نقل الوزارات وتحويل «ميدان الثورة» لـ«هايد بارك»
تغريد الصبان
فى محاولة لتطوير منطقة وسط القاهرة وميدان التحرير، وفى إطار تقدير الأهمية التاريخية للمكان، ورغبة فى تحويل الميدان إلى رمز للثورة المصرية، تجدد الحوار مرة أخرى عن تطوير ميدان التحرير وتحويله إلى «هايد بارك»، مع نقل مربع الوزارات بعيدا عنه، للاستفادة بالمساحة الكلية للمنطقة، وهو ما تم تكليف هيئة التخطيط العمرانى بتنفيذه، وبدأ بالفعل اجتماعات موسعة بين وزراء الإسكان والآثار والثقافة والسياحة ومحافظ القاهرة لمناقشة المشروع.
تساءلنا عن مصير مجهودات عام ونصف العام مضى من العمل على مسابقة لتطوير وتجميل منطقة التحرير بما فيها الميدان أيقونة الثورة المصرية قامت به جمعية «ميدان» وكان الهدف الرئيسى من المسابقة هو تنمية المشاركة المجتمعية بالمشاريع القومية بمصر، المهندس رائف فهمى أحد مؤسسى جمعية «ميدان»، الذى تم تكليفه رسميا بوضع كراسة الشروط للمسابقة توجهنا إليه للوقوف على طبيعة ماتم بالمسابقة حتى الآن، والذى يتحمل جهاز التنسيق الحضارى على عاتقه تنفيذ هذه المسابقة، يقول رائف: تأسست جمعية «ميدان» الأهلية غير الهادفة للربح بعد الثورة مباشرة تقريبا فى شهر مايو 2011، حيث اجتمعنا كمعماريين وتخطيط عمرانى منهم الدكتور عمرو عبدالقوى والدكتور أحمد عوف والمعمارى أحمد دسوقي، السبب فى تدشين هذه الجمعية أنه بعد التنحى مباشرة بدأت تظهر دعوات لإقامة نصب تذكارى بالميدان، وفعلا بدأ ظهور تصاميم لهذا النصب، إنما المشكلة أن الموضوع كان يتم بشكل غير مدروس سيؤدى إلى أن يفقد الميدان معناه التاريخى والثوري، لذا قررنا أن يتم التعامل مع الميدان بشكل مختلف وقمنا بتدشين موقع إليكترونى بعنوان «ميدان التحرير من الفكر إلى التطوير» وعقدنا سلسلة من الاجتماعات التحضيرية الهدف منها هو تنمية وترسيخ فكرة «المشاركة المجتمعية» فى اتخاذ القرار فى كل شىء.
وكانت البداية مع ميدان التحرير الذى كان وقتها المشروع القومى الوحيد المتاح، يتم ذلك من خلال الضغط كجمعيات أهلية وكمعماريين مستقلين عن الجهات الرسمية لإقامة المسابقات بشكل صحيح وسليم، وهى أن يشارك المجتمع فى اتخاذ القرار بكل أطيافه وشرائحه وهى منظومة ومبدأ لم نخترعه نحن كجمعية «ميدان»، بل هى منظومة دولية وعالمية، ففى إنجلترا وسويسرا وأى مكان بالعالم لابد من أخذ رأى وموافقة أهل المنطقة على شكل وتصميم المنزل الجديد الذى سيبنى بالمنطقة، فهو نوع من احترام المجتمع الذى يعيش بنفس المكان ويستفيد منه تماما كاستفادة الآخرين، لذا كان لابد من تطبيق هذا المبدأ على ميدان التحرير الذى أصبح أيقونة مصرية محلية قبل الدولية، خاصة أن المحافظة ليس لها حق فرض شكل وتصميم ولا أى جهة رسمية أخرى لأن مهمتها هى إدارة المكان وليس التحكم فيه لأنه ملك سكانه.
أيضا هناك ميزة مهمة جدا فى حالة مشاركة المجتمع فى اتخاذ القرار وهو ألا تتحول المناطق بعد فترة إلى مناطق طاردة لسكانها كما حدث مثلا بمنطقة مصر الجديدة، التى تعرضت لما يسمى بالاستبدال السكاني، حيث هاجر سكان هذه المناطق إلى المناطق الجديدة مثل «القاهرة الجديدة» و«السادس من أكتوبر» وغيرهما، بالتالى نسبة الفقر والجريمة وارتفاع معدل أعمال السكان تزيد بالمناطق الطاردة، وهى مشكلة خطيرة، لأنه فى حالة ارتفاع معدل أعمار سكان أى منطقة فى إغلاق المحال التجارية نتيجة عدم إقبالهم على الشراء، وعدم اهتمامهم بالصيانة لعماراتهم، فنجد أن المنطقة «تشيخ»، بعد هذه الجلسات تواصلنا مع وزير الثقافة الأسبق محمد الصاوى واجتمعنا معه بحضور رئيس جهاز التنسيق الحضارى سمير غريب ومستشارين من التخطيط العمراني، وأكدنا ضرورة أن يقوم أى مشروع بمصر، أيا كان مجاله، على ثلاثة محاور أساسية هي: (اسأل – تابع – قيم)، وهى أن «نسأل» المجتمع ماذا تريد من هذا المشروع وطموحاته؟ ثم على المجتمع أن «يتابع» الخطوات التنفيذية للمشروع ثم «تقييمه» للمنتج النهائى من حيث انه على المستوى أم لا، وهنا ركزنا على أنه لا يجب أن يعامل ميدان التحرير وتطويره بمنطق المناقصات والمسابقات التقليدية لأنه ببساطة مشروع قومى لمصر!
وأكمل رائف: دشنا مجموعات للحوار منها الموقع الإليكترونى الخاص بالمسابقة وموقع «التحرير من الفكر إلى التطوير» وموقع «عمار يامصر» وموقع «مسابقة التحرير» لجمع كل الآراء والأفكار المطروحة التى يتمناها المصريون من ميدان التحرير، هذه الحوارات أثمرت عن عدة نتائج من أهمها أن مسابقة ميدان التحرير لابد أن تطرح بفكر مختلف عن أى فكر آخر تم طرحه من قبل الحكومة، وأن تكون المسابقة هى النموذج الأول للمشاريع القومية القادمة، من حيث مشاركة الجمعيات الأهلية والمجتمع مع الجهات الرسمية كالتنسيق الحضارى والمحافظة ورئاسة الحي، وبالتالى الجميع مشارك بكراسة العمل، طبعا فيما بعد حدثت تغييرات بوزارة الثقافة وكانت الأحداث غير مستقرة عموما، بينما اتخذ سمير غريب رئيس جهاز التنسيق الحضارى على عاتقه واستكملنا العمل فى حدود المتاح.
وأضاف: اتصل بنا الدكتور عبدالقوى خليفة محافظ القاهرة آنذاك وهو ذو رؤية متفتحة وطلب مقابلتنا ومعرفة ماتوصلت إليه مجموعة العمل فى كراسة ميدان التحرير، واجتمعنا به ومستشاريه من هيئة التخطيط العمرانى من بينهم الدكتور سامح العلايلى الذى طالب بأن تنفذ المسابقة بالشكل التقليدى من حيث الشروط ولجنة التحكيم التقليدية بالغرف المغلقة، لنفيق بين يوم وليلة بمشروع منفذ، بينما نحن تقدمنا بفكرتنا حول مشاركة المجتمع فى عرض الأفكار والاحتياجات، وهو ما قمنا بجمعه على مدار خمسة اشهر ماضية، إضافة إلى توزيع ثلاثة كتب مع كراسة الشروط أولها كتاب أبيض «الأحلام» وهو كتاب توثيقى لكل الحوارات التى تمت على المواقع المختلفة وكذلك ماتم استبيانه من العينة العشوائية لألف وخمسمائة مواطن والتى قام بها 15 متطوعا من الشباب، أما الكتاب الثانى فهو كتاب أسود «البيانات» الخاص بكل المعلومات الهندسية الخاصة بموقع ميدان التحرير والمعلومات التاريخية للمكان والمباني، والكتاب الثالث هو كتاب أحمر «الأيام» الذى يحتوى على أحداث الثمانية عشرة يوما بكل مافيها من أحداث، هذه الكتب مهمة جدا للمصمم الذى يستطيع الخروج منها بأفكار مميزة يتقدم بها للمسابقة تجعل مشروعه للميدان قريبا من احتياجات الناس ومتماساً معهم، على أن يتم طرح المسابقة فى احتفال الذكرى الأولى لثورة 25 يناير 2012 وأن تستغرق المسابقة من سبع لثمانية أشهر وأن تتم على مرحلتين، الأولى تكون مسابقة مفتوحة بعرض الأفكار مرسومة فقط بمعنى مجرد طرح للمفهوم العام للخطة أو المشروع، وتختار لجنة التحكيم حوالى 30 مشروعا منها للدخول للمرحلة الثانية إضافة لعرض كل المشاريع المقدمة بمعرض مفتوح للجميع يتم التصويت على 30 مشروعا منهما أيضا.
وواصل: بالتأكيد سيكون هناك تشابه بين اختيارات الناس واللجنة بينما ما سيزيد من اختيارات الناس سيدخل المرحلة الثانية من المسابقة والتى سيتم تنفيذ فيها مشاريع كاملة يتم اختيار ثلاثة مشاريع منها فقط يتم عرضها فى «سمينار» مفتوح أيضا ويتم التصويت الجماهيرى على المشروع المستحق للجائزة الأولى والذى سينفذ بالميدان.