الجمعة 21 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ضريبة «العبء» المضاف

ضريبة «العبء» المضاف
ضريبة «العبء» المضاف




أحمد زغلول يكتب:
يبدأ مجلس النواب مناقشاته بشأن قانون ضريبة القيمة المضافة، تلك الضريبة التى تعوّل عليها الحكومة كثيرًا فى زيادة الايرادات لمواجهة عجز الموازنة العامة الذى يقدر أن يسجل 320 مليار جنيه بنهاية العام المالى الجارى 2016-2017، لكن رغم أهمية الضريبة وقدرتها على زيادة الإيراد، إلا أنها تمثل عبئًا كبيرًا جديدًا على المواطن الذى يرزح تحت نيران ارتفاع متتابع ومتشابك فى أسعار جميع السلع والخدمات فى الفترة الأخيرة.
وبكل بساطة فإن الضريبة الجديدة والتى من المقرر أن تحل محل ضريبة المبيعات، ستُفرض على السلع والخدمات فى كل مراحل بيعها، فى حين تفرض ضريبة المبيعات مرة واحدة عند بيع السلعة للمستهلك النهائى.
وعلى سبيل المثال «مجرد مثال توضيحى» فإن المزارع الذى يبيع محصوله سيتم خصم مستلزمات انتاجه من القيمة الاجمالية لبيع المحصول ويتم خصم الضريبة من القيمة الصافية للبيع، ثم المشترى إن كان مطحنًا، مثلا، فعليه بتأدية ضريبة القيمة المضافة عند بيع الدقيق، حيث تخصم مصروفات الإنتاج من قيمة الانتاج الذى تم بيعه، وتؤدى الضريبة على صافى القيمة، وهكذا فى كل مراحل البيع حتى تصل إلى المستهلك.
ويترتب على فرض الضريبة أن يقوم كل مؤدى لخدمة أو بائع لسلعة برفع سعرها، حتى تصل إلى المستهلك الذى سيدفع فاتورة الضريبة كاملة، حيث سيزيد سعر السلع والخدمات بشكل مبالغ فيه، ومع ضعف الجهات الرقابية، وعدم قدرتها على السيطرة على جشع التجار، ومواجهة بارونات ومحتكرى السلع والخدمات، فإن النتيجة ستكون كارثية على المواطن البسيط الذى لم يعد يحتمل ارتفاعًا جديدًا فى الأسعار، أو سببًا إضافيًا لرفع الأسعار، التى ترتفع فعليًا شهرًا تلو الآخر لأسباب متعددة.
وكلنا يلمس، بكثير من الضجر، ارتفاع أسعار كل شىء، لاسيما بعد ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه، فلم ينج من الارتفاع سلعًا محلية أو مستوردة، مواد غذائية أو سلعًا ترفيهية، ووسط هذه الارتفاعات يعانى المواطن الذى تفشل الحكومة فى توفير غطاء اجتماعى مناسب يحميه لسعة «الأسعار»، رغم كل الاجراءات التى تتخذها وزارة التموين، إلا أن جميع إجراءاتها لا يمكن أن تصد وحش «ارتفاع الأسعار» الذى بات ينهش فى أجساد البسطاء، وحتى متوسطى الدخول.
وبما أن مشكلة الدولار لاتزال قائمة وليس هناك أجل واضح لانتهائها، فإنها ستمثل ذريعة لن يفرط أصحاب المصالح فيها لرفع الأسعار بشكل مستمر، إلى أن تنتهى أسباب مشكلة الدولار بشكل نهائى، فتزيد إيرادات السياحة والتصدير وتحويلات المصريين فى الخارج، ويبدأ ضخ استثمارات أجنبية ضخمة فى أوصال الاقتصاد، وبدون انتعاش حقيقى لهذه القطاعات، ستظل مشكلة العملة صداعًا مزمنًا فى رأس الاقتصاد، ومن ثم سيكون الباب مفتوحًا لرفع الأسعار.
ومن ثم فإننى أرى أنه من غير المنطقى تطبيق ضريبة القيمة المضافة فى الوقت الراهن، أو على المدى القصير حتى، لأن مجرد الاعلان عن اقتراب تطبيقها سيشعل بورصة الأسعار، وسيحاول جميع من يؤدى الخدمات والسلع ألا تؤثر هذه الضريبة على حجم أعمالهم وأرباحهم الصافية.
وقد أظهرت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، التى تم نشرها خلال الشهر الجارى، أن التضخم السنوى لأسعار المستهلكين فى المدن المصرية قفز إلى 14% فى يونيو من 12.3 % فى مايو، مواصلا الارتفاع لثانى شهر على التوالى، وهذه ثالث مرة يرتفع فيها التضخم منذ ديسمبر الماضى، كما أن معدل التضخم البالغ 14% لابد أن يدعو للتريث، فهو ليس معدلا مقبولا، وهناك احتمالات بزيادته لو أن البنك المركزى قام خلال الأيام القادمة بتعويم جديد للجنيه أمام الدولار.
وهناك دراسات أشارت إلى أن الزيادة المتوقعة فى معدل التضخم نتيجة تطبيق ضريبة القيمة المضافة ستكون فى حدود من 2 إلى 3.5%، وهى زيادة لا يمكن احتمالها فى ظل معدلات التضخم غير المحتملة أصلًا.
وأرى أن الأمر الأولى بالاهتمام والتنفيذ فى الوقت الراهن، هو اتخاذ إجراءات مشددة لمواجهة التهرب الضريبى، ومحاصرة موظفى الضرائب «المرتشين منهم» والذين يتسببون فى تقليص قيمة الضرائب المستحقة على ممولين كبار ومن ثم إهدار المليارات على الدولة، كذلك لابد أن تقوم الجهات الرقابية بمتابعة الأسعار وتحركاتها فى السوق وإخطار الضرائب بها أولًا بأول، لأن هناك من يبيع بأسعار مرتفعة ويؤدى الضريبة على أسعار غير حقيقية، فى ظل عدم وجود رقيب قوى يكسر رقبة المتلاعبين بمصالح الدولة والمواطن من أجل مصالحه الشخصية.