مارينا سوريال: أتمنى أن أترك بصمتى فى سجل التاريخ الإنسانى
خالد بيومى
حوار- خالد بيومى
مارينا سوريال كاتبة شابة تعيش فى الإسكندرية، استجابت لغواية التاريخ فى كتابة باكورة أعمالها الروائية، فأصدرت رواية «دروب الآلهة» والتى فازت بجائزة حورس الإسكندرية للسرد العربى، وهذه الجائزة ولدت كثمرة للتعاون بين مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية ومختبر السرديات بالمغرب العربى ووحدة السرديات بجامعة الملك سعود ومؤسسة حورس الدولية. والرواية تحكى تفاصيل الغزو الفارسى لمصر فى عمق التاريخ القديم وهى ترصد ان هناك فجوات فى التاريخ يجب سد ثغراتها ضمن مشروع طموح بدأه نجيب محفوظ ولم يكمله.. عن رواياتها ورؤياها الثقافية كان حوارنا معها هنا.
■ متى وكيف بدأت رحلتك مع الكتابة؟
- لا يمكن أن أتذكر متى لأننى لا اذكر نفسى يوما دون حكاية ما تشغل عقلى ولكنها بدأت تنمو معى فى مرحلة المراهقة ولكن أشخاصى ظلت حبيسة عقلى فترة طويلة ربما حتى أنهيت دراستى الجامعية كانت أصوات أبطالى تتصارع داخل رأسى وظلت ترفض الخروج مدة مفضلة أن تظل حكايات قصيرة متقطعة.. حينها بدأت اكتبها فى قالب ومضة فقصة قصيرة جدا.
■ لماذا اخترت الرواية كقالب إبداعى؟
شعرت أن لدى المزيد لقوله خاصا انى سأبدأ الحكى عن التاريخ ولدى المزيد من الأصوات التى تريد ان تخرج لتعبر عن نفسها لمكان سيفرض ذاته عليه ليخبرنى عن تفاصيل هى مسجلة على جدرانه ولكن ظلت كتابتى تحتوى على شكلا قصيرا وربما مسرحيا فى أحيان أخرى.
■ دروب الآلهة «.. هو عنوان روايتك الأولى.. لماذا اخترت هذا العنوان؟ وقد تعددت الأمكنة فى الرواية وهل الحضور المكثف للمكان هو البحث عن بنية جديدة لكتابة الرواية؟
- دروب الآلهة هى روايتى الأولى ضمن مشروع ادبى عن تاريخ مصر لذا لابد ان يكون للمكان حضورًا خاصًا.. للمكان سحرا كم من البشر اقتربوا من جدرانه ربما تركوا بصماتهم عليه ورحلوا لياتى آخرون يضعونا المزيد.. ذلك المكان لم يفتح جدرانه للون قمحى نشأ إلى جواره بل كان مستعدا دوما لغرباء دون أصواتهم وأسمائهم وأعطاههم من روحه لذا فالمكان حتى وان كان واقعيا أو غرائبيا هو مكون أساسى من أدوات السرد.. لذا اخترت العنوان دروب لأنه فى تاريخ ذلك المكان كانت هناك العديد من الدروب ينبغى على الإنسان الذى عاش فيها ان يسلكها حتى يصل للطريق الصحيح الذى يراه للتقرب من الإله.. دروب الآلهة هى الرواية الأولى من ضمن مشروع أدبى أتمنى استكماله عن تاريخ مصر منذ الفراعنة ذلك المشروع الذى أراد نجيب محفوظ أن يكمله ولكنه استقر على تيار الواقعية وعادل كامل الذى أوقف مشروعه الأدبى من حينها وهناك نقصا لدينا فى رؤية تاريخنا المصرى.. تاريخنا بحاجة إلى استنطاق وإلى استقراء..
■ الرواية تتناول الغزو الفارسى الأول لمصر.. لماذا اخترت هذه الفترة تحديداً؟
لأنها من الحقب المجهولة فى تاريخنا وبداية الانهيار الأخير للدولة الفرعونية وبداية ان يحكم مصر غرباء وليسوا منها كما ان هناك الكثير من الفراغات الغير معلومة عن أسباب الهزيمة فى تلك المرحلة وخمود الثورات ومرحلة القبول بغريب جديد يخرج الغريب الحاكم ليحكم هو بدلا منه الأمر الذى استمر حتى تاريخ مصر الحديث.
■ ما المراحل الجنينية لكتابة هذه الرواية ؟
- كانت المرحلة الأصعب هى فى قراءة ما بين السطور وجمع المادة التاريخية عن تلك المرحلة فى مصر وبدأت حينها أرى شخوصى وهى تنمو وتتحرك وتهمس بداخل عقلى.. تركتها حتى استطعت أن أراها حية أمام عين حينها قررت أن اكتبها على ورق.. كانت أفضل مرحلة حين تخلين عن كونى انا وتركتهم يلتبسونى ليقصوا من خلالى ما يريدون.. لذا مرحلة كتابتهم لم تستغرق منى أكثر من ثلاثة أشهر..فدائما المرحلة الأصعب تكون فى رؤية الشخصية تنمو حية أمامى أما مرحلة كتابتها فتكون الأسهل.. ولا أرى أن هناك وقت محدد لكتابة اى عمل روائى ربما تستغرق أياما أو شهور أو سنوات لا فارق الأهم هو تركهم للنمو دون حواجز عقلية من الكاتب.
■ لكن العودة إلى التاريخ تمثل مأزقاً كبيراً لانك تتعاملين مع وثائق وحقائق وأنتى تكتبين المتخيل. كيف ستحولين الواقعى إلى روائى ومتخيل دون المساس بمصداقيته؟
- الإطار العام للمرحلة التى تناولتها حاولت فيها ان اصل للصورة الفرعونية التى عاشت فيها مصر حينها.. حاولت أن أرى أدق تفاصيلها من أسر وعلاقات وعمل من حب الإله.. من الهزيمة للبحث عن النصر حتى الصمت! لذا قد عدت الى المراجع التاريخية التى تناولت تلك المرحلة مثل موسوعة سليم حسن وغيرها حتى لا أخرج عن الصورة الحقيقة التى وصلتنا عن تلك المرحلة قدر الامكان ولكن تلك المرحلة لا تعطينا كل الحقائق لذا حاولت أن اقرأ ما بين السطوروان استتنطق التاريخ لأخرج بصورة أراها واقعية طبقا لرؤيتى الروائية ففى النهاية ذلك العمل إبداعى وليس للعرض البحثى أو الاكاديمى.
■ تحاول إيران اليوم إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية.. فهل تتوقعين أن تنجح فى تحقيق هذا الهدف ؟
- كل مرحلة تاريخية تحوى إمبراطورية استحوذت عليها ثم طواها التاريخ للنسيان لتاتى مرحلة اخرى بعدها.. لم أرى فى التاريخ عودة إلى الوراء ربما هى صور جديدة ولكن اليوم اصبحت مقاليد القوى لدى إمبراطوريات اقتصادية هزيمتها ليست بالأمر الهين.. ربما نكون أكثر هشاشة الآن وأى مغامرة للرجوع إلى الوراء ستحدث تدمير لتلك الصورة العالمية الهشة. وربما نحن أقرب الى صورة جديدة من التاريخ لم نرها من قبل ربما نحن على أعتاب نهاية مرحلة تاريخية وبداية أخرى لا نستطيع رؤية ما ستسفر عنه.. اتمنى ان تكون أقرب إلى الإنسانية.
■ حصلت الرواية على جائزة حورس الدولية.. ماذا يمثل لك هذا التكريم لأول رواية تكتبينها ؟
- أسعدنى ذلك التكريم الذى لم أتوقعه وهو بمثابة تشجيع لى على المواصلة رغم ما نعانية من ظروف فى ظل تراجع دور الأدب ومشاكل دور النشر.
■ لماذا توقفتى عن كتابة القصة القصيرة والمسرح ؟
- أحاول أن أخلق لى إطارًا يسع بداخله القصة القصيرة والمسرح فى إطار روائى خارجى شامل وهذا ما حاولت أن أقوم به فى دروب الآلهة.
■ لمن تقرأ مارينا سوريال؟
- أميل لقراءة أدب أمريكا اللاتينية يوسا سارماجو ماركيز أشعر بامتلاكهم من الشغف والروح على الورق من قدرتهم على مواصلة الحياة والرغبة فى استكمال دروهم فى التاريخ الإنسانى أكثر من غيرهم فهم يفرضون واقعهم وسحرهم ولم يقعوا فريسة محاولة الاقتصاد لقتل روح الأدب.
■ طموحك إلى أين يقف ؟
- إذا توقف الحلم فلم يعد لمواصلة الحياة جدوى من يمتلك شغف الكتابة لا يتوقف عن الطموح يوما.. أحلم أن تصل كلماتى إلى مختلف البشر فى كل مكان اتمنى أن اترك بصمتى فى سجل التاريخ الإنسانى مثلما فعل الكاتب فى التاريخ القديم فى حضارات سادت ثم انتهت فكانت بصمته هى الباقية ربما ننتهى نحن أيضا لذا أتمنى أن أتواصل مع من سيأتون ليعيشوا مكاننا فى المستقبل.