الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يوسف الرفاعى: رمضان حاضر فيما يُكتب له لا ما يُكتب عنه

يوسف الرفاعى: رمضان حاضر فيما يُكتب له لا ما يُكتب عنه
يوسف الرفاعى: رمضان حاضر فيما يُكتب له لا ما يُكتب عنه




رمضان شهر الذكريات والروائح الملونة بألوان الفوانيس والياميش وأصوات التواشيح الدينية.. لكل منا رمضانه الخاص ذلك البعيد أيام الطفولة والذى نحتفظ به قابع فى الذاكرة لا يتزحزح مهما مر الزمن عليه نستجير به فى الأوقات العصيبة ليذكرنا بروائح وأصوات وألوان قد تريحنا من متاعب حياتية عابرة وتسرى عنا.. معا نبحر فى رمضانات المثقفين لنشاهد بأعينهم ما عايشوه.

ليس أفضل من القرآن للقراءة فى رمضان هذا فى المطلق، ولكن لو قصدتى ما دونه، فأنا أعشق كتب التاريخ، والروايات العالمية.
رغم ضيق الوقت المتاح للإبداع فى رمضان، تسنح دائماً فرصة للكتابة، خاصة فترة قبل السحور، للاختلاء بالنفس، تتدفق فيها الأفكار، والتخيلات.. ربما لاعتيادى على ذلك منذ الصغر، لكن مع النضج، وتراكم خبرات الحياة تحولت الكتابة إلى ملجأ للهروب من آلام الواقع، وتركيباته غير المريحة إلى عالم آخر أكثر ترتيباً، وألقاً.
ارتبط رمضان فى عقلى بذكريات، ما زالت ماثلة أمام ناظري، تطفو على السطح كلما زحزحت غطاء الذكريات عما يخبئه. منها مثلاً علاقتنا الوثيقة بالمسجد، وكنا نحرص أنا وأخى الذى يكبرنى بعامين على أداء صلاة العشاء بمسجد الشيخ محمد عبده فى حى محرم بك بالإسكندرية، ومن ثم نصلى فيه التراويح خلف الشيخ عبدالعاطي بعد السحور، نتأهب لصلاة الفجر ونذهب قبل الأذان بنصف ساعة لنقرأ القرآن، ونستمع إلى تواشيح رجل طيب لا أذكر اسمه، كان يحرص عليها فى رمضان، بصوته الجميل الذى يحبه الناس، وما زلت أذكر كلمته حين يقترب الأذان، ويكون بعض المتطوعين يطوفون بالمياه الباردة على الحضور، فيقول: «ارفع الميّه والأكل والمشروب، ووحد ربك المعبود، وقل لا إله إلا الله محمد رسول الله». وبعد الفجر، نقرأ ربعاً من القرآن مع الشيخ عبدالقادر، ونردد وراءه الآيات فى نفَسْ جماعى مع الحضور، ثم نتلو وراءه الأدعية الجميلة، ولا ننصرف بعد أن ينتهي، بل ننتظره لنسأله عما أشكل والتبس فى عقولنا الصغيرة. وبعد صلاة العصر، كنا نجتمع أنا وأخى وأصدقاؤنا، لنلعب الشطرنج، وكانت هواية تستحوذ علينا، ونظل نلعب حتى قبيل أذان المغرب بدقائق، لننصرف كل منا سعيد بانتصاراته.
رمضان فى الإسكندرية، كانت له روح لا أظنها بقيت قبل أن يأتي، تتزين شوارعنا بزينة رمضان، ويتواصل الأقارب عبر أبنائهم، الذين يتبرع بعضهم بإعداد هذه الزينة، يطرقون الأبواب ليستأذنوا فى تعليقها فى مناشر الغسيل بالشرفات، فيما يتخصص آخرون فى صنع فوانيس رمضان ضخمة تضاء فى أمسيات رمضان بمصابيح كهربائية كبيرة، وتتوسط الشوارع فى حينا القديم محرم بك. لا تتصورى كيف كانت البهجة تعربد فى نفوسنا ونحن نمر من تحت الأوراق الملونة والفوانيس التى تملأ الشوارع نوراً، وتداعبها نسمات الهواء السكندرى النقي. كان للجو رائحة البهجة، وكان الجيران طيبين، يكللنا الحب والمودة الصادقة وحين تثبت رؤية العيد، عقب صلاة العشاء بآخر أيام رمضان، كنا نتجمع أنا وأخى وأصدقاؤنا، أما مسجد حيّنا، ونشكل صفاً من 25 شاباً أو أكثر، ونطوف شوارع الحي، نبشر الناس بالعيد مكبّرين ومهللين، وتتعاظم مسيرتنا وتجتذب المئات، ويتابعنا الناس من الشرفات والنوافذ فرحين سعداء، وبعد ساعتين من المسيرة نتفرق، لتتجدد المسيرة بعد صلاة الفجر، ونجمع الناس لصلاة العيد، لكن هذه المرة يحتشد خلفنا الآلاف، فى مسيرة محترمة وصولاً إلى استاد الإسكندرية، حيث نحضر صلاة العيد، ونتفرق بعدها سعداء. ولا أنسى الأيام الأخيرة من كل رمضان، التى كنا نجتهد فيها فى حفظ القرآن، ونساعد الوالدة رحمها الله، فى صنع كعك العيد والبسكويت، وكنا نخبزه فى مخبز متميز يملكه جار مسيحي، تم إحراقه لاحقاً من قبل متظاهرين خلال الفتنة الطائفية فى آخر عهد السادات.
أحببت رواية «فى بيتنا رجل» لإحسان عبدالقدوس، خاصة مشاهد الأسرة حين تجتمع حول مائدة الإفطار. أيضاً رواية «خان الخليلي» لنجيب محفوظ. لكن الواقع يؤكد أن رمضان كان حاضراً فيما يُكتب له وليس ما يُكتب عنه.