الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فاروق شوشة: المثقفون سبب تعاسة مصر قبل الثورة وبعدها




 
■ فى كتابك الأخير «هؤلاء الشعراء وعوالمهم المدهشة» .. على أى أساس اخترت الشعراء الذين تناولتهم فى الكتاب؟
 
- الشعر فى جوهره تعبير عن الوجدان، وكشف لحالات النفس الإنسانية، فاخترت إن أذهب إلى عالم نزار قبانى وصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطى حجازى وبدوى الجبل، والعقاد كشاعر، وآخرون.
 
كشفت عن وجوه لهم لم نعرفها بالقدر الكافي، ففى السنوات الأخيرة أتيح لى الوقت لقراءة عدد كبير منهم، وصاحب قراءتى دراسة لأعمالهم، ثم جمعت دراساتي، وأحسست أن وجودها فى كتاب واحد سوف يحقق عدة مزايا.
 
أولها المنهج الذى اتبعته فى التحليل واستخلاص الدلالات والقيم والجمال فى اللغة الشعرية، والأمر الثانى أن هؤلاء الشعراء لديهم جميعاً سمات التفوق والتفرد والخصوصية فى إبداعهم الشعري، بما يجعلهم قدوة أمام شباب الشعراء وأمام متلقى الشعر فى كل الدول العربية، وعندما عرضت الكتاب على دار العين تحمست السيدة فاطمة البودى ونشرت الكتاب، ثم اختارته اللجنة المسئوله عن مكتبة الأسرة فى هيئة الكتاب وقامت بنشره مؤخراً.
 
■ أعدت اكتشاف العقاد فى كتابك تحت عنوان «شعر العقاد حوار الصخر والنهر» .. حدثنا عن شعر العقاد.
 
- وجدت فى العقاد عالمًا آخر ومفاجآت تستحق من كل النقاد إعادة قراءته كشاعر، فالعقاد تحديدا ظلم كشاعر، وكتاباته النقدية طغت على إبداعاته الشعرية، رغم أن كتابات العقاد كشاعر أضعاف كتاباته النثرية والنقدية، فله أحد عشر ديواناً، وقد قدمت مختارات من أشعاره، فى مناسبة احتفال المجلس الأعلى للثقافة بذكراه، ووجدت فى أشعاره رومانسية حالمة وضعفًا إنسانيًا وصورًا شعرية رقيقة.
ففى إحدى قصائد العقاد يتكلم عن المحبوبة التى تصنع له البلوفر الذى يدفئه فى الشتاء، وعن البيت الذى يشكو من سوء أحواله بعد تعاقب السكان عليه، وسكن فيه صالحون وفاسدون، وعن عسكرى المرور الذى لا يجد له ركوبة، رغم أنه يعطى إشارة لأفخر أنواع السيارات أن تتوقف أو تنطلق.
 
 ■ أين شعراء العامية من دراستك واهتماماتك؟ وهل تنوى تقديمهم أم عشقك للفصحى أبعدك عنهم؟
 
 - مهما كان عشقى للفصحى، فشعر العامية هو الوجه الآخر من وجهى العملة الشعرية العربية، أصحاب العوالم المدهشة فى شعر العامية كثيرون أمثال صلاح جاهين، وفؤاد حداد، وفؤاد قاعود، وعبد الرحمن الابنودى، وسيد حجاب، وأحمد فؤاد نجم وآخرون، هؤلاء فى شعرهم من الجمال بلاغة التعبير والصور المدهشة ما يستحق التوقف أمامه بالتأمل والإعجاب، وهم فى مجموعهم يمثلون أزهى فترات الإبداع الشعري.
 
■ احك لنا إحدى تجاربك مع شعر العامية الغنائية.
 
- الفصحى والعامية كلاهما فى وجدانى ولكن اختيارى للعامية بمفردات للغة السليمة، فهناك قصة كلما تذكرتها أشعر بسعادة وذكريات غالية، حين غادرت المطربة صباح مصر للبنان، بسبب مشاكل مع الضرائب، وفكر الإذاعى صديق العمر جلال معوض فى عمل محاولات لعودتها لمصر فطلبها بالتليفون، ودعاها إلى أن تشارك فى حفل «أضواء المدينة»، سمعت المكالمة بينهما وكان معوض يبكى بشدة، وهى تبكى أيضا لرغبتها فى العودة لمصر، وكانت الأزمة ماذا تغنى صباح بعد أن غابت عن الجمهور المصرى سنوات، ووقتها تأثرت جدا وأثناء قيادتى للسيارة خطرت علىَّ كلمات فكتبت أغنية: «والله واتجمعنا تانى ياقمر.. والله واتجمعنا واحلو السهر .. ده الحب اللى بينا حب من القدر»، وفى اليوم التالى ذهبت إلى معوض وأعطيته كلماتى وقرر أن يعطيها لصباح، واتصل بالموجى وانتهى من اللحن فى ساعات، ثم سألنى معوض: من الشاعر الذى كتب هذا الكلام الحلو؟ فقلت له: واحد صديقي، فقال: لازم أعرف اسمه علشان أكتبه فى الميزانية المالية، فقلت له: الشاعر اسمه فاروق شوشة، اندهش جدا جدا.
 
■ دعنا نتحدث عن برنامجك «لغتنا الجميلة» المستمر إلى الآن وذكرياتك معه؟
 
- أنا سعيد جدا أن «روزاليوسف» تحتفل معى اليوم بمرور 45 عاما على نجاح واستمرار «لغتنا الجميلة»، وأفضل قول «لغتنا الجميلة» لأنه مشروع للغة وقدم كبرنامج، تم هذا بعد أجواء نكسه 67 تقابلت مع «بابا شارو» وطلب منى برنامجا عن اللغة العربية، وعندما تناقشنا ماذا أقدم، قال لي: قدم اللغة العربية السليمة، لتصحيح أوضاع اللغة عند الشعب، واحترت فى اختيار الاسم، وأثناء التحاور قلت له: «لغتنا جميلة»، فوجدته يمسك بالجملة ويرددها هذا هو اسم البرنامج «لغتنا الجميلة».
 
- اللغة العربية ثروة، اللغة هى الإنسان فأقول «لغتى» اللغة حالة حضارية، اللغة ليست فقط وسيلة للتعبير، أو وسيلة إبداع، وإنما هى فى الأساس هوية الإنسان، هى مدخل لإصلاح الإنسان بالتعليم والثقافة والإحساس والتذوق واللغة هى سلامة جهاز الإنسان السمعى اللغة شياكة يقابلها جمال الكلام وصورته، اللغة مضمون وجوهر ووجدان نتعرف منه على من حولنا ومن معنا، وقال الشاعر زهير: «لسان الفتى نصفه.. ونصفه الثانى فؤاده».
 
■ لماذا لم يتم تفعيل توصيات مجمع اللغة العربية لمعالجات تدهور حاله اللغة فى جهات كثيرة من بينها الإعلام؟
 
- نحن نتابع تفعيل كل توصيات المجمع، فتوصياته ملزمة لكل الأجهزة التى تتعامل مع اللغة العربية مثل وسائل الإعلام، والجهات الثقافية، ومؤسسات المجتمع المدنى، وجهات التربية والتعليم، ونحن قدمنا استعدادنا بعقد برامج للتدريب للعاملين فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، والصحفيين، وكل الجهات المعنية باللغة العربية.
 
■ ما رأيك فى اللغة الحوارية فى الإعلام المصرى أو الإعلام الخاص حاليا؟
 
- الإعلاميون بعضهم يحتاج إلى تدريب حقيقى ومنظم ليعرف كيف يصوغ سؤالا بطريقة موضوعية واضحة، معظم المذيعين فاقدون لمعنى علم السؤال، ومذيع البرامج الحوارية لابد أن يتعلم فن الحوار، وينطق لغة عربية سليمة، فعلم السؤال وعلم الحوار غائبان، الإعلاميون يحتاجون إلى التدريب اللغوي، بنفس القدر الذى يحتاجون لتدريب على نطق اللغة، أحيانا أصغى إلى مذيعين يتكلمون ولا أفهم ماذا يقولون، لا المخارج ولا الزمن ولا طريقة إيقاع العبارة.
 
 
■ هل تعجبك اللغة العامية التى تكتب بها عناوين الصحف المصرية؟
 
- بالتأكيد لا تعجبنى، فالصحافة تستخدم لغة عامية اعتقاداً منها أنها ستصل بهذه اللغة إلى البسطاء والأميين ومَنْ هم فى قاع المجتمع المصرى، وأعتبر استخدام العامية الساذجة مبررًا للعاجز وفاقد اللغة، وغير المدرك لقيمة اللغة العربية، وهما سبب من أسباب تدهور اللغة.
أما على الجانب التاريخى، فاللجوء للغة العامية بدأ مع الحكم العسكرى بعد ثورة 52 فجاء خطاب الدولة الرسمى من الحكام باللغة العامية وخطاب الوزراء، فما فائدة اللغة الفصحى حين تذهب القدوة.
 
■ ما رأيك فى أشعار الشباب الجدد؟ وهل بينهم من سيكون له قدر فى المستقبل؟
 
- قرأت بعضهم، وهم شباب متميز وواع ومثقف ومدرك للغه الشعر الحقيقى سواء باللغة العامية أو الفصحى، ولديه قدرة على الصياغة الشعرية، وكنا قد قدمنا نماذج من الشباب فى لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، وتم ترشيهم للجوائز، وأجد فى بعضهم أملاً كبيرًا فى مستقبل الشعر.
 
■ ما تقييمك كشاعر وناقد للقصائد والدواوين التى كتبت عن ثورة يناير؟
 
- الكتابة عن الثورة ليس وقتها الآن، أشياء كثيرة لم تتضح، كل يوم أحداث جديدة، وما تم إنتاجه لم تتعد كونها اجتهادات وانفعالات لها تقدير، لكن الكتابة عن الثورة بشكل جاد يحتاج الى تأمل وتركيز ورؤية ومعالجة أخرى، وأعجبنى ما كتبه الشعراء عبدالمعطى حجازى، وحسن طلب، ومحمود سليمان وآخرون.
 
 ■ قدمت استقالتك من لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة .. فما رأيك فى اللجان الجديدة بالمجلس؟
 
- اللجان كارثة، أعترض على جميع اللجان وأرفضها، فقد تم تشكيلها بطريقة مخجلة ومؤسفة، تمت باختيارات وترشيحات وهيئات وجماعات أدبية، وهم من المترددين على المكان، وبتوصيات وإلحاح وترديد أسمائهم بين الحين والحين، مؤسف أن تكون هذه طريقة اختيار المبدعين، فمعيار الاختيار لابد أن يكون على مشروع إبداع قدمته، فكيف يقيم مبدع آخر وهو فاقد القيم.
 
■ ما رأيك فى مواقف المثقفين فى هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر؟
- فى جملة واحدة .. المثقفون هم سبب تعاسة مصر قبل الثورة وبعد الثورة وليسوا نخبة.