خريطة البرلمان تتغير
محمود محرم ومحمد السيد
فيما يسدل الستار -فى التاسعة مساء اليوم- على انتخابات الجولة الأولى فى 30 دائرة جرى إلغاء نتائجها بأحكام من المحكمة الإدارية العليا، وتنتظر 19 دائرة أخرى جولة الإعادة بعد أن ألغتها الهيئة الوطنية للانتخابات، لم تكن نتائج إعادة التصويت مجرد جولة انتخابية تقليدية أو استكمالا لمرحلة ملغاة، بل تحولت إلى ما يشبه «عدسة مكبرة» كشفت بوضوح عن تحولات عميقة لتعيد تشكيل مراكز القوى وتؤسس لخريطة برلمانية أكثر تنوعا، حيث شهدت المرحلة خسارة عدد من المقاعد كانت محسومة للأحزاب الكبرى قبل جولة الإعادة فى حين تقدم المستقلون بثبات، ليصبحوا العنوان الأبرز لإعادة التوازن داخل المشهد السياسى.
ومع حسم 373 مقعدا من أصل 568 حتى الآن، بواقع 284 عبر القائمة و89 عبر الفردي، يبقى 195 مقعدًا رهن المنافسة فى جولات الإعادة والدوائر التى تنتظر الكلمة النهائية من القضاء، لكنها رغم أنها مقاعد لم تحسم بعد، تحمل داخل معاركها ما يكشف حجم التغيير الدائر وحجم ما ينتظره البرلمان القادم.
وعلى الرغم من مواصلة حزب مستقبل وطن صدارته بـ170 مقعدا «121 قائمة – 49 فردى»، يليه حماة وطن بـ69 مقعدا، ثم الجبهة الوطنية بـ52، فالشعب الجمهورى بـ18، إلا أن بعض الأحزاب سجلت خسارة كبيرة لعدد من المقاعد، وخسر حزب حماة وطن 17 مقعدا، وتراجع مستقبل وطن بـ10، وتقلص حضور الجبهة الوطنية بفقدان 7، بينما خسر الشعب الجمهورى مقعدا واحدا.
فى المقابل، صعدت أحزاب صغيرة نسبيا لحجز موطئ قدم مهم على المقاعد الفردية، حيث حسم حزب النور مقعدين، بينما حصل العدل والمحافظين على مقعد لكل منهما، ولا تزال مقاعد أخرى لهما فى جولات الإعادة ودخول 4 سيدات لجولة الإعادة بينهن 3 من «الدوائر الملغاة»، لكن المفارقة الأكثر لفتا للانتباه تكمن فى تلك الزاوية التى كشفتها المنافسة الفردية، حيث دفعت أحزاب بعشرات المرشحين ولم تحصل على مقعد واحد حتى الآن، جاء فى مقدمتها حزب المؤتمر، والذى شارك بـ57 مرشحا فرديا دون نجاح واحد، بينما خاض الوفد بـ42 مرشحا انتهت جميعها خارج البرلمان.
المشهد نفسه تكرر مع أحزاب المصرى الديمقراطى (31 مرشحا)، والإصلاح والتنمية (22)، والدستور (12)، وإرادة جيل (6)، والتجمع (4)، والحرية المصرى (مرشح واحد) دون أى فوز.
الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة يؤكد أن نتائج الدوائر الـ19 التى شهدت إلغاء الانتخابات فى المرحلة الأولى، كشفت عن تغييرات واضحة فى اختيارات الناخبين بين الجولة الأولى والثانية، وأظهرت أن الأصوات ليست ثابتة بل تتأثر بعدة عوامل داخلية فى كل دائرة، ويتابع أن الظواهر التى ظهرت فى نتائج بعض الدوائر، سواء فى القاهرة أو فى الصعيد، أو بين المستقلين والأحزاب، تقدم قراءة جديدة للمشهد السياسى، حيث لوحظ تراجع بعض المرشحين الذين حصلوا على أصوات مرتفعة فى الجولة الأولى مقابل صعود آخرين فى الجولة الثانية.
أستاذ العلوم السياسية يوضح أن هذه التغيرات تشير إلى أن الناخب المصرى صار أكثر وعيا وقدرة على التعبير عن رأيه بشكل مباشر، منوها إلى أن إعادة الانتخابات كانت ضرورية، ويواصل أن المحكمة الإدارية العليا تلقت العديد من الطعون، ولو أصدرت المحكمة حكما بإعادة الانتخابات أو إلغائها فى عدد كبير من الدوائر الأخرى، هذا يثير تساؤلات جدية حول نزاهة العملية الانتخابية برمتها.
الدكتور رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، يوضح أن نتائج إعادة التصويت فى الدوائر الـ19 الملغاة أظهرت تحولا حقيقيا أعادت رسم الخريطة البرلمانية، ويشير إلى أن الناخب المصرى لم يعد يتجه تلقائيا نحو الأحزاب التقليدية، بل يبحث عن تمثيل يعكس قضاياه وأولوياته، ويمنح البرلمان تنوعا حقيقيا فى التمثيل.
فرحات يشير إلى أن دخول أحزاب صغيرة نسبيا واحتلالها بعض المقاعد الفردية يعكس تحولا نوعيا فى توزيع القوى البرلمانية، ويقول: الأرقام وحدها لا تحكى كل القصة، بل الرسائل التى أرسلها الناخب من خلال صوته تعكس رغبة واضحة فى وجود برلمان أكثر تنوعا وحيوية، قادر على التفاعل مع مختلف قضايا المواطنين بعيدا عن التحكم الحزبى المطلق، ويؤكد أن الجولة الانتخابية تعتبر درسا سياسيا مهما، ويواصل أن الرسالة الأهم هى أن المواطن المصرى أصبح صانع القرار الأبرز، وأن أى خريطة برلمانية مستقبلية لا تراعى هذا الواقع ستفقد مصداقيتها أمام المجتمع.
الدكتور محمد أبو العلا، رئيس الحزب العربى الناصرى يؤكد أن المرحلة الحالية من انتخابات مجلس النواب، سواء فيما يتعلق بالدوائر الملغاة أو جولة الإعادة، تمثل اختبارا حقيقيا لنضج العملية الديمقراطية فى مصر، مشددا على أن نتائج الجولة الأولى كشفت بوضوح ضرورة تعزيز آليات الرقابة والإصلاح الانتخابى لضمان نزاهة العملية وانتقال السلطة بشكل عادل وشفاف.
أبو العلا أشار إلى أن التوجه الشعبى يفتح المجال أمام مجلس أكثر تنوعا، مما يتيح فرصا للنقاش البناء داخل البرلمان ويحد من السيطرة المالية أو التكتلات الضيقة مؤكدا أن المرحلة المقبلة يجب أن تكون فرصة لتعزيز الوعى الشعبى بأهمية دعم الأحزاب الوطنية الفاعلة، لضمان برلمان قادر على تحقيق الإصلاح والتنمية المرجوة.






