الأحد 26 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ذكرى رحيل أمير الشعراء.. أحمد شوقى.. شاعر العصر




شعراؤنا شموس فى سماء الإبداع ينيرون لنا ببصيرتهم الإبداعية مالم نخبره من تاريخنا المعاصر.. تمر بنا هذه الأيام ذكرى رحيل شاعر من طراز خاص وموهبة فريدة مكنته من إمارة الشعر العربى لما يمتلك من خيال خصب ودقة فى الطرح وبلاغة فى الإيجاز وقوة الإحساس وصدق فى المشاعر، ولد أحمد شوقى فى السادس عشر من أكتوبر عام 1868 ورحل عنا فى الثالث عشر من ديسمبر عام 1932.
 
 يتبوأ أمير الشعراء أحمد شوقى مكانة مرموقة فى تاريخ الأدب العربى الحديث، بسبب عطائه الادبى الغزير والمتنوع، واستطاع ان يشغل الناس فى حياته وبعد مماته شأنه شأن شاعر العربية الأكبر أبو الطيب المتنبى.
 
جاء شوقى الى الوجود عام 1869 وكانت الظروف مهيأة ليكون شاعرا متميزا فهو ينحدر من عنصر تركى وآخر شركسى، وعنصر يونانى وآخر عربى كردى فتآزرت هذه العناصر وأخرجت منه شاعرا ممتازا، لعل مصر لم تظفر بمثله فى عصورها المختلفة، وسلك شوقى التعليم المدنى، وألحقه والده بمدرسة الحقوق ليدرس القانون، وسافر الى فرنسا مبعوثا من الحكومة المصرية، ورجع ليعمل بالقصر الملكى وظل به أكثر من عشرين عاما، حيث قربه الخديوى عباس وكان يستشيره فى بعض أحواله وكان داعية له ولسياسته عند الجمهور وفى الصحف العامة، وظل يعمل مع عباس حتى نشبت الحرب العالمية الاولى عام 1914 ومنع عباس من دخول مصر واعلنت الحماية البريطانية وتم نفى شوقى الى اسبانيا، حيث ظل طوال الحرب فى برشلونة لا يبرحها ولا يفارقها، فلما وضعت الحرب اوزارها استرد حريته وتنقل بين ربوع اسبانيا ورجع الى مصر عقب ثورة 1919، فرأى باب القصر مقفلا دونه، ورأى دماء المصريين تسيل فى الشوارع، واستقبله الشباب بحماس شديد فتضامن معهم واحتضن قضيتهم، وغادر حياة القصور الى ارض مصر المخضبة بالدماء وزار سوريا ولبنان والشعوب الناطقة بالضاد واختلط بالمصريين فى النوادى والمقاهى والمطاعم وشاركهم همومهم وأحلامهم وتناول الشئون الاقتصادية والسياسية واختير عضوا بمجلس الشيوخ.
 
يقول عنه الدكتور شوقى ضيف: لقد أوتى شوقى من حلاوة موسيقاه وعذوبتها مع روعتها وفخامتها ما جعلنا نشبه آياته الكبرى منها بالسمفونيات الخالدة.
 
وموسيقى شوقى فى شعره هى لب ابداعه، وكان ينتصر بموسيقاه على خصومه، فكانوا يحاولون ان يبعدوا الناس عنه، ولكن الناس لم تلتفت الى نقدهم وتهافتوا على شعر شوقى كما يتهافت الفراش على النار. ولا تزال أشعار شوقى ترن فى آذان العرب، ولا يزالون ينجذبون إليها، وكأنها مغناطيس العصر الشعرى، فهى مفزع قلوبهم ومهوى أفئدتهم، وبجانب هذه الموسيقى نجد الخيال المتألق الذى يعرف كيف يلتقط الصورة البعيدة، وكيف يملأ علينا الدنيا بأشباحه وأوهامه.
 
ولم يكتف احمد شوقى بأن يكون الشاعر المبرز فى زمانه فيقتصر نشاطه الابداعى على فن القصيدة ولو فعل لكفاه أن يكون شاعر عصره ولكن طموحه الادبى كان يجاوز هذه الغاية وإلى المغامرة فى عالم المسرح استهل نشاطه المسرحى بمسرحيته (كليوباترا) ثم اعقبها بـ"مجنون ليلى" و"قمبيز" و"على بك الكبير" و"عنترة" و"اميرة الاندلس" و"الست هدى" و"البخيلة" واذا اردنا ان نتمثل العلاقة القوية بين نتاج شوقى المسرحى ونتاجه الشعرى اذا اخدنا فى الحسبان مصادر هذه المسرحيات، فأربع منها مستمدة من التاريخ وهى قمبيز وعلى بك الكبير وأميرة الاندلس واثنتان منهما مستمدتان من روايات شبه تاريخية هما عنترة والمجنون واثنتان منهما تضربان بجذورهما فى قلب الواقع الذى عايشه شوقى هما الست هدى والبخيلة. فاذا عرفنا ان المسرحيات الاربع الأولى قد اتصلت بالملوك والامراء والولاة وحياة القصور اتصالا وثيقا ادركنا العلاقة الموضوعية والنفسية بين هذه المسرحيات وكثير من قصائد شوقى فى الاسرة المالكة وفى وصف حياة القصور التى خبرها عن قرب. واذا عرفنا ان المسرحيتين التاليتين قد اتصلتا بشاعرين عربيين كانت عاطفة الحب مدار حياتهما، ادركنا كذلك العلاقة الموضوعية والنفسية بينهما وبين قصائد شوقى الغزلية التى حاول ان يشرح فيها عاطفة الحب وان يسمح لنفسه بالتعبير عن مشاعره الذاتية، ثم تأتى المسرحيتان الاخيرتان فتعلنان باتصالهما المباشر بالواقع الاجتماعى عن مرحلة التحول فى شعر شوقى الى هموم الشعب ومشكلاته. وايضا فان الاتصال بين الفكاهة الشعبية الساخرة فيهما وشعر المداعبة عنده لا يحتاج الى بيان.
 

 
وقد غنى شوقى للشعب المصرى عواطفه الوطنية الماضية والحاضرة مثل قصيدته (نهضة مصر) كما وضع الاناشيد لينشدها النشء مثل قصيدة (نشيد الكشافة) كما حلق بقيثارته الشعرية فى اجواء العالم العربى مثل قصيدة (دمشق)، كما دعا الى الوحدة بين المسلمين والمسيحيين فى قصيدته (فروق) كما اشاد بمشاركة النساء فى الحركة الوطنية والاصلاحات الاجتماعية فى قصيدته (بين الحجاب والسفور) حيث تناول فيها الحرية وذل القيد والعبودية، كما ان قصيدته (مملكة النحل) ترمز الى الامة الحية العاملة التى لا يعرف ابناؤها البطالة والفراغ كما دعا العمال فى قصيدة حماسية يدعوهم الى الكد والسعى ورثى سعد زغلول بقصيدة تعبر عن حزن مصر على فلذة كبدها، كما رثى فوزى الغزى احد زعماء ثورة دمشق، واتخذ من بطولة عمر المختار للعرب القدوة الرفيعة، كما تناول بالرثاء الشخصيات التى كان لها تأثير فى مسيرة الانسانية فرثى الموسيقار الايطالى الشهير (فردى) والاديب الروسى الكبير تولستوى، وتغنى بفلسفته وزهده ودعوته للاشتراكية وافاض فى تصوير البائسين والفقراء، وتحدث حديثا مستفيضا عن الحياة والموت، وادار بعض جوانب هذا الحديث بين تولستوى وابى العلاء المعرى. ووقف على قبر نابليون ورثاه رثاء بديعا تعرض فيه لأطراف من تاريخه وانتصاراته ولمعانه ثم انطفائه. وتبنى شوقى موهبة الموسيقار محمد عبد الوهاب الذى نفخ فى روح صوته، واطار اسمه فى الافاق واصطحبه فى رحلاته الى فرنسا والشام وكانا يكملان بعضهما واستنفد خير ما عنده من موهبة وفن، فكان شوقى يصنع الاغانى ومحمد عبد الوهاب تحت عينيه يبدع الانغام والالحان مثل: (يا جارة الوادى) حيث قال عبدالوهاب: ان شوقى لم يكن يبيح لى أن اذيع لحنا قبل ان يراجعنى فيه مرارا).
 
واشتهر بلقب امير الشعراء منذ عقدت له البيعة عام 1927 وظل اللقب مرتبطا به حتى بعد رحيله عام 1932.