الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عبدالعزيز سعود البابطين: لا تزال الثقافة تحكم عقلية الشعوب

عبدالعزيز سعود البابطين: لا تزال الثقافة تحكم عقلية الشعوب
عبدالعزيز سعود البابطين: لا تزال الثقافة تحكم عقلية الشعوب




حوار- خالد بيومى


عبد العزيز سعود البابطين شاعر ومثقف كويتى صاحب دور مؤثر فى الحياة الثقافية العربية وهو يعتبر الدخول إلى معترك الحياة الثقافية مسئولية وليس مغامرة، حيث دشن مؤسسة البابطين الثقافية التى أنجزت مشروعات ثقافية عملاقة منها: إعادة الروح للشعر العربى الذى هو ديوان العرب والذى تراجع أمام الرواية من خلال مؤسسة خاصة بالشعر تم تأسيسها فى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، كما امتد اهتمامه للقضايا الإنسانية الراهنة مثل حوار الحضارات والتعايش السلمى بين الشعوب والترجمة والعمل على نشر اللغة العربية فى جميع أنحاء العالم والاهتمام بالتراث الأندلسى وغيرها من المهام الصعبة.. عن رؤاه وأفكاره الثقافية كان حوارنا معه فإلى نصه.
■ اكتسبت مؤسستكم سمعة عالمية مرموقة فى نشر الوعى الثقافى.. ما «روشتة» نجاحكم فى تقديم رسالتكم الثقافية؟
- شكرا لحسن ظنكم بمؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، وربما أن أى نجاح فى العالم يأتى أولاً بتوفيق من الله عز وجل، ثم بعد ذلك يأتى دأب الإنسان وإصراره على تحقيق طموحاته وأهدافه، وبقدر ما تكون هذه الأهداف سامية، بقدر ما كان النجاح ناصعاً وثابتاً. نحن فى مؤسسة البابطين تلمسنا الجوانب الثقافية التى يحتاجها المجتمع العربى أو لنقل المثقف العربي، فوجدنا بداية أن الشعر يحتاج إلى مؤازرة بعد أن عصفت به رياح المتغيرات فى الستينيات من القرن الماضى حيث دخل الشعر معترك الصراعات، وظهرت أنواع جديدة من الأدب التى تنافس الشعر الذى هو ديوان العرب وأحد أبرز مناهلها اللغوية، فقمت بإنشاء مؤسسة تعنى بالشعر فى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، بعد ذلك وجدت المؤسسة أن هناك فراغات أخرى فى نسيج الثقافة العربية تحتاج إلى مد الجسور، ومنها حوار الحضارات وقضية التعايش السلمى بين الشعوب ومنها إشكالية الترجمة وأيضاً انتشار اللغة العربية فى العالم وتأصيلها فى الوطن العربى بسبب ما اعتراها من تخريب، وغير ذلك من القضايا التى انفتحت عليها المؤسسة فلفتت أنظار العالم إليها بعد خروجها من محليتها، وكان كل ذلك يتم بصدق وإخلاص وإصرار، فتحقق ما وصفته أنت مشكوراً بالنجاح.
■ هل ترى فى دخول المجال الثقافى مغامرة مأمونة العواقب فى ظل انحسار القراءة وانتشار الأمية فى الوطن العربى؟
- لا أسمى الدخول فى المعترك الثقافى مغامرة، فهذا المصطلح قد يستخدم فى التجارة، لذلك فدخول المجال الثقافى هو بالدرجة الأولى مسئولية تقع على عاتق المنشغلين بهموم أمتهم، وعندما انحسرت القراءة بين العرب أصبحت مسئوليتنا أكبر، وكان الأمر أشبه بالتحدى دون النظر إلى العواقب أو النتائج، بل إننا فى مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية خضنا هذا الجانب ونحن على يقين بأننا سنحقق خطوات جيدة فى إعادة الكتاب إلى أيدى القراء، وكانت خطوات مدروسة بعناية نخطوها ومعنا عدد كبير من الأكاديميين والمفكرين والمثقفين والإعلاميين من أصحاب الخبرات فاستطعنا بفضل الله أن نحقق ما نصبوا إليه.
■ هل اهتمامكم بالشعر هو انحياز للجنس الأدبى الذى تكتبه؟
- بداية لا أنفى أننى دخلت إلى مجال الثقافة من بوابة هوايتى التى أحببتها منذ الصغر، ألا وهى الشعر، ومن حق أى إنسان أن يعزز موهبته بالطريقة التى يراها مناسبة، لكن مع ذلك فأنا لم اتوقف عند هذا الحد، بدليل أنه بعد توطيد هذه الهواية ضمن مؤسستنا التى تقدم الجوائز للشعر، انتقلنا إلى مرحلة متقدمة فتحول اسم المؤسسة من مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى بعد مضى خمسة وعشرين عاماً إلى مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية، لكون هذا الاسم يتناسب وشمولية أو تعددية الأنشطة الجديدة التى أدخلناها على المؤسسة، مثل حوار الحضارات والترجمة والدورات التدريبية المجانية فى مهارات اللغة العربية والشعر، وغيرها.
■ اهتمامك بالشعر والحضارة الإسلامية فى الأندلس.. هل يعنى بأنك مثقف تراثى أم مجدد للتراث؟ أم شاعر حامل لهموم الحداثة؟
- الاهتمام بالتراث الأندلسى هو مسئولية تقع على عاتقنا لإعطاء الصورة الحقيقية للحضارة العربية والإسلامية فى الأندلس، فهى الحضارة التى تعد نموذجاً للتعايش بين الأديان، وعلينا أن نوضح ذلك للعالم الذى يعيش صراعات دينية وعرقية ومذهبية رغم تطور العقل البشرى، ولا شك أننى من المنشغلين بالتراث، فهو الجذور التى تقوى آدابنا المعاصرة وتمنحها مشروعية الوجود بقوة بين حضارات الأمم، وقد أقمنا فى الأندلس دورات للمرشدين السياحيين لتصحيح المفاهيم حول حضارتنا هناك، كما أنشأنا كراسى البابطين للدراسات العربية كى يبقى المثقفون هناك على تواصل مع اللغة التى كانت يوماً ما أساساً لهذه الحضارة، وأيضاً أسسنا جائزة عبدالعزيز سعود البابطين العالمية للدراسات التاريخية والثقافية فى الأندلس فى مسعى منا لإعادة اكتشاف الحضارة الأندلسية وإبقائها على قيد الوجود العصرى.
■ هل هناك تنسيق بين مؤسسة البابطين والمؤسسات الثقافية فى الوطن العربى بحيث إن الكتاب الذى يطبع لديكم لا يطبع فى مكان آخر؟
- لدينا تنسيق على مدى أوسع من ذلك مع المؤسسات الأكاديمية والثقافية فى مختلف أنحاء الوطن العربى والعالم، ومعظم أنشطتنا تكون بالتعاون مع هذه المؤسسات، أما فى ما يتعلق بالكتاب فهناك ضوابط معروفة نتبعها فى ما يخص حقوق النشر وغيرها.
■ أيهما يقود الآخر: السياسة أم الثقافة؟
- سابقاً كان الفكر شريكاً أساسياً فى السياسة، وكانت كتب فكرية من شأنها أن تغير وجه العالم سياسياً، ولكن اليوم انحسر دور المثقف بسبب العديد من الهزائم التى لحقت بالمثقفين، واستطاع السياسى أن يقصى المثقف عن القرار لكنه لم يستطع أن يقصيه عن تأثيره القوى فى المجتمع، فلا تزال الثقافة تحكم عقلية الشعوب وتؤثر فيها، وربما هذا هو سبب خشية السياسيين من المثقفين.
■ برأيك ما «الفريضة» الثقافية الغائبة فى وطننا العربي؟
- القراءة هى الغائب الأكبر، وصحيح أننا استطعنا-كما أسلفت-بإعادة الكتاب إلى أيدى القراء، إلا أننا نجد قصوراً من قبل الجمهور العربى فى هذا الجانب لا يلبى الطموح للارتقاء أوالنهضة التى تحتاجها أمتنا للنهوض. أيضاً بالنسبة للترجمة فهناك نقص كبير فى الترجمة، وآدابنا العربية تكاد لا تصل إلى العالم بسبب إهمال هذا الجانب.
■ يعيش الفكر العربى اليوم عدة مآزق وتحديات..فى ضوء ما يجرى كيف تنظر إلى الكويت وإلى العالم؟
- أزمة الفكر العربى ليست وليدة اليوم، فهى سلسلة من الإحباطات والنكسات التى أصابت العرب منذ قرون، ولا يمكن أن تنظر إلى الكويت بمعزل عن محيطها العربى والعالمى، ومع ذلك فلدينا فى الكويت أكبر عدد من المؤسسات الثقافية قياساً إلى المساحة الجغرافية، فلسنا وحدنا على الساحة الكويتية، فهناك مؤسسات أخرى مثل المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب ورابطة الأدباء الكويتين ومؤسسة الكويت للتقدم العلمى ودار سعاد الصباح ودار الآثار الإسلامية، ومراكز للبحوث والدراسات وغيرها..ولدينا جوائز محلية أيضاً أنشأها أفراد، كل ذلك يعنى أن حركة الثقافة لا تزال بخير، ولكن ما أسميته بأزمة الفكر يحتاج إلى سنوات من العمل الدؤوب كى نستعيد نهضتنا، وها نحن نمضى والتوفيق من الله عز وجل، ونحن نتلمس اليوم التفاعل الجماهيرى بشكل جلى.
■ حدثنا عن معايير اختيار الكتب المترجمة والمحققة فى مؤسسة البابطين؟
- لدينا لجان متخصصة تقوم باعتماد الكتب التى تحقق اكبر قدر ممكن من الفائدة، فمثلاً فى مركز البابطين الترجمة تقوم اللجنة المختصة بدراسة الكتاب من الناحية العلمية ومدى إشباعه لاحتياجات القارئ العربى وأن يضيف جوانب علمية نحتاجها فى التقدم التقنى الحاصل حول العالم، وكذلك الأمر بالنسبة لتحقيق المخطوطات الشعرية، فنحن نسعى إلى طرح الكتاب الذى يعثر على مخطوطات نادرة ومفيدة ولم يسبق أن تم تسليط الضوء عليها.
■ هناك سديم إيديولوجى سائد حالياً فى أوروبا وأمريكا يكرس لكراهية الإسلام..هل هناك خطة لتصحيح صورة الإسلام فى الغرب؟
- لا نريد أن نعمم فكرة «أدلجة» الكراهية» ضد الإسلام، لأن هناك مجموعات كبيرة من الأوربيين والأمريكيين يناصرون الإسلام ويقفون إلى جانبه ولا نريد أن نخسر هذه المواقف بل أن نعززها، وفعلاً بدأنا عملنا فى هذا التوجه لإزالة هذه النظرة منذ عام 2004م بإقامة أول دورة لنا فى حوار الحضارات كانت فى إسبانيا، ثم انطلقنا إلى فرنسا وبلجيكا والبوسنة وبريطانيا ومستمرون إن شاء الله فى محاورة الغرب ونشر ثقافة التسامح من منطلق الرسالة السامية التى جاء بها الإسلام، وقد بدأنا حقيقة باستقطاب الكثير من المفكرين إلى جانب رسالتنا.
■ برأيك كيف يمكن التصدى لظاهرة الإخطبوط الداعشى المهدد لقيمنا الإنسانية ثقافياً؟
- التطرف بشكل عام تفرضه طبيعة الصراعات السياسية التى تقام باسم صراع الحضارات أو الثقافات، فهى غالباً ما تكون ردة فعل على تطرف يسود فى دول أخرى، لذلك فالقضاء على التطرف بكافة أشكاله ومواقعه يكون بزرع قيم التسامح بين الشعوب فكرياً وثقافياً، وتكريس لغة الحوار بينها، وإفساح المجال للشباب بممارسة دوره التنموى وأن يكون فى مركز القرار دون أية اعتبارات أخرى، عند ذلك لن يكون هناك داعش عربى ولا داعش غربى.
■ ما مشاريعكم المقبلة؟
- لدينا المزيد من الخطط لسنوات مقبلة، فإلى جانب دوراتنا الاعتيادية فى الوطن العربى وفى أنحاء العالم، نقوم حالياً على إعداد أكبر معجم شعرى يضم شعراء من خمسة قرون مضت.