سيد حجاب: «عشر قصائد فى قلب كل صياد» كنز على بابا الذى أبعدنى عن شبح «الصنايعى»
مروة مظلوم
حوار: مروة مظلوم
«حبيبته من ضفايرها طل القمر.. وبين شفايفها ندى الورد بات».. علمته حب الحياة وعلمنا أن حبها الحياة.. تغزل الكون فيها على حلو كلماته واهتزت أوراقه مع قلوبنا على ضحكتها.. لم يترك شبراً على أرضها إلا ووصفه.. لم يترك خائنًا لترابها إلا ولعنه.. شارك الصيادين قواربهم والفلاحين «قراريطهم» والعمال سقالاتهم وربات البيوت حكاياتهن والأطفال أغانيهم.. 75 عاماً من عمره ما هى إلا قصيدة فى عشق مصر لا يخلو فيها بيت من كلمات شاعر العامية سيد حجاب الذى يكشف صفحات من حياته فى حوار خاص لروزاليوسف.
■ شهدت بحيرة المنزلة بداية الشاعر سيد حجاب فى موهبة عززها الأب الأزهري.. حدثنا عن تلك البداية؟
- نشأت فى مدينة المطرية مدينة الصيادين إذ يطل جزء كبير منها على بحيرة المنزلة عائلاتها بها الميسور والمتعثر وكانت أسرتى من الفرع «المستور»، والدى عمل كموظف صغير فى الحكومة، حافظ للشعر والمعلقات وديوان الحماسة، أصحابه كانوا يدعونه بالشاعر، أما أنا فعلاقتى بالشعر بدأت منذ كنت تلميذا فى الابتدائية لم أتجاوز 8 سنوات حيث كان والدى يعقد جلسات بيتية مع أولاده يلعب معهم لعبة «المطارحة الشعرية» نأخذ الحروف الأخيرة لنهاية كل بيت كبداية لبيت شعر آخر أو قصيدة أخرى، يأتى على الدور فتنتهى محفوظاتى القليلة، أستعين بمحفوظات الأغانى فلا تسعفنى فأرتجل بيتًا وراء بيت، فقلت «أنا شاعر».
■ ما المحطة الأولى فى حياتك التى أسهمت فى صقل الموهبة وتحديد المسار؟
- فى مدرستى الثانوية حدثت لى النقلة الكبرى فى عمرى كله، قابلت أستاذ شحاتة سليم نصر، كنت وقتها مهتما بالرياضة من كرة طائرة وسلة وسباحة وكان هو أستاذ الهوايات يشرف على رحلاتنا وعرف أنى أكتب شعرا وعندما قرأه تعجبت لرد فعله فهو أول شخص يواجهنى بحقيقته بأنه ليس كباقى الكبار يعرف كل شىء حين قال «أنا مابعرفش فى الشعر لكننى سألت أستاذ «فلان» مدرس اللغة العربية فأكد لى أنه مقفى وموزون وسليم لغوياً لكن أنا لى وجهة نظر خاصة، أنت تكتب عن عواطفك ومشاعرك وهى معدودة، باعتيادك عليها تتحول مع الوقت إلى «صنايعى» فأجبته «أنا عايز أكون فنان مش «صنايعي» فرد بجملة لن أنساها «فى بلدك 30 ألف صياد فى قلب كل منهم 10 قصائد ابحث عنها»، فكانت لى كنز على بابا، دفعنى للاقتراب من أقاربى الصيادين والتنزه معهم فى قواربهم فى البحيرة بحثاً عن القصائد العشر الضائعة فى قلب كل منهم، فى البداية كتبت قصائد على طريقة كتاب الفصحى وقتها السرد فيها بالفصحى والحوار بالعامية، ثم أخذت كل لغة نصيبها من قصائدى وفصلت الفصحى عن العامية وابتدى المشوار وكانت تلك أولى محطات حياتى.
■ من الشعر إلى الهندسة نقطة تحول ومن الهندسة إلى الشعر نقطة أخرى.. هل تسبب الشاعر فى رسوب المهندس؟
- أنهيت دراستى الثانوية والتحقت بهندسة الإسكندرية قسم مناجم وعندها خرجت من مدينة الصيادين الصغرى إلى مدينة الصيادين الكبرى المفتوحة على المالح «الإسكندرية»، مدينة أكثر انفتاحا، ندوات ثقافية وجاليات أجنبية كثيرة، حياة ثقافية غنية، سينما ومسرح، المسرح القومى، فرق الأوبرا والباليه والفرق السورى والطاليانى والجريجى، انفتحت على ثقافات غريبة، عالم آخر، لذلك رسبت فى إعدادى هندسة، وقتها كان لأستاذ هندسة الطيران أسامة الخولى محاضرات أسبوعية عن الموسيقى الكلاسيكية، اغتنيت ثقافياً لكننى رسبت مجدداً فى هندسة، وبعدها نقلت إلى هندسة القاهرة مع بداية العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، كتبت مجموعة أشعار عندما عدت إلى البلد وبعثت بها إلى مجلة «الرسالة الجديدة» كان يرأسها يوسف السباعى آنذاك والمشرف على الشعر د.فوزى عبد الجليل نشر مختارات من أشعارى بالفصحى معلقاً «اخترت هذا النموذج من قصائدك وقد أحسست فى شعرك رفيف موسيقى بعيدة سيعلو يوماً عندما تبذل اهتمامك بكذا وكذا.... مجموعة نصائح من شاعر كبير لشاعر فى أول الطريق، بعدها نقلت إلى القاهرة لدراسة هندسة المناجم، هناك فتحت عينى وقلبى على مشاعر أغنى بكثير فلقد كانت مليئة بالندوات الأدبية والمحافل الثقافية، وفى الكلية تعرفت على العديد من الأصدقاء من الكتاب والشعراء كان لهم اتجاه يسارى وتفاعلت معهم.
■ هل كان المناخ فترة ما بعد ثورة يوليو داعماً للإبداع؟
- كان مناخ نهضة، كل مؤسسات الدولة وأفرادها والوطن كله مظبوط على موجة واحدة «نبقى إزاى أحسن بكرة» فى كل مجال هناك نشاط وعمل دءوب على تحسين الأدوات والأداء، فى هذا التوقيت قدمنى الدكتور محمد مندور فى البرنامج الثانى للسيدة سميرة الكيلانى اسمه «كتابات جديدة» وقدم نقد حفى جداً احتفى فيه بالموهبة الجديدة وبارك الحس التجريبى للموهبة الصاعدة التى أطلق عليها «شاعر الهندسة»، بعدها بقليل نشر لى عبدالقادر القط فى صدر «مجلة الشهر» التى كان يصدرها الراحل سعد الدين وهبة قصيدة اسمها «ثلاث أغنيات إلى البعيدة» كانت تلك بداية النشر بالفصحى.
■ نهاية الخمسينيات كان الاهتمام الأكبر لشعراء الفصحى وليس سهلاً على الشارع المصرى تقبل العامية إلا إذا كانت تحمل نظرة فلسفية فكرة جديدة.. كيف وجدت لك مكاناً بين شعراء العامية وهم قليل؟
- شعر العامية كان موجود وقوى فى الحياة الأدبية لكن لم يكن له الحضور الرسمى، حتى شعر الفصحى، التفعيلة الجديد «النثر» لم يكن معترفا به، فعلى سبيل المثال لجنة الشعر برئاسة عباس العقاد رفضت ديوان صلاح عبد الصبور لأنه نثر وليس شعراً، فالشعر لابد أن يكون مقفى وموزون بشطريه، وكان واقع الشارع متأججا بالصراع الذى يعكس حراك النهضة والتغيير الملحوظ فى المجتمع، فكانت هناك قوى الماضى تحاول وقف ركب التقدم نحو المستقبل لكن الشباب كان أقوى وأكثر حضوراً فى قلوب الناس.
■ رد فعل الأسرة بترك دراسة الهندسة؟
- حين قررت ترك دراسة الهندسة قسم مناجم وكنت فى الفرقة الثانية لأتجه إلى الأدب أحزن القرار والدى كثيراً مما اضطرنى أن أهجر بيت العائلة فى شبرا حتى لا أخضع إلى ضغوطهم المادية والنفسية لتغيير مسارى، لكن كانت تصلنى منه مشاعر شفقة عندما يقرأ إحدى قصائدى فيشعر بأننى مأزوم فيبعث لى برسائل مع أصدقائى إذا ما كنت أريد الرجوع وأشعر بالخجل أو أردت إكمال دراستى فى آداب فإنه سيتقبل الأمر، لكن كان لابد لى أن آخذ الموقف بصرامة لأنه نقطة تحول فى حياتى لاختيار مسارى وحياتى التى أحبها وليس ما يفرضه الآخرون على من أسلوب حياة يلائمهم مع المحبة الشديدة لأبى واحترامه الذى رافقنى طوال العمر.
■ كيف كانت علاقتك بـ«شاعر الثورة» والعامية الأول صلاح جاهين؟
- كنت أحلم بمقابلة صلاح جاهين وبيرم التونسى وفشلت محاولاتى مع الأخير، فقدمنى فؤاد قاعود إلى صلاح جاهين وهو آنذاك الرسام الأكبر بلا منازع وشاعر الثورة الأهم، وكان لقاؤنا الأول فى منزل سليمان جميل لتلحين أغنية «مصر على بمبة» للشاعر أحمد عبد المعطى حجازى، فى البداية لم يعر لدخولنا اهتماما فأشار لنا بالجلوس وأثناء الاستراحة سأل فؤاد «فين الشاعر اللى قلت عليه؟» فأشار لى فبدأت أقول إحدى القصائد، كان وجه «جاهين» متجهماً بلا انفعال وما كدت انتهى حتى أشار لى بيده فقال فؤاد «واحدة ثانية ياسيد» فقلت الثانية والتجهم لم يرحل عن جاهين ومع نهاية الثانية أشار بيده مجدداً فقال فؤاد «تابع» فقلت الثالثة وعندما انتهيت منها وقف «عم صلاح» وضم فؤاد بشدة وقال له بفرح «بقينا كتير يافؤاد» عندما خرجت هذه الجملة عنه بهذه الطريقة شكلت ما تبقى لى من عمر وأرشدتنى الطريق فقد كانت شهادة من الشاعر أكبر شعراء زمانه الذى أحبه.
■ شهدت أهم فترتين فى حياة جاهين حماسه للثورة وانكساره للنكسة.. أيهما كانا سبباً للخلاف بينكما؟
- شهدت الفترتين واختلفت معه اختلاف الابن مع الأب فقد كنت أنتمى لفصيل يسارى يرى عبد الناصر زعيما وطنيا لا أكثر لا يمثل الاتجاه الاشتراكى، هو يؤسس رأسمالية دولة وهو كان يراه زعيم وطنى اشتراكي، أذكر قصيدته التى كتب فيها «أحلف بقـرآنى، وإنجيلى، بهـدف عظيـم، دايمــا يناديلى، بالمعـركـة، وسهـرهـا، بالقـاهـرة، وقمرهـا.. بجمـال وجرح قديم فى جبينه».. فاستكثرت أن يقسم أستاذى وأبى الروحى بجرح فى جبين جمال عبد الناصر وغضبت وقلت له فى انفعال «مش ده جمال اللى حابس أخوك فؤاد حداد مش ده جمال اللى...» وقتها صرخ فى وجهى وقال لى «حاول تفهم يا سيد، عبد الناصر عمل أكتر من اللى حلمت به الأحزاب اليسارية، عبد الناصر حدد 8 ساعات عمل، كل الأحزاب اليسارية كانت بتطالب بـ9 ساعات، أشرك العمال فى مجالس الإدارة، عمر ما حزب اشتراكى طالب بده».. كان إيمان «جاهين» بـ«جمال» إيمان الرجل الحر الذى رأى فى عبدالناصر فارس الحلم، سابق أبناء جيله وحلمه مرتبط بالشعب كله، وهو إيمان يختلف عن تهليل التابعين وأصحاب المصالح.
■ لكنك لم تسلم من تجربة الاعتقال فى سجون «ناصر»، كنت يساريا اشتراكيا واعتقلت لماذا؟
- كان السبب بساطة إنى أنتمى لفصيل يسارى يرى فى عبد الناصر بطلا وطنيا لكنه ليس اشتراكيا وإنما هو مؤسس لرأسمالية دولة من الممكن أن تؤدى إلى ثورة مضادة مالم تكن هناك ديمقراطية تحميها، فكان مطلبنا الأساسى الديمقراطية وكنا نعقد ندوات نبشر فيها بالديمقراطية وكونا لجان ديمقراطية كان من بينها لجان فى «روزاليوسف» انضم إليها العديد من رساميها وكتابها وعندما تم اعتقالنا لم توجه لنا تهمة بعينها أثناء القبض علينا، لكن المضحك المبكى أننا علمنا التهمة الموجهة لنا من خلال صديقتنا الصحفية «ايرين ديسون» مراسلة الأوبزرفر فى مصر آنذاك، وكانت التهمة تأسيس فكر معادى للنظام يسارى الاتجاه صينى أو«ماوى» على علاقة بالقوميين العرب لأن صلاح عيسى كان يعمل وقتها بمجلة الحرية لصاحبها محسن إبراهيم «القوميين العرب» ومحاولة التسلل للإتحاد الاشتراكى لأن بعضنا كانوا أعضاء فى منظمة الشباب ومرشح للإتحاد، تلك هى التهمة الرسمية المفصلة والتى لم نواجه بها ولكن علمت بها السفارة البريطانية بما يعنى أن المباحث العامة تسرب أسرارها للسفارة. اعتقلنا 5 أو 6 شهور مارسوا معنا خلالها أنواعا من التعذيب الخفيفة ووضعنا فى أحد سجون المباحث العامة وهو معتقل «القلعة» الذى تحول الآن إلى المتحف الحربي، وانتهى الاعتقال بزيارة السيد «سارتر» و السيدة «سيمون ديفوار» إلى مصر بعد نجاحنا فى توصيل صوتنا لمنظمات حقوق الإنسان والعفو الدولية إذ استدعى السيد شعراوى جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم آنذاك ثلاثة من المعتقلين لمناقشتهم، كنت منهم ومعى الأبنودى وكمال عطية رحمهما الله ودار بيننا حوار قبل الإفراج عنا، الأبنودى قال «كيف تتحدثون عن الاشتراكية والاشتراكيون مستبعدون من العمل السياسي»، أما أنا فتحدثت عن أن «القطاع العام ينمو من خلال القطاع الخاص وهو ما يشكل خطورة الانقلاب على المسار، وأن الضمانة لعدم الانقلاب هو تحقيق الديمقراطية فى المجتمع»، ما حدث أن سيد شعراوى استمع لآرائنا وصدق عليها وأخبرنا أنه سيعرض الأمر على الرئيس لكن طبيعة الأمر الآن تقتضى كذا وكذا.. الحقيقة كان رجل دولة وسياسى من الدرجة الأولى احتوى الموقف لأنه يملك منطق فى الحوار.
■ متى كانت بداية انتشارك فى القاهرة كشاعر؟
- حتى عام 1966كانوا يعتبرونى شاعر المثقفين، لم أكن شعبياً فى تلك الفترة ظهر كتاب لعبد الغنى شكرى بعنوان «شعرنا الحديث إلى أين؟» أفرد فيه جزءًا لشعرى وكتب عنه «نموذج للشعر الملتزم الراقى غير المباشر»، وقد كان محقاً فى وصفه فالمباشرة جاءت بعد النكسة. أول أغنية مذاعة فى حياتى كانت جماعية عن السد العالى 1962 كلماتها «يا طير يا طاير طير على بلدى بلغ سلامى لوالدى ولولدى ولأم ولدى ولكل أحبابى لناس بلدى أنا هنا فى أسوان أنا عامل والسد طالع بايدى علشانى بدى أشوف اخوانى ومش طايل.. وكل عامل أخ للتاني.. مهما نشيل القلب مش شايل.. غير ابتسامة وحب وأغاني»، بعدها كتبت للتليفزيون برنامج أسمه «حبات العرق» يتناول المشروعات الصناعية فى مصر أذيع منه حلقات وتم وقفه بعدها.
■ ما هى نوعية القصائد التى كتبتها داخل المعتقل «من وحى الاعتقال» ؟
فى المعتقل سمعت أغنية لقعدتنا كأصحاب «يا ما زقزق القمــرى على ورق الليمون..علشان بلدنا يا وله..وجمال بلدنا يا وله كله يهون» غناها ماهر العطار كتبتها وسمعتها فى الإذاعة فى المعتقل وأسعدنى سماعها فقد كانت شجاعة حقيقية من ماهر العطار أن يغنى أغنية لشاعر فى المعتقل.
■ قلت أن المباشرة فى أشعار سيد حجاب جاءت بعد وقوع النكسة؟
- بعد وقوع النكسة تغيرت لغتى فى الخطاب الشعري، فبعد صدور الديوان «صياد وجنية» عام 1966، احتفى به النقاد حفاوة بالغة، هناك من شبهنى بلوركا ومن شبهنى بلولوار، لكن ما أزعجنى أن كلمات الديوان لم تصل إلى مستحقيه وهم الصيادين فهو مستوحى من حياتهم، مما جعلنى أفكر أن أتوجه بالشعر من جديد إلى أذن المستمع المشافهة، فبدأت أركز على نوع من الدواوين الشعرية الإذاعية فكتبت بعد التحية والسلام مع عبدالرحمن الأبنودى وأخرجها فتح الله الصفتى، تلاها «عمار يامصر» وأوركسترا كلها قصائد شعرية إذاعية، واتجهت للكتابة للتليفزيون والسينما وهما طريق آخر مختلف، عقب النكسة مباشرة كتبت قصيدتين بعض أبياتهم كانت شعارات رفعها الطلاب فى مظاهراتهم سنة 1968 باسم «الشعب، الشعب الشعب، الحزب الحزب الحزب، الحق الحق الحق، والله ماهيداوى جرح النكسة المر الصعب، غير حزب الشعب وحرب الشعب»
■ إلى أى اتجاه صارت الحركة الفكرية والثقافية فى مصر عقب النكسة بعد نهضة نهاية الخمسينات وبداية الستينات.. إلى صعود أم هبوط؟
- كان الحديث الدائر فى تلك الفترة حول صعوبة المواجهة بالإمكانيات المتاحة فبعد انكسار الجيش المصرى أصبح الطريق مفتوحاً أمام الهجمة الاستعمارية ثقافياً وحضارياً إلى داخل مصر ورأينا أن حائط الصد الأساسى لهذه القوى هو الثقافة الوطنية فكان أحد الحلول المطروحة فى المجتمع الثقافى المواجهة الشعبية المضادة للهجمة الاستعمارية على المنطقة، وهو ما شرعنا فى تنفيذه حيث أصدرت بالتعاون مع مجموعة من الزملاء المبدعين مجلة اسمها «جاليرى» 1968 ، وتغير مناخ الكتابة فى مصر بعدها وظهر نموذج للكتاب مثل إبراهيم أصلان ومحمد البساطى الذى بدأ خطواته الأولى فى هذه المجلة، من ناحية أخرى عقدنا ندوات وأمسيات ثقافية فى منطقة الصراع، مدينة السويس المهجورة.
■ قصائد النكسة حملت مرارة تلك الفترة وحالة التخبط فى الشارع المصرى فكيف كانت «النكسة» فى كلماتك؟
- عقب النكسة وافق عيد الأضحى احتفالات رأس السنة وبدت القاهرة آنذاك مدينة على وشك الانتحار، نوع من الفرح الصاخب غير المبرر، كتبت قصيدة «واحد وعشرين طلقة فى العيد» وكان بها مجموعة من الأبيات صارت شعارات المظاهرات بعد ذلك «يا جمال يا عبد الناصر حامينا حرامينا وعادينا ضدينا يفتى على الإبرة خايف لو فوقت فى ليلة النصر ألاقينا كسبنا نفسنا بس خسرنا مصر» وهو ما حدث فعلا عقب أكتوبر.
ما عنوان قصيدتك الأولى وقصتك معها؟
- أول قصيدة كتبتها بالفصحى كانت عام 1951 عندما انفجر الكفاح المسلح ضد الإنجليز فى قاعدة قناة السويس، استشهد صبى من الفدائيين فى نفس سنى، كان عمرى وقتها 11 عاماً بينما عمره 12 عاماً، انفعلت بالحدث وكنا نخرج فى مظاهرات صامتة مرددين «الكفاح الكفاح السلاح السلاح»، لكن شحنة الغضب لم تخمد بداخلى فكتبت «كنا غزاة وأبطالاً صناديدا صرنا لرجع الصدى للغرب ترديدا.. لكننا سوف نعلو رغم أنفيهم.. وسيكون يوم نسورنا فى الجو مشهوداً»، طبعاً القصيدة بالفصحى بها لهجة خطابية كانت تشى أن لذلك الفتى قدرة على قرض الشعر وتنمو مع الزمن، كما علمونا حينها أن اللغة الفصحى هى لغة القرآن وأهل الجنة، أما العامية فهى لغة السوقة والدهماء ليربوا فينا نوعا من الاحتقار للعامية وتقدير واحترام الفصحى فكلنا نبدأ كتابة الشعر بالفصحى، قرأ والدى ما كتبته فى «كراسة» الشعر وكان تعليقه عليها «أولاً الحمد لله يا شيخ سيد ربنا أنعم عليك بسليقة شعرية سليمة ويجب أن تحمده عليها، ثانياً يجب صقلها بالدراسة»، وفى الحقيقة لم يبخل على بوقته أو علمه درسَّ لى العروض على طريقة ترديد الأزهريين مع قهوة العصارى حتى حفظتها كلها مابين سن 11 و14 سنة، ثم انتقلت للثانوى وكنت لزملائى بالمدرسة وقتها «القباني» أزن لهم الشعر وأضبطه حتى أن الأساتذة كانوا يعتمدون على فى شعر المناسبات كمولد النبى أو ترقية أحد المدرسين.