السبت 26 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شاطئ العراة




ليس علينا بالتأكيد أن ندعو إلي إقامة شواطئ للعراة في مصر من أجل تنشيط السياحة.. هذا كلام فارغ لا يليق وغير مقبول.. ولكننا بالتأكيد لابد أن نتوقف مليا أمام الأخبار التي تقول إن حكومة تركيا ذات المواصفات المتأسلمة برئاسة رجب طيب أردوغان.. لم تمانع في إقامة مشروع سياحي به شاطئ للعراة يستهدف السائحين من فنلندا وهولندا أكثر من غيرهما. تركيا حرة.. والعراة أحرار.. فليخلعوا ملابسهم أينما شاءوا.. طالما أن هذا بعيد عنا.. غير أن مضمون تلك الأخبار يبدو مدهشًا جدًا.. خاصة أن حكومة أردوغان تقدم نفسها للعالم الإسلامي علي أنها حكومة الاتقياء المتأخونين.. ويفاخر بها أنصار الإسلام السياسي في العالم العربي.. ويرون أنها تقدم نموذجًا للحكم الإسلامي.. ويغفلون اختلاف البيئات والثقافات.. وأن الشعارات توظف في السياسة.. وها هو الدليل قد يصدم الكاتب المدافع عن تركيا الآن فهمي هويدي وتابعيه.

لا أنتظر تعليقًا من هويدي بالطبع.. سوف يتغافل عن هذا الأمر.. وسينقلنا إلي موضوعات أخري.. علي طريقة «انظر إلي العصفورة». وسيكون علينا أن نقول له ولمن يتغنون بتركيا الإسلامية «انظر إلي العراة».. وبالتأكيد سوف يغض البصر عن الأجساد والأخبار.. خاصة أن الأنباء تقول إن شروط المنتجع الذي سيقام في مدينة «ضاتشة» غرب تركيا علي بحر «إيجه» أنه سيكون مغلقًا.. وأنه لن يسمح بدخوله لغير الأجانب.

ويظن الكثيرون أن شواطئ العراة مرتع للجنس.. ومحفل للممارسات الجماعية المشينة.. وهي ليست كذلك بالطبع.. وإنما هي مجرد أماكن يسمح فيها بالتعري الكامل.. لأن من يفعلون ذلك يعتقدون أنهم يستفيدون أكثر من البيئة لو تخلصوا من كل ملابسهم.. وفي أوروبا.. خصوصًا الإسكندنافية.. من اعتاد السباحة عاريا.. وفي شمال أوروبا قد تذهب العائلات بكامل أفرادها لكي تحصل علي حرارة حمامات الساونا الخاصة بالأسرة عراة من غير شيء.

هم أحرار وهذه عاداتهم.. ولكن تركيا التي تعتليها حكومة جزء من حركة الإخوان الدولية قررت أن تستفيد من تلك العادات.. وأن تستخدم هذا في زيادة دخل السياحة إلي بلادها.. والتي كانت قد بلغت عائداتها في عام 2005 ـ حسب آخر إحصاء توفر لي ـ 16 مليار دولار حصيلة استقبال 21 مليون سائح.

وبالطبع لن تضيف سياحة العراة مبالغ طائلة لهذا الرقم.. لأن أغلب السائحين لا يبحث عن التعري علي الشواطئ.. ولكن المعني هو أن تركيا تقول لسوق السياحة الدولية إنه حتي التعري ممكن لديها.. وبافتراض أن الشاطئ سوف يكون مغلقًا فإن تلك مسألة لا تتعلق بالتقاليد التركية.. وإنما أيضا لأن هذا النوع من السائحين تزعجه نظرات الفضوليين ويعتبرها تدخلا في الخصوصية.

إن تركيا التي تحكمها حكومة صدعتنا بنبرتها المتأسلمة.. وأوحت الدعايات المصاحبة لها بأنها سوف تعيد خلافة العثمانيين.. وتجعل من اسطنبول منارة للثقافة الإسلامية.. وأنها بهذا النهج سوف تسحب البساط من دول عربية إسلامية.. هذه الدولة إنما تلعب بما يمكن أن تغلب به.. فإن كان شعارًا إسلاميا.. لا مانع.. وإن كان مشهدًا مسرحيا يؤدي إلي انسحاب أردوغان من مناقشة مع بيريز في دافوس... يجوز.. وإن كان شاطئًا للعراة في أرض تركيا نفسها.. ممكن جدًا.. وسوف يكون بالفعل.

إذن المسألة لا علاقة لها بالدين في جوهره.. وإنما في الاستفادة من عباءته.. وإذا كانت عباءته تلك تعيق فائدة.. فلا مانع من خلعها.. ولو كان ذلك في مكان ضيق.. جلبًا للمنفعة.. والله يحاسب عباده علي ما يفعلون.

الموضوع من جانب التعري لا يعنينا.. يهمنا فقط معناه ومدلوله.. والأهم أن ننشغل بأن نوفر لسوق السياحة في مصر ميزات تنافسية.. ليس بأن نسمح لبعض السائحين بالتعري.. هذا ـ كما قلت ـ غير مقبول.. وإنما بأن نرحب بهم بطريقة لائقة ودودة.. تعاملهم بشكل ليس فيه مضايقة.. أو تتسول البقشيش.. أو التعامل معهم علي أنهم ضحايا لابد من استغنام أموالهم.. مجرد القيام بهذا علي المستوي العام شعبيا سيؤدي إلي ارتفاع معدل السياحة في مصر.. ولتذهب التنافسية الآتية علي أجساد عارية إلي تركيا.. هي حرة.. بشرط ألا يصدعنا بمكانتها الإسلامية فهمي هويدي.
 
الموقع الالكتروني : www.abkamal.net
البريد الالكتروني   : [email protected]