الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أفلام الكارتون المصرى على حافة الهاوية (1-2)

أفلام الكارتون المصرى على حافة الهاوية (1-2)
أفلام الكارتون المصرى على حافة الهاوية (1-2)




تحقيق – مروة مظلوم

 

تخيل صورتك رسمت بشكل كاريكاتيرى فى عدة لوحات على الورق تصورك وأنت تقرأ، تأكل، تمشى، تتحرك فى صورة متتابعة، انسجمت معها بعض الأصوات فصارت حياتك جزءاً من فيلم «كارتون».. لم تجرؤ التقنيات الحديثة على إبطال سحر عالم الرسوم المتحركة وإنما زادته سحراً وجمالاً.. وكان الفراعنة أول من أبدعه على جدران المعابد.. وأول من خرج عن مضمار المنافسة.. تقول كاميليا عتريس عضو الجمعية المصرية للرسوم المتحركة أن مصر هى أولى البلاد  التى طرقت هذا المجال بفيلم «بلبل أفندى» عام 1935، وبدلا من أن تزود المنطقة بمنتجها صارت تستورد أفلامًا تجارية مليئة بالألفاظ والمفاهيم المغلوطة التى ترسخ للعنف والكراهية والعداء.. المشهد المصرى يحمل الكثير من التفاصيل لمعارك التواجد والاستمرار فى مجال الرسوم المتحركة التى لم تجد أى دعم إلا من محبيها المغامرين.
- «مُهيب» الأب الروحى للرسوم المتحركة فى مصر
على رأس قائمة المغامرين فى مجال الرسوم المتحركة  «الأخوين مهيب»، على مهيب وحسام الدين مهيب، كانا أول من تربعا على عرش الرسوم المتحركة المصرية منذ بداية ستينيات وحتى منتصف ثمانينيات القرن الماضى، فلم يكن شعار مهيب يغيب عن الشاشة الفضية فى السينما أو التليفزيون خلال تلك السنوات، وردد كثير من الأجيال المتعاقبة أغانى أعمالهما فقد قدما لفن الرسوم المتحركة المصرى خلال نصف قرن من الزمن مئات من الأعمال وصلت إلى أكثر من 1800 عمل ما بين فيلم أو فيديو قصير، فوازير، مقدمات أفلام وأفلام دعائية سواء لمصر أو للدول العربية.
باختصار على مهيب هو الأب الروحى للرسوم المتحركة فى مصر بل فى المنطقة العربية بلا منافس، وهو أيضا مؤسس الجمعية المصرية للرسوم المتحركة التى جمعت كل محبى هذا الفن الجميل وصاحب أهم فيلم للأطفال عن حرب أكتوبر المجيدة وهو فيلم «وليد المصري»، وأفرزت مدرسة مهيب للرسوم المتحركة منذ بدايتها بالتلفزيون أجيالا من فنانى الرسوم المتحركة المصريين من خريجى كلية الفنون الجميلة الذين اختارهم بعناية ودربهم الفنان على مهيب، وكان فنانو الدفعة الأولى هم محمد حسيب، نصحى إسكندر، رضا جبران، دلاور حسني، حسن عنبر، فهمى عبد الحميد، والفنانتان فايزة حسين وشويكار خليفة.
قدم الأخوان مهيب فيلم «الخط الأبيض» من إنتاج التليفزيون عام 1963م، جمع هذا الفيلم بين الحركة الحية والحركة المرسومة مستخدما تقنيات لم تصنع لتؤدى مثل هذه النتائج وحصل الفيلم على الجائزة الذهبية الدولية من مهرجان الإسكندرية، ومن البرامج التليفزيونية المنفذة حين ذاك (نافذة حول العالم - خمس خسمات - أمس واليوم - حكاية سبعمائة مصنع- ناس فوق وناس تحت - العسكرى والحرامى - فوازير رمضان للقناة الأولى والثانية).
فى عام 1966 م استقال الأخوان مهيب من رئاسة مراقبة الرسوم المتحركة بالتليفزيون لتأسيس الاستوديو الخاص بهما (استوديو مهيب)، ثم استقطبت جريدة الأهرام جهود الأخوين مهيب فى مجال الإعلان وتوليا منصب المستشاريين الفنيين لوكالة الأهرام للإعلان.
- تلاميذ «مهيب» يحملون رايته
تروى لنا كاميليا عتريس المزيد من التفاصيل عن تلاميذ مهيب فتقول: رأس الراحل فهمى عبد الحميد  الوحدة الخدمية للبرامج فى التليفزيون المصرى وهى تقوم بعمل مقدمات البرامج والمسلسلات والفوازير ووجد أننا أولى بإنتاج خاص بنا من الرسوم المتحركة لمقاومة الإنتاج الغربي، واشترك معه عدد كبير من الفنانين وقتها فى هذا العمل الإنتاجى ونجح التليفزيون المصرى فى التواجد على الساحة ولك أن تتخيلى عدد الجنود المجهولين وراء الكاميرا من مصممى الشخصيات والمحركين وكتاب سيناريو و الأشعار الغنائية  والموسيقى ومؤدى الأصوات.. خلية نحل  متكاملة الأداء.
- موجة «السبكي» نالت من براءة الكارتون
وتضيف «عتريس»: العمل فى الرسوم المتحركة يتطلب الاستمرارية فعلى سبيل المثال الفنانة التى صممت شخصية بكار مع د.منى أبو النصر تزوجت وانقطعت عن العمل، وداخل الأستوديو هناك 5 أو 6 أفراد فقط قائمين على الفيلم لكن بالطبع يهمهم الربح التجاري، حتى الألفاظ المستخدمة فى لغة الحوار لا تناسب الأطفال.. يمكننا باختصار القول أن موجة سينما السبكى طالت سينما الأطفال ببراءتها.
وعن جهات الإنتاج للدولة تقول «عتريس»: من خلال صندوق التنمية الثقافية الذى يتبع وزارة الآثار وهناك أكثر من وحدة للرسوم المتحركة فى قصور الثقافة ومعهد السينما، لكن هناك دائماً أزمة فى تسويق استوديوهات الرسوم المتحركة لإنتاجها فى البلاد العربية لأنهم يبحثون عن المنتج الأقل سعراً مهما كان مضمونه، فضلا عن تغير ظروف البلد الاقتصادية واتجاهات الإنتاج بعد ثورة 25 يناير، صار مجرد إحياء مسلسل كارتون محبوب مثل «بكار» أزمة ،إذ لجأ القائمون عليه إلى تقنية ثلاثية الأبعاد 3D لأنها أسهل من الرسوم ثنائية البعد 2D ولم يضع أحد فى اعتباره إذا كان الأطفال سيتقبلون التغيير أم لا..فكرة الإنتاج تعتمد على الأسهل والأكثر ربحاً.
- جو طارد للأفكار الجديدة
كان للفنان محسن محى الدين تجربة فى مجال إنتاج الرسوم المتحركة يحدثنا عنها فيقول: اتجهت لمجال الرسوم المتحركة عندما لاحظت إنجذاب ابنى لأفلام الكارتون العنيفة ومتابعته لها بشغف، وقتها أدركت أن أطفالنا يبهرهم خيال الغرب الجامح وقدرته على دس السم فى العسل وترسيخ ثقافته وقتل عزيمة الصغار، فيخلق جيل جديدا انتماءه للغرب فهو الأقوى ومن ثم فهو جيل بحاجة لمن يربطهم بتاريخهم العربي، من يروى لهم قصص لانهاية لها «عنتر» «خالد بن الوليد» «صلاح الدين الأيوبى»  «قطز»، أبطال حقيقيون وليسوا وهميين كأبطال الأفلام الغربية، وكانت نواة لفكرة «يوميات عبدالله» وهى عن السنة النبوية وكيف تشهد علينا الأشياء، ثم تلاها «ماجد وجدو عابد» وتحكى عن علاقة الطفل بجده وإذا ماتبادلا المواقع وصار الجد طفلا كيف تتحول العلاقة، ثم «وليد وقلمه العجيب» وهو فانتازيا عن عالم الحيوانات، و«المدينة الحالمة» وغيرها.
يتابع محى الدين فيقول إن بداية الاهتمام بالإنتاج بالطفل العربى كانت عن طريق شبكة art وظهور قناة art teenz للأطفال بعدها خلت شبكة قنوات النيل المتخصصة بقناة النيل للأسرة والطفل وتنبهوا وقتها للأعمال التى حصلت على جوائز مثل «ماجد وجدوعابد» و«يوميات عبد الله» فطلبوا منى اقتراح بأفكار جديدة ولكن فى إطار «جيل الهامبرجر» كما وصفهم المسئول آنذاك وأنهم بحاجة إلى «توتو وفوفو» تناسب اهتمام الجيل بغض النظر عن المحتوى فرفضت تقديم هذا النوع، على الرغم من كون أعمالى كانت فى قنوات أوروبية وخليجية إلا أنها لم تعرض على التليفزيون المصرى.
الرسوم المتحركة صناعة  بالغة التعقيد  والتكلفة ، فإنتاج فيلم رسوم متحركة يحتاج إلى وقت لا يقل عن عامين وتكلفة لا تقل عن‏3‏ ملايين دولار وآلاف من الرسامين ومتخصصى التحريك والجرافيك، فعمل ثانية واحدة من الفيلم قد تحتاج إلى أكثر من‏15‏ رساماً بالإضافة إلى أجهزة كمبيوتر وبرامج مخصصة للرسوم المتحركة مثل: Animo ،Adobe Photoshop،Adobe premier ,‏‏3dmax ،maya، وهذه البرامج تباع بأسعار باهظة وإنتاج فيلم أو مسلسل واحد قد يحتاج كل هذه البرامج وعلى الرغم من أسعارها إلا أن العائق الحقيقى لهذه الصناعة هو وجود أعداد قليلة من الفنانين الذين يستطيعون العمل بهذه البرامج‏.‏
- إذا وجد الإنتاج لمعت الفكرة
ليلى مكين مصممة ومخرجة رسوم متحركة تقول أن العمود الفقرى لأى عمل هو «الفكرة»، وتتحدد حسب الهدف أو الجهة المنتجة والقضية التى تعالجها، مثلا الكثافة السكانية كفكرة ثم يطلب من المؤلف أو السيناريست التعامل معها فيبدأ فى كتابة النص، انتقائى للنص يعتمد على جودته بغض النظر عن اسم المؤلف أو السينارست إذ أن معايير الكتابة للرسوم المتحركة تختلف عن غيرها من الأعمال الدرامية أو كتابة قصص الأطفال فأفلام التحريك تعتمد على الترجمة البصرية للنص ويأتى دور الرسامين لرسم الشخصيات على الورق وفقاً للفئة العمرية والبيئة المحيطة به والتى يتاح على أساسها شكل ملابسه ولون بشرته ولهجته فى انتقاء الأصوات ويأتى دور التحريك بمفاتيحه والخلفيات.. داخل فيلم الرسوم المتحركة خلية نحل.
تضيف مكين: إنتاج الدولة للرسوم المتحركة من خلال جهتين هما وزارة الثقافة متمثلة فى المركز القومى للسينما وأفلامه موجهة للمهرجانات وليس للعرض التليفزيوني، ومن خلال القنوات المتخصصة، وكلا الجهتين يعمل منفرداً دون خطة واضحة  من الدولة، وقد شاركت بعدة أفلام فى مهرجانات من إنتاج المركز القومى للسينما مثل «ماما»، و«مملكة النحل» و«فصول السنة».
- الذكاء التسويقى للمنتج
يؤكد المخرج والمنتج د.مصطفى الفرماوى على محاولات المصريين على التواجد على الساحة ولو بإمكانيات محدودة ولكن لها أثر فيقول أنه يعمل فى هذا المجال منذ عام 1991 مع د.منى أبو النصر بدأها بمسلسل «كانى وماني» و«السندباد البحري» لمدة 3 سنوات و»بكار» لمدة 7 سنوات كما أنتج أعمال لحساب شبكة القنوات المتخصصة مثل «المدائن العلمية» و«بدر وخيال المآتة» و«كوكب العجائب» و«أولى حضانة» «و«يوميات الأستاذ سحلاوي»  أما الآن فهو ينتج «من عجائب قصص القرآن» وهى خمسة مواسم.
ويضيف الفرماوى أن الإنتاج المصرى بحاجة إلى ذكاء فى تسويقه كما يفعل الغرب بتحويل الشخصيات المحببة إلى دمى وعرائس وملصقات ترويجية على حقائب الأطفال وأدواتهم المدرسية، ومن ثم يضمن للمسلسل ألا يكون مجرد حالة تنتهى بانتهاء الموسم وإنما يعرض على القنوات أكثر من مرة وفى أوقات عرض متميزة تلاءم الأطفال.
- توثيق الحكاية الشعبية
د. إسماعيل الناظر مخرج رسوم متحركة ومدرس مساعد بكلية الفنون الجميلة قسم الرسوم المتحركة بجامعة المنيا يرى أن الإنتاج بعد الثورة لم يعد كسابق عهده، فقد ظهرت أولويات أخرى للإنتاج على خريطة التليفزيون المصرى فى الدراما ليس من ضمنها الرسوم المتحركة على الرغم من تعطش الساحة للتواجد المصري، فى مقابل دراما تحمل رسائل سلبية وألفاظ بذيئة كافية لإفساد جيل بأكمله «الكبير والصغير»، بينما إنتاج التليفزيون من الرسوم المتحركة موسمى قاصر على رمضان فقط، «بكار» و«قصص الأنبياء» هى مسلسلات موسمية ارتبطت بالشهر الكريم، وهنك 8 قنوات تعرض مادة فيلمية قديمة تغفل الأحداث والقضايا التى يعيشها الطفل، ومن الطبيعى أن يتوجه العاملون فى هذا المجال من المصريين إلى الدول المنتجة مثل دول الخليج، والتى تتعرض فى نوعية أعمالها المقدمة لمشاكلها وثقافتها ولهجتها وهى لا تلاءمنا.
يؤكد «الناظر» أنه عمل مع فريقه على مشروع لتوثيق الحكاية الشعبية فلاقى اهتمامًا من الدول العربية بينما لم يكترث لأمره أحد فى مصر مع أننا  أصل الحكاية، وبدأ فى مشروعه بتوثيق الحكاية المصرية فى المنيا واسطبل عنتر، أفلام يشارك فيها أطفال بحكايتهم وأغانيهم الشعبية وهو أمر احتاج منه النزول إلى مواقع عديدة فى محافظات مصر لتعليم الأطفال كيفية صناعة الفيلم «فيلم وحدوتة»، الحدوتة التى تحمل قيمة فى تاريخنا ونتج عن مشروعه فيلم «عفريت العلبة»، «حكم قراقوش»،»شطارة أمجد»، فأعظم مافى العمل أن يشارك فى صناعته الطفل بنفسه.