قوة دولية لحفظ السلام فى غزة
وسام النحراوى نورالدين أبوشقرة
تتغير خطط مستقبل غزة بوتيرة مذهلة، فقد نص قرار مجلس الأمن الضبابى هذا الأسبوع على أن «مجلس السلام» الذى أنشأه ترامب سيشرف على قوة دولية لتثبيت الاستقرار، لم يُحدَّد بعد عدد أعضائها، والقرار يهدف إلى تحويل وقف إطلاق النار الهش فى غزة إلى خطة سلام حقيقية.
مضمون القرار
القرار ربما يمنح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب السيطرة المطلقة على غزة، وربما يكون تونى بلير تابعًا له مباشرة فى «مجلس السلام»، الذى سيشرف على قوات حفظ سلام متعددة الجنسيات، ولجنة من التكنوقراط الفلسطينيين، وقوة شرطة محلية، لمدة عامين.
القرار الذى أقره مجلس الأمن الاثنين الماضي، صاغته الولايات المتحدة ليؤيد خطة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب فى غزة، ويسمح بإرسال قوة دولية لتحقيق الاستقرار إلى القطاع الفلسطينى.
ويُنظر إلى قرار مجلس الأمن على أنه خطوة مهمة لإضفاء الشرعية على الحكم الانتقالى وطمأنة الدول التى تفكر فى إرسال قوات إلى القطاع.
ينص القرار على أنه يمكن للدول الأعضاء المشاركة فى ما يسمى بمجلس السلام، الذى يقول القرار إنه سيكون سلطة انتقالية تشرف على إعادة الإعمار والتعافى الاقتصادى لغزة. ويجيز القرار إنشاء قوة دولية لإرساء الاستقرار، والتى ستتولى عملية نزع السلاح فى غزة، بما فى ذلك التخلص من الأسلحة وتدمير البنية التحتية العسكرية.
كما ينص القرار على أن «الظروف قد تتهيأ فى نهاية المطاف لمسار جاد نحو تقرير المصير الفلسطينى وإقامة دولة» بمجرد أن تنفذ السلطة الفلسطينية برنامجًا إصلاحيًا ويشهد ملف إعادة تنمية غزة تقدمًا.
وجاء فى القرار: «ستؤسس الولايات المتحدة حوارًا بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسى لتعايش سلمى ومزدهر». وقال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، تحت ضغط من الأحزاب اليمينية فى حكومته، إن إسرائيل لا تزال تعارض قيام دولة فلسطينية، وتعهد بنزع سلاح غزة «بالطريقة السهلة أو بالطريقة الصعبة».
موقف حماس
ترفض حماس حتى الآن نزع سلاحها، حيث أصدرت مجموعة من الفصائل الفلسطينية بقيادة حماس بيانًا مساء الأحد الماضى ضد القرار، واصفة إياه بأنه خطوة خطيرة نحو فرض الوصاية الأجنبية على القطاع، وقالت إن القرار المقترح يخدم المصالح الإسرائيلية.
بدوره، يقول د. جمال نزال المتحدث باسم حركة فتح إن قرار مجلس الأمن الدولى هو النتيجة النهائية لمشوار بدأ فى 7 أكتوبر من أدلى بدلوه فى ذاك اليوم دون أدنى درجة من الاستعداد وحسن التقدير أو الأداء، ونرى الآن نتيجة هذا «الفحص» أسود على أبيض ممهورة بتوقيع أعلى سلطة فى العالم، مجلس الأمن الدولى.
ويتابع «نزال»: قرر قوة دولية لتطبيق خطة ترامب بما فيها سحب السلاح، حيث تتجرع إسرائيل أيضًا الفشل فى هذا القرار، حيث يتحدث القرار عن دولة فلسطينية ترفضها إسرائيل، كذلك كلاهما فشل فى رهانه؟ هل كسبته السلطة الوطنية؟ ليس بشكل حاسم، لكن فيه بذور صالحة للاستثمار لصالح الشعب الفلسطيني، ومنها الحديث لأول مرة بقرار مجلس الأمن الدولى عن دولة فلسطينية، جميع الدول طالبت بوجود السلطة الوطنية فى غزة وإنهاء دور إسرائيل كقوة احتلال وإنهاء دور حماس كحكومة فى غزة.
ويضيف «المتحدث باسم حركة فتح» أن مشروع منظمة التحرير فى الاستقلال لم يتلقَّ دفعة حاسمة كما حصل فى مؤتمر نيويورك، لكنه لم يتلقَّ ضربة، بل تم بالتعاون مع الدول العربية والإسلامية والتشاور مع القيادة الفلسطينية تحسين نصوص القرار بإبقاء باب الأمل فى الاستقلال مفتوحًا.
وينهى نزال حديثه قائلًا: بعد اعتراف بريطانيا وفرنسا بدولة فلسطين كان فى جلسة مجلس الأمن ٤ من أصل خمسة دول دائمة العضوية فى المجلس تعترف بالدولة الفلسطينية، وبقيت واحدة هى الولايات المتحدة، وقد أقرت ببند يتحدث عن حقنا فى الاستقلال رغم تآمر إسرائيل وسعيها لتدمير السلطة الوطنية، سنربح الغد لأطفالنا.
إعادة الإعمار
يرى المتحدث باسم حركة «فتح»، أن خطة الإعمار داخل «المنطقة الخضراء» جزء من مسار غامض لإعادة توحيد غزة من خلال إقناع المدنيين الفلسطينيين بالتحرك عبر خط السيطرة الإسرائيلية، ويؤكد أنها وجه آخر للهجرة الطوعية تجاه المناطق.
ويضيف المتحدث: الخطط المقترحة تقسم القطاع إلى منطقتين؛ الأولى تسمى «الخضراء»، حيث يتوقع أن تتركز قوات دولية مشتركة مع الجيش الإسرائيلي، وتبدأ فيها مشاريع إعادة الإعمار بشكل تدريجي، بينما تبقى المنطقة الثانية «الحمراء» مدمرة جزئيًا من دون خطط عاجلة لإعادة الإعمار، مؤكدًا أن الهدف المعلن لهذه التقسيمات هو ضمان الاستقرار الأمنى على المدى القريب، إلا أن ذلك قد يؤدى إلى هجرة داخلية نحو المناطق الأكثر أمانًا، ما يعيد تشكيل الواقع الديموغرافى والجغرافى للقطاع.
وستتمركز القوة الدولية المقرر نشرها عند نقاط استراتيجية قرب الحدود الشرقية والمعابر، بهدف منع تجدد الصراع وفرض استقرار نسبي، مع مراقبة تحركات الفلسطينيين وتدفق المساعدات.
ورغم الطابع الأمنى لهذه الخطة، فإن أى إخفاق فى تطبيقها قد يفتح المجال أمام تجدد العمليات العسكرية.
ويضيف: إن خطة استخدام المساعدات لإغراء سكان غزة بالدخول إلى منطقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، بعد عامين من حرب هى إبادة جماعية، تعيد إلى الأذهان سياسات كارثية أخرى من تلك الصراعات. ينتظر ما يقرب من 1.5 مليون فلسطينى مواد إيواء طارئة، ويعيش مئات الآلاف فى خيام دون الحصول على خدمات أساسية كالمياه النظيفة، ويتجمع كل السكان تقريبًا، أكثر من مليونى شخص، فى المنطقة الحمراء، وهى شريط على طول الساحل يغطى أقل من نصف مساحة غزة.
تغيرات فى الخطط
بدوره، يقول د. جهاد الحرازين أستاذ العلوم السياسية إن خطط مستقبل غزة تتغير بوتيرة مذهلة، ما يعكس نهجًا فوضويًا لحل أحد أكثر صراعات العالم تعقيدًا وصعوبة. ويؤكد الحرازين أنه بدون خطة عملية لنشر قوة حفظ سلام دولية، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وإعادة إعمار واسعة النطاق، تواجه غزة خطر الانزلاق إلى حالة من الغموض بعد عامين من الحرب المدمرة.
ويحذر «الحرازين» من خطورة تقسيم غزة المنهكة فى ظل هجمات إسرائيلية متكررة، واحتلال متجذر، وانعدام حكم ذاتى فلسطينى، وعمليات إعادة إعمار محدودة للمنازل والمجتمعات الفلسطينية.
ويستطرد: التخطيط لغزة يسير بخطى سريعة، والوضع متغير للغاية وهناك قلة من الناس يفهمون هذا الأمر ويديرونه بأنفسهم، وأُدرج الأردن كجهة مساهمة محتملة بمئات من جنود المشاة الخفيفة وما يصل إلى 3000 ضابط شرطة، ويؤكد أن تلك القوات لن تعمل على الجانب الغربى من «الخط الأصفر».
قرار غامض
السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، يقول إن قرار مجلس الأمن به الكثير من نقاط الغموض: هل بالفعل من أجل الانتقال للمرحلة الثانية ومناقشة إعادة الإعمار وتولى السلطة الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية؟
ويتابع «رخا»: هناك ميول لبداية وصاية أمريكية تنتهى فى عام 2027، حيث يحكم ترامب قطاع غزة والمشرف على اللجنة العسكرية والمشرف العام على لجنة إعادة الإعمار، فى ظل تغير معالم قطاع غزة والتفرقة فى مناطق الإعمار والاستمرار فى تفرقة وتهجير الفلسطينيين.









