الخميس 31 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بورصة «الذهب الأبيض» فى «الحضيض».. والفلاح «بيغنى ظلموه» فى بنى سويف

بورصة «الذهب الأبيض» فى «الحضيض».. والفلاح «بيغنى ظلموه» فى بنى سويف
بورصة «الذهب الأبيض» فى «الحضيض».. والفلاح «بيغنى ظلموه» فى بنى سويف




بنى سويف – مصطفى عرفة


تسبب عدم تسويق محصول القطن وانخفاض أسعاره، فضلا عن ارتفاع مستلزمات إنتاجه، فى عزوف فلاحى بنى سويف عن زراعته، وبعد أن كانت المحافظة تقوم بزراعة نحو 110 آلاف فدان سنويا منذ 9 سنوات، تقلصت المساحة إلى 7 آلاف فدان فقط هذا العام، الأمر الذى شكل ضربة قوية لهذا المحصول الاستراتيجى، الذى كانت تعتمد عليه مصر طويلا فى صناعة النسيج المتميز.
لم يكن هذا فحسب بل كان أحد روافد الدخل القومى للدولة، بل كانت له بورصة عالمية يتحكم فيها الفلاح المصرى، ناهيك أن تكلفة زراعة المحصول وخدمته العالية وبقائه فى الأرض شهورا طويلة ومعاناة المزارع فى التسويق أو الحصول على السماد والمبيدات تسببت فى هروب الفلاحين إلى المحاصيل الأخرى.
موسم القطن «الذهب الأبيض» حلم تبخر عند معظم الفلاحين، بعد انهيار منظومة زراعته، حيث يتمنون عودة اليوم الذى يكسو القطن أراضيهم وتعود الأفراح تملأ القرى والعزب والنجوع لتعود المصانع إلى العمل وتشتغل بمحصولهم، علاوة على أنه كان يدر عليهم دخلا مناسبا، وكان الكثير يعلق على هذا المحصول سداد ديونه، بل وأجمع الفلاحون أن موسم القطن كان أجمل أيام العمر، لأنهم زوجوا أولادهم وأقاموا الأفراح، لكن دوام الحال من المحال.
المزارع عبده حميدة زهران، يؤكد أنه لم يزرع القطن منذ أكثر من 5 سنوات لأنه يحتاج إلى خدمة عالية التكاليف ومجهود شاق فى متابعته طوال فترة وجوده فى الأرض، والعائد لا يغطى تكاليف زراعته، فضلا عن أنه كان يتكدس فى منزله بالأشهر ويتسول تسويقه بأى طريقة ولو بالخسارة.
ويقول الحاج محمود الراوى، 70 سنة: «أنا مواظب على زراعة القطن كل عام حتى لو زرعته وحدى فى المحافظة»، منوها إلى أن محصول القطن من أهم المحاصيل الزراعية التى يعتمد عليها الفلاح فى سداد ديونه، علاوة على أن أيام جمع المحصول من الأرض كانت أيام فرحة ورزق، حيث كان يخرج الفلاح وزوجته وأولاده للحقل بعد الفجر لجمع المحصول.
ويضيف: «كل واحد من المزارعين كان بيرتب لمستقبله من خلال الربح الذى سيجنيه، ومعظم الفلاحين كانوا يرتبون لزواج بناتهم على موسم جنى القطن، الذى كان التجار يتهافتون على شرائه طبقا لتسعيرة وزارة الزراعة، التى لم يكن أى تاجر يجرؤ على مخالفتها أو التلاعب فيها، لكن تغير الحال الآن ونبحث عن أى تاجر لشراء المحصول الذى تراكم فى المنزل، مطالبا بالاهتمام الحكومى بالمحصول الاستراتيجى عن طريق توفير الأسمدة والمبيدات وضمان تسويقه وبيعه بأسعار تحقق هامش ربح للمزارعين.
ويشير إسماعيل إبراهيم، مزارع، إلى أنه لم يزرع القطن منذ 8 سنوات، مؤكدا أن زراعة القطن فى الماضى كانت هى الأولى بالنسبة للجميع لأن العائد كان وفيرا والفدان كان ينتج أكثر بكثير مما هو عليه الآن، قائلا: «وبصراحة كده البذرة مضروبة وحتى الأدوية الزراعية والمبيدات غير صالحة».
ويؤكد محمد درويش محمد، مهندس زراعى: الذهب الأبيض فقد قيمته عند الفلاح وفقد عرشه عند الحكومة وأصبح محصولا غير مرغوب فيه لعدة أسباب، منها: ضعف العائد الاقتصادى وارتفاع التكلفة إلى أرقام قياسية مقارنة بزراعة الخضروات والفاكهة أو حتى البرسيم الذى يدر ربحا كبيرا للفلاحين.
وبحسرة يقول الحاج نصر عربى صالح، مزارع من مركز الواسطى: القطن تحول إلى محصول ليس له قيمة بعد الانخفاضات المتتالية فى أسعاره إلى أقل من 1000 جنيه للقنطار، وعدم وجود مشترين له أو شركات تقوم باستلامه من المزارعين أو الحلقات والشون، منوها إلى أن الحكومات السابقة قبل ثورة 25 يناير كانت تهتم بجميع مراحل زراعة القطن من أول يوم حتى موسم الحصاد، من خلال توفير تقاوى وأصناف جيدة مثل طويل التيلة والمتوسط والقصير، وهذه التقاوى كانت تعطى إنتاجا وفيرا أكثر من 12 قنطارا للفدان.
ويتابع: كما كانت الحكومات السابقة تقوم بالمكافحة التى كانت تتم عن طريق الرش بالطائرة التى تقضى على الآفات، وكان الجنى يتم تحت إشراف مهندسى الإرشاد الزراعى والجمعيات الزراعية مع توفير المبيدات الفعالة لمقاومة دودة القطن، وكل ذلك تغير الآن لأن الدولة رفعت يدها عن الفلاح وتركته يواجه مصيره ليس فى القطن فقط لكن فى جميع المحاصيل، قائلا: «بعد إلغاء الدورة الزراعية طبعا كل فلاح هيزرع اللى على كيفيه لضمان تحقيق أكبر هامش ربح».
أما سيد عبدالرحمن عمر، فلاح من مركز ناصر، فيقول: «زرعت القطن السنة اللى فاتت وياريتنى ما زرعت عشان الفدان بعد عذاب جاب 8 قناطير بسبب فساد المبيدات وخلط أصناف التقاوى بالجمعيات الزراعية وغياب الإرشاد الزراعى تماما حتى تطهير الترع والمصارف لا تتم بذمة»، الأمر الذى تسبب فى انتشار القوارض، وارتفاع منسوب المصارف الزراعية أغرق الأرض وأضعف التربة.. ويشكو محمد عبدالباقى، مزارع من مركز بنى سويف، من أن الفلاح لا يمكن أن يسوق القطن بمفرده شأنه شأن جميع المحاصيل الاستراتيجية كالقمح وقصب السكر والأرز، لذلك يعتمد على الحكومة، والغريب أنها تقوم بشراء باقى المحاصيل وتهمل القطن وتتركنا فريسة للشركات والمحالج الخاصة التى تتحكم فى السعر.. بسخرية يقول محمد عبدالعظيم محمود، فلاح من مركز بنى سويف: «فكرتونا بالقطن هو فيه حاجة اسمها قطن، دلوقتى فيه كنتلوب ومش عارف إيه، واتحدى لو كان فيه حد من الأجيال الجديدة يعرف فى زراعة القطن، وبعدين عايز تخلينى أزرع قطن علشان أقعد أغنى جنبه ظلموه، وفين الأيدى العاملة التى هتنقى الدودة وتشيل اللطع وتحصد فى الجلابية».
من جانبه أكد المهندس عبدالعظيم عبدالجواد، وكيل وزارة الزراعة ببنى سويف، أن المساحات المنزرعة بمحصول القطن تقلصت من 110 آلاف فدان منذ 9 سنوات إلى 7 آلاف فدان هذا العام إكثار بزيادة 2000 فدان عن العام الماضى، مشيرا إلى أنه تم استنباط هجن جديدة «مبشرة» منها أنواع «جيزة1 ـ جيزة2 ـ  جيزة3» مقاومة للأمراض وذات انتاجية عالية، مطالبا بتبنى خطة تسويقية لهذا المحصول المهم.