السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

روزاليوسف اليومية جريدة قالت لا

روزاليوسف اليومية جريدة قالت لا
روزاليوسف اليومية جريدة قالت لا




كتبت - سوزى شكرى

ضمن سلسلة كتب عن تراث مؤسسة «روزاليوسف» صدر مؤخراً كتاب ««روزاليوسف» اليومية.. جريدة قالت لا» من توثيق الكاتب الصحفى رشاد كامل رئيس تحرير مجلة صباح الخير الأسبق الذى تفرغ تماما لاستكمال مشروع توثيق وإحياء تراث «روزاليوسف» الذى لم يعد متاحا للأجيال الجديدة والدراسين والباحثين بدعم مشكور من المهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس مجلس الإدارة، وكان «كامل» قد نشر سابقا المجلدات الأربعة من مجلة «الصرخة» التى أصدرتها السيدة فاطمة اليوسف.

«كامل» مثقف مهموم بالكتابة عن تاريخ الصحافة المصرية وتوثيقها خصوصاً تاريخ مؤسسة «روزاليوسف»، وهو أحد أبنائها وكتابها المميزين والصادقين فى انتمائهم للمبادئ والأفكار وليس للأشخاص، مؤمن بقيمة مسيرة وسيرة «روزاليوسف» الصحفية الوطنية.
يقع الكتاب فى عشرين فصلاً وعدد صفحاته (332 صفحة) وبداخله رسوم كاريكاتيرية نقدية لأعداد نادرة من جريدة «روزاليوسف» بالإضافة لملحق وثائقى بعنوان «العقاد و مكرم عبيد.. وقائع معركة سياسية».
يقول «كامل» إن حماسه للكتابة قد زاد حين وجد أن الجريدة كانت مرجع ارئيسيا وأساسيا لمئات الدراسات والأبحاث والرسائل العلمية التى كتبت عن تاريخ الحركة الوطنية، وأنه اكتشف أن الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات كانا من قارئى «روزاليوسف» اليومية خصوصا لمقالات العقاد التى يكتبها فى افتتاحية الجريدة.
وعن تصنيف الكتاب يشير «كامل» إلى أن الكتاب ليس دراسة تاريخية شاملة ولكن فيه شيء من ذلك، وليس دراسة صحفية خالصة عن «روزاليوسف» ولكن فيه شيء من ذلك، وأنها ليست دراسة عن عام صعب وعصيب من عمر مصر الوطنى والسياسى ولكنها تعرضت لذلك وليست دراسة وتأريخا لنجوم الصحافة والسياسة فى تلك الفترة لكن فيها شيء من ذلك كله.
اهتم «كامل» بالتوثيق ورصد كواليس وخبايا ومعارك خاضتها سيدة الصحافة الأولى فاطمة اليوسف، وأن الجريدة وقفت وحدها ومعها القراء والرأى العام لتقول «لا»، وأن الجميع حاولوا إخماد صوتها وفشلوا، وأنه رغم تعرض الجريدة لهجوم من حكومة «نسيم باشا» فلم يغلقها، ولكنها حين أيدت وساندت حزب الوفد فإنه كان صاحب قرار وبيان إغلاقها بمجرد نجاحه فى الانتخابات عام 1936.
وأشار «كامل» فى مقدمة الكتاب إلى أنه منذ 80 عاماً وتحديدا فى 25 فبراير عام 1935 صدر العدد الأول من جريدة روز اليوسف اليومية، وأنه حتى نفهم وندرك الحقائق لابد للعودة إلى الوراء واسترجاع المناخ العام ووقائع وحكايات سياسية جرت قبل صدور الجريدة بسنوات، وتحديداً عن علاقة السيدة فاطمة اليوسف بالوفد وزعيمه سعد زغلول ثم مصطفى النحاس خليفته ورصد هذه العلاقة من تأييد وخصومة ومساندة إلى خصام وهجوم، وفهم أيضا علاقة العقاد بسعد زغلول.
يروى «كامل» فى عشرين فصلاً أحداث ومواقف وأزمات ومصادرات وغرامات مالية باهظة ومعارك قادتها فاطمة اليوسف تلك الشخصية المحيرة المتمردة والتى تعجب الجميع من قناعتها وقوتها رغم أن مجلتها تعرضت إلى هزة عنيفة حين ترك المجلة الأستاذ الكبير محمد التابعى رئيس التحرير ومعه مصطفى وعلى أمين ود.سعيد عبده الزجال الشهير والرسام الكاريكاتيرى صاروخان، وحينها قال لها البعض إن المجلة ستموت! لكنها استمرت وقررت أن تصدر جريدة يومية كبرى لتبرهن أن «روزاليوسف» راسخة لا تضعف ولا تموت، وذكر الكاتب صبرى أبو المجد فى كتابه الوثائقى أن محمد التابعى كان ينوى أن يكون صاحب الجريدة وحاول هذا فى عام 1928، وأن السيدة فاطمة اليوسف واجهت اعتراضات فى إصدار مجلة باسمها وحاولت إقناعهم بأنها سيدة معروفة، رأس تحرير الجريدة د.محمود عزمى أهم وأكبر كتاب صحيفة «الجهاد» الوفدية  بعد أن اعتذر الأستاذ فكرى أباظة بحكم انتمائه للحزب الوطنى فكيف يكون رئيسا لتحرير جريدة يومية تنطق باسم حزب الوفد.
الكاتب الكبير عباس محمود العقاد كاتب الوفد الأول كان يكتب مقالا افتتاحيا كل يوم، ويعد صفحة أدبية كل أسبوع واشترط أن يكون مرتبه ثمانين جنيها فى الشهر وأن يتقاضى مرتب أربعة شهور مقدماً تخصم من مرتبه بالتقسيط، واشترط بنص العقد أن تكون سياسة الجريدة وفدية، وقد ساندت «روزاليوسف» العقاد فى سجنه حين وجهت له تهمة «العيب فى الذات الإلهية».
كان انضمام كل من «عزمي» و«العقاد» بداية أزمة عنيفة بين حزب الوفد وروز اليوسف فالنحاس باشا ومكرم عبيد كانوا يشككون فى هدف «روزاليوسف» من الجريدة وأن سحبها لأهم المحررين فى جريدة الجهاد الوفدى أضعف الجريدة الوفدية، ورفضت بعض الصحف نشر إعلانات عن موعد صدور الجريدة، ورفضت روز اليوسف طلب مكرم عبيد بتغيير اسم الجريدة، وتروى فاطمة اليوسف عن سعادتها بليلة إصدار العدد الأول وتصفها بأنها «ليلة تاريخية».
فى كتابه يسرد الكاتب الصحفى رشاد كامل أحداث المناخ السياسى فى مصر فى فترة إصدار الجريدة وأيضا المناخ الصحفي،  فحين صدرت «روز اليوسف» نافست صحيفة الأهرام والجهاد الوفدية واكتسحت بقية الجرائد، وكان الهجوم عليها بالتكذيب والتشكيك فى مصداقيتها وأنها أصبحت الجريدة الوحيدة المعارضة للوزارة القائمة واشتركت صحف كثيرة فى حملة تشهير ضد «روزاليوسف»، بالإضافة للمنافسة فى المبيعات، أيضا المنافسة فى الشكل والمضمون فى الفن الصحفى والتبويب والصفحات المتخصصة للشباب وفنون السينما والأدب والقصة والشعر واستحدثت وجود الرسوم الكاريكاتيرية والصور وصفحات بأقلام القراء خصوصا الشباب وكان من بينهم كامل الشناوي، وحسين مؤنس، وسيد قطب - الكاتب الشاب حينها- حيث نشر قصيدة بعنوان «الخطيئة» فى العدد 59 بتاريخ 25 إبريل 1935، كما نشر نجيب محفوظ مقاله (أساطين الأولين)  بالعدد رقم 79 بتاريخ 16 مايو 1935، وبدأت الجريدة تتحول من انتمائها للوفد وتميل إلى المثقفين المستقلين ومعارضة «وزارة نسيم باشا» وأصبحت جريدة معارضة وهذه أحد أسباب الهجوم عليها من الوفديين.
الخلافات بين «روزاليوسف» و«الوفد» تتجدد كما ذكرتها فاطمة فى مذكراتها بسبب نشرها مطالبة للملك فؤاد بإعادة الدستور، وأيضا حين نشرت خبرا أن إبراهيم رشيد سكرتير إسماعيل صدقى رئيس الوزراء انتخب «ملك الجمال»، مع أن لجنة هى من اختارته للقب وليست الجريدة، ولكنها لم تسلم من التهديد والوعيد وتحذيرها إذا خرجت عن مبادئ ونهج الوفد فلتتحمل النتائج، قيادة الوفد  كانت غير راضية عن صحافتها ولأن الحكومة كانت ساخطة فأخذت تعد التشريعات لتخمد أصوات الرأى وتفرض قيودا وتجعل كل من ينتقد الحكومة جريمة تستوجب السجن وإغلاق الجريدة وتشريد محرريها، ونفذ ذلك بالفعل على الكاتب محمد التابعى حين كتب مقالا ضد وزير العدل وحكم علية بالسجن أربعة شهور.
مقالات العقاد كان لها ردود فعل أهمها قناعة الزعيم سعد زغلول فى مصداقية العقاد حتى لو عارضه حين قال: «دعوا العقاد يختلف معى أو حتى يسبنى»، وبقدر قرب سعد باشا من العقاد بقدر فشل النحاس باشا فى احتواء العقاد، فكم من المواقف تذكر للعقاد من بينها أن العقاد الوفدى هو من دافع عن الكاتب طه حسين خصمه السياسى حين اتهم بسبب كتابه «الشعر الجاهلى 1926» فالعقاد كان يدافع عن حرية الرأى وكرامة الكاتب، وتسببت مقالاته فى ابتعاد حزب الوفد عن روز اليوسف وأصبح العقاد خصماً للوفد.
أما الكاتب الكبير مصطفى أمين فكان يصف فاطمة اليوسف قائلا: «إنها  امرأة لها شجاعة بألف رجل»، وخاضت «روزاليوسف» ومعها محمود عزمى رئيس تحرير الجريدة معارك تتصل بحرية الرأى وحرية الصحافة مما جعل الحكومة تنظم العلاقة بين الصحافة والحكومة وأن تضع الصحافة تحت المراقبة وتفرض القيود وتوقع العقوبات على الصحف والصحفيين تحت بند جرائم نشر وتقوم بإرسال إنذرات للصحف وهذا ما يتناقض مع حرية الصحافة.
واستكمالاً لأزماتها حدث خلاف بين العقاد و«روزاليوسف» السيدة والجريدة وبين حزب الوفد كان الخلاف حزبيا وسياسياً وفكريا أيضا وحاولت أم المصريين السيدة صفية زغلول الإصلاح بينهما ولكن العناد استمر من كل الأطراف فأصدر الوفد بيانا بفصل روز اليوسف من حزب الوفد بتاريخ 28 سبتمبر 1935  قيل فيه «أن جريدة روز اليوسف قد اجترأت على نشر مقالات تتضمن الطعن على الوفد ومكانته من الأمة فإن هذه الجريدة لا تمثل الوفد فى شيء» وهاجمتها الحكومة واستأجرت بلطجية للاعتداء على «روزاليوسف».
العقاد حمل نفسه مسئولية فصلها من الحزب وأن السبب الحقيقى قد تكون مقالاته الخاصة بدستور 23، انتهى الأمر أن كليهما العقاد و«روزاليوسف» فصل من الوفد، ووعد العقاد فاطمة اليوسف أنه سوف يستمر معها وليكن ما يكون، و زاد تبادل الاتهامات بين كل الأطراف وردت «روزاليوسف» على البيان وكتبت مقالا بعنوان «الوفد المصرى يحل القضية المصرية»، وبعد فصل فاطمة اليوسف من الوفد قامت مظاهرة تأييد لبيان النحاس باشا بفصلها وهتفوا ضدها، فتعجبت فاطمة اليوسف كيف للرأى العام الذى كان يساندها ويدعمها فى مهاجمة الإنجليز والمطالبة بالدستور أن يهتفوا ضدها بهذا الشكل فخرجت بمفردها تواجه المظاهرات وتتحدث مع أشد المتظاهرين عنفاً عن دورها وتاريخ العقاد فاستطاعت بذكائها وقوتها أن يتحول هتاف المتظاهرين إلى تأييد لها وللعقاد.
«كين بوند» مدير الأمن الأوروبى بوزارة الداخلية نصح توفيق نسيم باشا بأن يصدر قانون الصحافة وتم إعداده ورفعه للملك فؤاد لتوقيعه قبل أن يمر على مجلس الوزراء بتاريخ 24 نوفمبر 1935 وهدفه الحد من الانتقادات للسياسة البريطانية، ونشر القانون بأنه يجوز لوزير الداخلية إيقاف نشر الأخبار بدون إنذار سابق وضبط المطبوعات المعدة للنشر إذا ثبت التجاوز ومصادرة الصحف بحسب مخالفتها، حينها اكتشفت فاطمة اليوسف أنه خدعت فى أصدقائها وخاب ظنها فقد فوجئت بأن محمود عزمى رئيس التحرير تقدم باستقالته وذكر فيها حجة أن العقاد يحذف له من مقالاته، وخرج «عزمى» ورفع دعوى على «روزاليوسف» يطالبها ببقية العقد، واتهم الوفد الجريدة بالتفريق بين المسلمين والأقباط، وبدأت الحرب على «روزاليوسف» الجريدة والسيدة، وحدث تراجع فى توزيع الجريدة حيث دبرت مؤامرة قادها نسيم باشا فى دفع رشاوى لبائعى الصحف ليتلاعبوا فى التوزيع، كما أرسل الوفد مظاهرات ضد الجريدة يلقون الطوب والحجارة على الجريدة ويهتفون ضدها ويعتدى أعضاء الوفد بالضرب على من يشتريها، فأوقعوها فى أزمة مالية وصلت إلى 26 ألف جنيه وستة آلاف جنيه لتجار الورق وألفين لبنك مصر، لكن فاطمة اليوسف أكملت المشوار واقترضت من الأصدقاء وباعت مصوغاتها، ورغم المعارك الوفدية  قالت «روزاليوسف» للجميع: «لا»
بعد أن استمرت الجريدة لمدة عام وبضعة شهور من المعارك والحصار والقيود وحروب الأصدقاء والأعداء جاءت نهاية الجريدة مؤلمة، حين تولى النحاس باشا منصب رئيس الوزراء كما كانت تتوقع «روزاليوسف» فوجه مزيدا من الاضطهاد، وبالفعل جاء أول قرار لرئيس الوزارة بإلغاء رخصة روز اليوسف اليومية بحجة أنها لم تعد تصدر بانتظام وكان هذا القرار بمثابة ساكتة قلبية لـ«روز اليوسف».
حدث هجوم على روز اليوسف بتفتيش المجلة وسحب الأعداد رغم أنه لا توجد حجة للمصادرة، واعترضت فاطمة اليوسف على أسلوب التفتيش أنه مستفز واعتبر وكيل النيابة أنها تتعدى عليه أثناء تأدية وظيفته وقبض عليها وتم التحقيق معها بتهمة التعدى على الشرطة وقال لها قاضى التحقيقات: أنا آسف ياست فاطمة هاحاسبك! وبعد فترة الحبس عادت «روز اليوسف» وكتبت «أين الدستور الذى يحمى حرية الصحافة وحرية الرأي»، وتمر الأحداث وظلت روز اليوسف باقية متملثة فى مجلتى «روزاليوسف» وصباح الخير، وبعد عقود طويلة وتحديدا فى عام 2005 أعاد الكاتب الصحفى عبد الله كمال إصدار الجريدة اليومية مرة أخرى.