الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الغربة والهجرة غير الشرعية

الغربة والهجرة غير الشرعية
الغربة والهجرة غير الشرعية




د. محمد محيى الدين يكتب:
ليس أقسى على النفس أن نشاهد عشرات من الجثث لشباب فى عمر الزهور طافية على سطح البحر كان هدفهم الهروب من المعاناة التى يعيشون فيها ويتطلعون إلى تحقيق حياة أفضل رغم أنهم يعشقون تلك الأرض ولتحقيق هذا الحلم فقد جمعوا مدخراتهم وباعوا مصوغات زوجاتهم وسلموها لتجار الهجرة غير الشرعية الذين بدورهم وضعوهم فى سفن غير مؤمنة وبأعداد تفوق قدرتها على الإبحار بسلام وبشكل غير آدمى فى مشهد يذكرنا بتجار الرقيق فى القرون السابقة ولم تكن الحادثة الأخيرة هى الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد فالناجون منهم من الممكن أن يكرروا المحاولة أو أن يحاولها اقارب أو اخوة لهم ومن ثم فإن تلك الحادثة تكشف مدى المأساة التى يعيشها شبابنا والتى تدفعهم إلى المغامرة حتى بحياتهم للوصول إلى الشاطىء الأوروبى يعيشون عليه مطاردين من اجهزة الشرطة ويقبلون بالأعمال الوضيعة على أمل تحقيق ذواتهم فى يوم من الأيام.
وليس من العدالة أو الانصاف أن يستغل حاملو لواء المعارضة من أجل المعارضة فى وسائل اعلامنا وضع اللوم والمسؤلية الكاملة على الحكومة وانتهاز الفرصة لتصفية حساباتهم معها فالأمر أكبر واعمق من صب اللعنات على رأس الحكومة واتهامها بالتقصير وهى بلا شك أحد المسئولين بالطبع ولكن المسئولية هى مسئولية مجتمعية وتكشف عن فشل منظوماته المختلفة الاقتصادية والتعليمية والاعلامية ولعلنا نتذكر أن موسم الهجرة للخارج سواء للبلاد الغربية أو إلى دول الخليج بدأ مع الأخذ بسياسة الانفتاح الاقتصادى والذى أطلق عليه مفكرنا احمد بهاء الدين بانفتاح «السداح مداح» وهو بالتأكيد كذلك فرغم أن ما تم يخالف جوهر ومقصد تلك السياسة إلا أننا أفسدناها عندما أطلقنا العنان للقطط السمان والذين تحولوا إلى حيتان وإلى مليارديرات يتاجرون فى كل شىء من رغيف الخبز إلى التعليم واخيرا الاعلام الذى يخدم مصالحهم والاعلان الذى اصاب الشباب والمجتمع بلوثة الاستهلاك غير المحدود فى بلد لا ينتج مكونات افطاره الشعبى من فول وزيت ورغيف خبز
والنتيجة أن الشعب المصرى بطبقاته المختلفة تحول من الانتاج إلى الاستهلاك وارتفع سقف تطلعاته أو لنقل لم يعد هناك سقف لتطلعاته إلى الدرجة التى اصبحت تلك التطلعات تخنقه وتشجعه على الفساد الذى استشرى فى كل مناحى الحياه وشاركنا فيه جميعا والا فمن أين يأتى الكثير بدخل يسمح لهم بشراء وتغيير هواتف محمولة تعدى أثمان بعضها الآلالف من الجنيهات وسيارات يقترضون اثمانها وكماليات لا يستطيعون شراءها بدخولنهم المتواضعة والتى تتناقص قيمتها الحقيقية يوما بعد يوم نتيجة التضخم ومن ثم فقد اصبحنا نعيش فى مستوى يفوق دخولنا فأرهقنا ميزانية أسرنا بمصروفات المدارس والجامعات الخاصة وغير ذلك فيما لا طائل منه وأرهقنا ميزانية الدولة بفواتير الواردات التى شملت كل شىء من علبة الفول إلى الكبريت ناهيك عن السلع المستفزة وفى هذا المجتمع ونتيجة تلك التطلعات يقف شبابنا حائرا ماذا يفعل ليعيش ويتزوج ويمارس حياته الطبيعية حتى أصابه الإحباط وفقد الانتماء وانتشرت بينه الأفكار المتطرفة واصبح يقبل ان يخاطر حتى بحياته لمجرد ان يعيش كإنسان.
هل نلوم الحكومة لأنها تركت الحبل على الغارب للرأسمالية حتى توحشت أم إلى الحكومات المتعاقبة التى باعت أصول وشركات القطاع العام بتراب الفلوس والتى كانت توفر الأساسيات للمواطن العادى وتركت الشباب لا يجد وظيفة وإن وجدها فالدخل لا يتمشى مع متطلبات الحياة الضرورية وهل نلوم القائمين على التعليم الذى اتخذه البعض وسيلة لمص دم الأسر ثم لا يجد أبناؤها وظائف لأنهم غير مؤهلين لشغل المطلوب منها أم نلوم بعض إعلامينا وفنانينا الذين ملأوا الدنيا بصراخهم فيما لا يفيد وأقنعوا شبابنا أن القدوة الحقيقية فى البلطجة وأن الغاية تبرر الوسيلة
الموضوع أكبر من حادثة ولكنها جرس إنذار فإما أن نستطيع الإبحار ونصل إلى بر الأمان وإما أن نغرق ويومها لن يكون هناك عزاء لنا.