الخميس 20 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مشروع عملاق يستخدم مفاعلات  الجيل الثالث مطور «+»

مشروع عملاق يستخدم مفاعلات الجيل الثالث مطور «+»

يعتبر مشروع محطة الضبعة النووية أحد المشرعات العملاقة على مستوى العالم، وتحديدا من حيث حجمه المادى، فموقع البناء ضخم، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد العمالة أثناء تنفيذ المشروع 30 ألف عامل فى ذروته، ما يبرز حجم المشروع، ويعتبر مشروعًا رائدًا لمصر والقارة الإفريقية. كما أن المشروع يستخدم مفاعلات الجيل الثالث مطور (+)، ملبيًا بذلك متطلبات ما بعد حادثة فوكوشيما فى اليابان، التى وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يجعله نموذجًا يحتذى به فى مجال التكنولوجيا النووية المتقدمة. 



المحطة تلبى متطلبات أمن الطاقة

محطة الضبعة النووية سوف تلبى متطلبات أمن الطاقة، الذى يعتبر من الأهداف الرئيسية الاستراتيجية المهمة لمصر، فمحطة الضبعة النووية سوف تعزز تنوع محفظة الطاقة لتحقيق أمن البلاد واستقلالها فى مجال الطاقة، الذى بدوره سيرسخ مكانة مصر كدولة رائدة فى الاستخدام السلمى للطاقة النووية إقليميًا ودوليًا، تمهيدا لكى تصبح مصر دولة محورية فى تبادل الطاقة فى الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا.

محطة الضبعة مشروع طويل الأجل من شأنه أن يعزز استقلال مصر فى مجال الطاقة ويوفر مستقبلاً مستدامًا للطاقة. فمحطة الضبعة النووية ستوفر طاقة كهربائية أساسية ثابتة ونظيفة وموثوقة، مما يحسن استقرار الشبكة وموثوقيتها، فى سبيل تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، ودعم التنمية الصناعية والزراعية، فالطاقة النووية سوف توفر الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل المصانع كثيفة الطاقة ومحطات تحلية المياه، وهو أمر بالغ الأهمية للزراعة فى المناطق الصحراوية القاحلة، بهدف زيادة التنمية الزراعية الأفقية.

كما أنها تساعد على تنويع مصادر الطاقة فى مصر، والحفاظ على وقود الغاز الطبيعى لاستخدامات أخرى مثل البتروكيماويات والأسمدة، فمن المتوقع أن تقلل محطة الضبعة بشكل كبير من اعتماد مصر على الغاز الطبيعى لتوليد الكهرباء، وهو عنصر أساسى فى أمن الطاقة. 

وهناك فوائد اقتصادية طويلة الأجل توفرها محطة الضبعة فتعتبر محركًا اقتصاديًا يوفر فى فترة تشييد المحطة آلاف الوظائف المؤقتة، وتوفر أثناء تشغيلها فرص عمل طويلة الأجل، كما أنها تعزز التجارة المحلية. 

فى مجال تغير المناخ، محطة الضبعة النووية ستساهم فى تحقيق أهداف البلاد المناخية من خلال خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، الذى يعزز أهداف المناخ المحلية والعالمية، فالطاقة النووية تعد جزءًا أساسيًا من استراتيجية مصر لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات لصفر كربون بحلول عام 2050.

من الأمور المهمة التى تتطلع إليها مصر من وراء هذا المشروع، يأتى موضوع نقل التكنولوجيا النووية ذات الجودة العالية للمصانع والشركات والعمالة المصرية، فالمشروع يشرك مصانع وشركات ومهندسين وعمال مصريين فى البناء والتشغيل، مما يعزز الخبرة المحلية فى قطاع الطاقة الجديد. وبذلك ستتطور الصناعات المحلية لتلبية المعايير الدولية، وتزداد فرصة منافسة الصناعات المصرية فى السوق العالمية، مما يزيد من دخل مصر من العملة الصعبة.

بالإضافة إلى ذلك، نجد أن مشروع الضبعة النووى يتواكب مع خطة مصر الاستراتيجية للطاقة 2030، الذى يهدف إلى مزج الطاقة، بمشاركة الطاقة المتجددة والنظيفة بنسبة 42%، وبإضافة الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة، ستعتمد مصر بشكل أقل على مصادر الطاقة الأخرى، ما يخلق نظامًا أكثر توازنًا ومرونة. 

فى 19 نوفمبر الجارى، احتفلت مصر بيوم الطاقة النووية لإحياء ذكرى توقيع اتفاقية محطة الضبعة للطاقة النووية مع روسيا فى ذلك التاريخ من عام 2015، ممثلا بذلك خطوة تاريخية فى برنامج الطاقة النووية للبلاد. أقيم أول احتفال رسمى فى 22 نوفمبر 2021، ولكن الفعاليات اللاحقة أقيمت باستمرار فى 19 نوفمبر. 

يسلط هذا اليوم الضوء على التقدم المحرز فى مشروع الضبعة، والتزام مصر بالطاقة النووية كمصدر طاقة نظيف ومستدام، وهو أمر أساسى لاستراتيجية الطاقة النووية فى مصر وأهداف التنمية المستدامة. وتأتى أهمية هذا اليوم الذى يرمز إلى دخول مصر عصرًا جديدًًا من الاستخدام السلمى للطاقة النووية، حيث يعتبر هذا المشروع حجر الزاوية فى استراتيجية الدولة لأمن الطاقة، وعنصرًا أساسيًا فى أهدافها المناخية، وتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.

فى يوم الطاقة النووية الأخير (19 نوفمبر 2024)، وهو الاحتفال الرابع من نوعه، احتفل المسئولون بانتهاء تركيب مصيدة قلب المفاعل لوحدة المفاعل الرابعة فى محطة الضبعة، حيث يمثل هذا التركيب إتمام تركيب مصيدة قلب المفاعل لجميع الوحدات النووية الأربع فى المحطة، مما يكمل تركيب أولى المعدات النووية طويلة الأجل. تعد مصيدة قلب المفاعل (Core Catcher) من أهم أنظمة الأمان فى مفاعلات (VVER-1200) من الجيل الثالث المتقدم التى تبنى فى المحطة، وهى نظام حماية فريد مصممة لاحتواء المواد المنصهرة فى حالة وقوع حادث انصهار لقلب المفاعل، مما يضمن أعلى مستويات الأمان والسلامة فى المحطة النووية أثناء الحوادث. وقد وصلت مصيدة قلب المفاعل الخاصة بالوحدة الرابعة والأخيرة إلى موقع المحطة فى 4 نوفمبر 2024، وكان من المقرر أصلا تركيبها خلال عام 2025، ولكن تم تسريع الجدول الزمنى للمشروع، وتم تركيبها يوم 19 نوفمبر 2024. وبهذا الإنجاز، تكون جميع وحدات المحطة النووية الأربع قد تم تزويدها بمصائد قلب المفاعل كأولى المعدات النووية طويلة الأجل تركيبا فى المشروع. 

خلال عام 2025، حقق مشروع محطة الطاقة النووية فى الضبعة العديد من الإنجازات، بما فى ذلك الانتهاء من تركيب الطبقتين الثانية والثالثة من هيكل جدار وعاء الاحتواء الداخلى للوحدة النووية الثانية فى مايو 2025، وقبل الموعد المحدد. حيث اكتملت الطبقة الثانية بحلول مارس والثالثة بحلول يوليو. تعد هذه الطبقات، المصنوعة من أجزاء مصنعة محليًا، من ميزات الأمان الأساسية التى يكون بداخلها المفاعل النووى (وعاء الضغط) وبداخله الوقود النووى ومولدات البخار والضاغط وطلمبات الدائرة الأولى ونظم الأمان المخصصة للدائرة الأولى وباقى معدات الدائرة الأولى.

كما تم تركيب الهيكل السفلى المدمج لدعامة الدعم فى الوحدة النووية الأولى، وهو مكون أساسى لوعاء ضغط المفاعل. وقد وصل وعاء ضغط المفاعل الخاص بالوحدة النووية الأولى لموقع الضبعة في21 أكتوبر2025. والذى تم نقله من ميناء سانت بطرسبرج فى روسيا على متن سفينة متخصصة، وتجرى الاستعدادات حاليًا لتركيبه فى موقعه النهائى داخل مبنى المفاعل الرئيسى خلال الاحتفال بيوم الطاقة النووية 19 نوفمبر 2025. يعتبر تركيب هذا الوعاء خطوة محورية فى المشروع، وينتقل بالعمل من مرحلة الأعمال المدنية إلى مرحلة التركيب الميكانيكى للمكونات الرئيسية. 

ومن الإنجازات التى تمت خلال عام 2025، بدء أعمال البناء فى منشأة تخزين الوقود المستعمل. بعد أن حصلت هيئة محطات الطاقة النووية على تصريح لبناء منشأة تخزين جاف للوقود النووى المستعمل (المحترق). صممت هذه المنشأة لتخزين الوقود بأمان لمدة تصل إلى 100 عام. 

وفى يناير 2025، تم بنجاح تركيب الجمالون الكابولى لمصيدة قلب المفاعل للوحدة النووية الأولى الذى يزن 150 طنًا. يدعم هذا الجمالون أنظمة إمداد مصيدة قلب المفاعل بالمياه والتهوية.

وفى يوليو 2025 افتتح رسميًا مركز تدريب جديد فى الموقع، بمساحة 5 آلاف متر مربع، ويضم أجهزة محاكاة كاملة الحجم. ومن المتوقع أن يدرب المركز ويصقل مهارات حوالى 20 ألف عامل، مما يضمن وجود قوة عاملة محلية ماهرة لتشغيل المحطة.

بالإضافة إلى ذلك، وفى يوليو 2025، وقعت اتفاقيات تكميلية بين روسيا ومصر لتسريع تنفيذ المشروع وفقا للجدول الزمنى، وعلى مشاركة روسيا فى تصميم وتسليم المعدات والإنشاءات اللازمة لإنشاء نظام أمن الموقع. 

وقد بدأ العمل فى تنفيذ شبكة المنطقة المحلية الآمنة (LAN) التى ستربط جميع الأنظمة والموظفين داخل المحطة، بما يتوافق مع معايير الأمن الدولية. كما استمر التقدم فى أعمال البنية التحتية الأخرى، بما فى ذلك مبانى التوربينات، ومأخذ مياه البحر، وحماية السواحل. 

ومن منظور التعاون الثنائى بين مصر وروسيا، لا يزال المشروع رمزًا للتعاون بين مصر وروسيا، حيث يسلط الجانبان الضوء على التعاون الفعال.

هناك إنجازات ضخمة تمت فى موقع الضبعة النووى، تعكس مدى التنسيق الوثيق بين الكوادر الروسية والمصرية، والالتزام بالجداول الزمنية، والتطوير الملحوظ فى المشاركة المحلية.

يمكن لمصر تعظيم الفوائد طويلة المدى من مشروع الضبعة النووى من خلال تعزيز الخبرة التكنولوجية المحلية من خلال التدريب الشامل والبحث والتطوير المحلى، والاستفادة من المشروع لتطوير البنية التحتية والاقتصادية فى المنطقة المحيطة، ودمج المشروع فى استراتيجية وطنية للدبلوماسية النووية وبناء القدرات الإقليمية، وضمان وجود حلول فعالة وطويلة الأجل لإدارة النفايات.

الآن نستطيع أن نقول: إن مشروع الضبعة النووى، يمتلك القدرة على أن يكون نموذجًا يحتذى به للتعاون الدولى فى مجال البنية التحتية الرئيسية، فالمشروع يسير العمل فيه، الذى يتضمن بناء أربعة مفاعلات من طراز VVER-1200، وفق الجدول الزمنى المحدد، ومن المتوقع أن تدخل الوحدة الأولى حيز التشغيل بحلول سبتمبر عام 2028، وجميع الوحدات الأربع بحلول عام 2030.