج بورت بولاية بنسلفانيا، وتوالى بناء محطات الطاقة النووية بقدرات مختلفة وأنواع مفاعلات مختلفة فى أقطار عدة، ووصل عدد مفاعلات القوى فى العالم فى 31 ديسمبر عام 2023 إلى 413 مفاعلًا فى 31 دولة.
وإذا نظرنا بعين الاعتبار لمصادر توليد الطاقة فهناك شروط يجب توافرها فى المصدر المستخدم، هى أن يكون مأمونًا واقتصاديًا ومستدامًا وصديقًا للبيئة. ومصادر الطاقة الشائعة المعروفة هى الوقود الأحفورى (البترول والغاز والفحم) والطاقة الجديدة والمتجددة (الشمس والرياح والماء والبيوماس) والطاقة النووية.. ولو طبقنا الشروط السابق ذكرها نجد أن كل مصدر له مزاياه وعيوبه من حيث الأمان والتكلفة والاستدامة والصداقة مع البيئة.
وفيما يتعلق بالأمان نجد أن الطاقة النووية على مدى أكثر من 20000 مفاعل سنة من التشغيل التجارى التراكمى فى 31 دولة، كانت هناك ثلاثة حوادث رئيسية فقط لمحطات الطاقة النووية وهى ثرى مايلز أيلاند فى الولايات المتحدة عام 1979 وحادثة تشيرنوبيل فى أوكرانيا (فى زمن الاتحاد السوفيتى) عام 1986 وحادثة فوكوشيما فى اليابان عام 2011. وفى حادثة ثرى مايلز أيلاند تعرض المفاعل لأضرار جسيمة ولكن تم احتواء الإشعاع بأنظمة الأمان ولم تكن هناك عواقب صحية أو بيئية ضارة، وزار الرئيس الأمريكى كارتر الموقع فى اليوم التالى. وفى حادثة تشيرنوبيل أدى تدمير المفاعل بسبب الانفجار البخارى والحريق إلى مقتل 31 شخصًا وكان له عواقب صحية وبيئية كبيرة. ومنذ ذلك الحين ارتفع عدد القتلى إلى حوالى 56، وجدير بالذكر أن هذا الطور من المفاعلات كان له تصميم خاص قديم والمفاعل كان فى طريقه للخروج من الخدمة ولم يعد هذا النوع من المفاعلات ينشأ. وفى حادثة فوكوشيما حدث فقدان التبريد بسبب زلزال تبعه تسونامى ضخم لم يتم احتواؤه بشكل كاف. لم تحدث وفيات أو إصابات خطيرة بسبب النشاط الإشعاعى، على الرغم من أن حوالى 19000 شخص لقوا حتفهم بسبب التسونامى.
وهكذا نجد أن ضحايا الحوادث النووية لم يتعدوا الستين ضحية، ولو قارنا بضحايا حادثة حدثت فى مصنع للمبيدات الحشرية فى بهوبال بالهند فى ديسمبر عم 1984 تشير التقديرات إلى أن عدد الأشخاص الذين قتلوا فى الأيام القليلة الأولى بسبب عمود الغاز المتصاعد من المصنع يصل إلى 10000 شخص، مع وقوع ما بين 15000 إلى 20000 حالة وفاة مبكرة فى العقدين التاليين. وقد تم تطوير نظم الأمان فى الأجيال التالية من المفاعلات بزيادة وسائل الأمان الذاتية بحيث يكيف المفاعل نفسه ويتعامل مع أية ظروف طارئة. ومحطة الضبعة هى من الجيل الثالث المطور الذى يحظى بأحدث وأقوى نظم الأمان.
ومن الناحية الاقتصادية نجد أن أقل تـكلفة للكيلووات. ساعة هى للطاقة النووية وطاقة الرياح على الأرض.
ومن ناحية الاستدامة فمعروف أن الوقود الأحفورى، مهما كان حجم الاحتياطى الموجود، هو مصدر قابل للنفاد (غير مستدام). وكما ذكرنا فإن اليورانيوم موجود فى التكوينات الجيولوجية وفى مياه البحر والمحيط، وهناك المفاعلات الولودة. وكتقدير لعالم سكانه 10 مليارات نسمة واستهلاك طاقة 10 كيلووات أى أن القدرة المطلوبة 100 تيراوات. نجد أنه:
- باستغلال الاحتياطيات واستخدام المفاعلات الولودة (Breeders) يمكن بهذا المعدل أن يفى الاحتياطى مدة 220 ألف سنة.
- استغلال جميع التركيزات بما فى ذلك اليورانيوم الموجود فى مياه البحار والمحيطات والمفاعلات الولودة يمكن أن يفى باحتياجات العالم لمدة 200 مليون سنة.
ومن ناحية الصداقة مع البيئة نجد أن الوقود الأحفورى يتسبب فى انبعاث آلاف الأطنان من الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحرارى بينما محطات الطاقة النووية لاينبعث منها إلا بخار ماء من أبراج التبريد. وبالنسبة للنفايات المشعة فقد تطورت تكنولوجيا التعامل معها وتخضع لمعايير قاسية تضمن سلامة البشر والبيئة.
وهكذا نجد أن الطاقة النووية تفى بالشروط الأربعة المطلوب توافرها فى مصدر توليد الطاقة.
ولا شك أن دخول مصر عصر الطاقة النووية هو من حرصها على تنويع مصادر الطاقة التى تعتبر من عوامل الأمن القومى.
وإن شاء الله نسعد ببدء تشغيل أول المفاعلات واكتمال المحطة وتكون نواة لبرنامج نووى طموح.










