الأحد 26 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

انقسام بين الأئمة والعلماء حول قرار توحيد الخطبة المكتوبة

انقسام بين الأئمة والعلماء حول قرار توحيد الخطبة المكتوبة
انقسام بين الأئمة والعلماء حول قرار توحيد الخطبة المكتوبة




تحقيق – عمر حسن

حالة من الجدل الشديد أثارها قرار وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، بشأن توحيد الخطبة المكتوبة على جميع المساجد فى مصر، الأمر الذى ترتب عليه حدوث تخبط بين الدعاة والعلماء فى تطبيق هذا القرار.
وقال الوزير فى تصريحات صحفية: إن الهدف من الخطبة المكتوبة  ليس سياسيًّا، وليس فيه مخالفة شرعية على الإطلاق، وإنما الهدف هو صياغة الفكر والفهم المستنير، وفق آلية تسهم فى تصحيح المفاهيم الخاطئة، وحرصًا على عدم الخروج عن وحدة الموضوع.

وأكد جمعة عدم وجود تقييد للسادة الأئمة والدعاة على الإطلاق من تنفيذ الخطبة المكتوبة، لأن الإمام له متسع كبير مع جمهوره من خلال الدروس والقوافل والندوات، مشيرًا إلى أن بموجب هذا القرار، لن يكون الخطيب أكثر انشغالًا باستحضار المعلومة بل سيكون أكثر تمكنًا من الأداء.
وعلل وزير الأوقاف قرار الخطبة المكتوبة وتوحيدها قائلًا: «بعض الخطباء لا يملكون أنفسهم على المنبر، سواء بالإطالة التى تخالف سنة النبى - صلى الله عليه وسلم- أو بالخروج عن الموضوع إلى جزئيات متناثرة لا علاقة لها بالموضوع، بما يربك المستمع ويشتت ذهنه. ويضيع المعنى المقصود من وراء الموضوع»، متابعًا: سيكون أداؤهم للخطبة المكتوبة مقروءة على المنبر أيسر وأحكم. من باب التيسير على هؤلاء. والضبط لأولئك. وتحقيق الرسالة التى تهدف إليها خطبة الجمعة على أكمل وجه ممكن».
وعن عدد المساجد التى سيتم تطبيق الخطبة المكتوبة عليها، قال وكيل وزارة الأوقاف، الشيخ جابر طايع، فى تصريحات خاصة، إن الخطبة المكتوبة سيتم تعميمها على جميع المساجد فى مصر، وهى أكثر من ألف مسجد، وذلك بحكم القانون والدستور، الذى يعتبر وزارة الأوقاف، المسئول الأول عن جميع المساجد.
تتلخص آلية التنفيذ، وفق تصريحات «طايع»، فى تعميم الخطبة المكتوبة ورقيًا على جميع المساجد، مع تقديم مديريات الأوقاف كشفاً بأسماء الخطباء المتميزين الذين يمكن السماح لهم بأداء الخطبة الموحدة ارتجالاً، وذلك بعد موافقة القطاع الدينى بالوزارة.
بين القبول والرفض، استقبل أئمة علماء الإسلام فى مصر هذا القرار، فمن جانبه قال وكيل الأزهر الأسبق، الشيخ محمود عاشور، إن توحيد خطبة الجمعة قرار معمول به بالفعل فى عدد من الدول العربية، مثل الإمارات والسعودية، مشيرًا إلى أن الغرض من القرار هو منع الشطط لدى بعض الخطباء، الذين لا يملكون أنفسهم على المنبر، ويتفوهون بعبارات خارج السياق.
ونفى عاشور فى تصريحات لـ«روزاليوسف» أن يكون الخطيب وفق هذا القرار مجرد قارئ، وإنما عليه أن يلتزم بالإطار المحدد للموضوع، ويعبر هو بأسلوبه عن الهدف، مُستشهدًا بالأحاديث المكتوبة فى الورقة، مُختتمًا: «لا نريد أن نستبق الأحداث، ويجب أن ننتظر حتى يتم تطبيق القرار بشكل كلي، ومن ثم نحكم على مدى جدواه من عدمها».
فى سياق متصل، أوضح القيادى الدعوى وأحد أئمة الأوقاف، الشيخ خالد أبوعيد الهاشمي، أن  لكل عصر ثقافته التى تختلف بتطور العصر، والإسلام لا يعارض التطور، بل يدعو إليه طالما أن هذا التطور وتلك الثقافة لا يمسان أساس الدين.
وأردف الهاشمى فى تصريحات خاصة أن الأئمة والخطباء اذا أرادوا نجاح دعوتهم والتأثير فى المجتمع، فعليهم مراعاة مقتضى الحال للمصلين أو السامعين، والتطوير من أنفسهم ليواكبوا تطورات العصر، لافتًا إلى أن تحديد الخطبة لتكون مكتوبة أو مرتجلة أمر يرجع إلى اختلاف القدرات والمهارات من خطيب لآخر.
وأشار إلى أن هناك من الخطباء من يكون الارتجال معهم أفضل، وذلك لما يمتلكونه من أدوات الارتجال وموهبة وعلم، وقدرة على استمالة المستمعين، فى حين يوجد خطباء تكون الخطبة المكتوبة معهم أفضل، وذلك ليس تقليلًا من شأنهم أو تشكيكا فى موهبتهم وعلمهم، لأنهم قد لا يتمالكون أنفسهم فوق المنابر، فيخرجون عن وحدة الموضوع، الذى يشتت السامع.
وأكد الهاشمى أن خطبة الجمعة ليست مجالًا للاستعراض، فهى أمانة تستوجب من جميع الدعاة الحفاظ عليها، لأنها الشعيرة التى تجمع المسلمين كل أسبوع، فالمستمع متعطش إلى معرفة ما يفيده فى دينه ودنياه، ولديه الثقة فى الداعية الأزهرى، مختتمًا: «المشكلة ليست فى الارتجال أو الكتابة، وإنما فى المضمون الذى يعرضه الخطيب الذى ينبغى أن يحافظ على ثوابت الدين».
على صعيد آخر، رفض رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالجامع الأزهر، قرار وزير الأوقاف بشأن توحيد الخطبة المكتوبة، متسائلًا بسخرية: «ما الحكم لو تم تسريب الخطبة قبل يوم الجمعة؟»، مؤكدًا أن هذا القرار يتماشى مع الدول الصغيرة مثل عمان والأردن، لكنه لا يصلح لدولة بحجم مصر، تتعدد فيها الأطياف والعادات والتقاليد من مكان لآخر.
وعلّل الأطرش سبب الرفض لـ«روزاليوسف» قائلًا: «خطبة الجمعة إذا لم تعالج مرض اجتماعى من أمراض الحى الذى يقيم فيه الإمام، فلا فائدة منها»، متابعًا: «الخطبة لسكان الزمالك ليست كالخطبة لسكان إمبابة، لذا فإن الخطبة الموحدة تقتل الهدف الرئيسى من صلاة الجمعة»، مؤكدًا أن هذا القرار لن يؤتى ثماره.
وذكر رئيس لجنة الفتوى الأسبق أن خطب الجمعة فى المملكة العربية السعودية مكتوبة لكنها ليست موحدة، ويمكن أن التأكد من ذلك عبر مشاهدة خطبة الحرم المكى والمدنى على التلفاز يوم الجمعة، متابعًا: «أما هنا سيقف الإمام على المنبر كالببغاء لأن الخطبة مفروضة عليه».
وعن ضرورة وجود آلية لضبط خطب الجمعة، اقترح الأطرش عمل دورات تدريبية لإعادة تأهيل الخطباء والأئمة، مع إحالة كل من لا يقوى على ارتقاء المنبر إلى عمل إدارى، وتحديد وقت محدد للخطبة، وأن يكون اختيار الخطيب بعيدًا عن الوساطة، وذلك كبديل لقرار توحيد الخطبة المكتوبة.
فى السياق ذاته انتقد وكيل وزارة الأوقاف سابقًا، الشيخ حسين خضر، القرار فيما يتعلق بتوحيد الخطبة، لكنه اتفق على أن تكون الخطبة مكتوبة، مقترحًا أن يتم تشكيل لجنة داخل كل مديرية أوقاف، لتحديد الموضوع الذى يتلاءم مع سكان كل منطقة، بجانب السماح للأئمة باقتراح الموضوعات، والاختيار فيما بينها، بحيث يكون الخطيب مقتنعاً بالموضوع قبل صعوده على المنبر، وطرحه على العامة.
وعن ضرورة أن تكون الخطبة مكتوبة قال «خضر» فى تصريحات خاصة: «فى الماضى كان يُعرف الخطيب المصرى ببلاغته وقوة بيانه، فكان لا يقرأ من ورقة، حتى إننا وقت سفرنا إلى البلدان العربية لم نكن نخطب من الورقة، لأنهم يعلمون جيدًا قوة الخطيب المصرى»، متابعًا: «أم الآن كثر الخريجين، وضعف مستواهم، وأصبحوا غير قادرين على اعتلاء المنبر دون ورقة، ولا يجوز أن يصعد الخطيب على المنبر دون تمكن، لأنه يعد قلة احترام للمستمع الذى ترك أشغاله وجاء لسماع خطبة الجمعة».
واختتم خضر قائلًا: «لا بد من تطبيق القرار بشكل تدريجى أولًا، ورصد نتائجه بدقة، حتى لا يفاجأ الناس بالشكل الجديد، فينفروا من الذهاب لصلاة الجمعة».
آراء المواطنين
وعن آراء المواطنين فى هذا القرار، قال طلعت خطاب، 32 عاماً، محاسب، إن هذا القرار لا يتماشى مع الهدف من الخطبة الجمعة، لأن كل حى وكل منطقة لها مشاكلها واهتماماتها الخاصة، التى يتناولها الخطيب بلغة تتلاءم مع طبيعة سكان هذه المنطقة.
وأضاف خطاب أن هذا القرار لا يعطى المساحة فى أن يعبر الخطيب عن رأيه دون توجيه أو إملاء من أحد، فلا بد أن يتمتع الخطيب بالاستقلالية فى تحديد الموضوع، وطريقة تناوله، مُتابعا: «هدف القرار هو السيطرة على كل ما يُقال للناس».
واختتم خطاب قائلًا: «الخطابة فن، يعتمد على المهارة فى جذب أذهان الناس، وإلهاب مشاعرهم، سواء بورقة أو بدون، أما غير المؤهلين فلا بد لهم من ورقة، أو ترك الخطابة لأهلها».
فيما استنكر أحمد رضا، 27 عاماً، قرار وزير الأوقاف قائلًا: «فى الماضى كنا نسخر من مشايخ السعودية لأنهم يقرأون خطبة الجمعة من ورقة، والآن أصبحنا مثلهم»، متابعًا: «الخطيب المصرى مشهور ببلاغته وقدرته على الحفظ بدون ورقة، وهذا ما كان يعطى بصيصاً من الأمل للنهوض بحال خطبة الجمعة، لأنه يدرك جيدًا هيبة الوقوف على المنبر ويعد لذلك بكل ما أوتى من قوة».
وتساءل رضا: «ما الفرق إذن بين خطيب الجمعة الآن وأى موقع الكترونى إسلامي؟»، مُختتمًا: «نحن نحتاج إلى ثورة دينية، ولا يوجد ثائر يقرأ من ورقة».
أما محمود عبد الوارث، طالب، 21 عاماً، فقال: «الدولة تريد السيطرة على خطب الجمعة بشكل واضح، وظهرت النوايا منذ توحيد موضوعات الخطبة»، متابعًا: «هذا القرار ترسيخ لتلك النية».
واختتم مستنكرًا: «الرئيس يريد تجديد الخطاب الديني، ويحث على ذلك فى جميع خطاباته، وما يحدث الآن ينافى هذه الرغبة!».