الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الـرئيس المتجـرد

الـرئيس المتجـرد
الـرئيس المتجـرد




مدهش أمر الرئيس عبدالفتاح السيسى يطل علينا فى اللقاء الرابع لمؤتمر الشباب بعد مرور ثلاث سنوات على فترة حكمه ليواجه الرأى العام مباشرة ليخضع بإرادته لعملية تقييم عملية ومتصلة، لكن إطلالته هذه المرة اتسمت بالأريحية الشديدة عكستها لغة جسده التى عبرت عن حالة سلام داخلى أدت إلى انسيابية لفظية وحركية ملحوظة، بالإضافة إلى ثبات انفعالى فى ردة الفعل المعلن أدت لحالة من البهجة المنضبطة استشعرها الحاضرون.
إطلالة الرئيس لا تعبر عن حالة نفسية شخصية إنما تنعكس تلقائيا على المزاج العام للحاضرين والمتابعين، وتبعث حالة من الطمأنينة العامة، وغالبا ما تعكس واقعا حقيقيا لأن الرئيس لو أراد أن ينقل مشاعر غير حقيقية لكان من الأفضل ألا يواصل إصراره على مواجهة الرأى العام ليضع نفسه - فى كل مرة - محلا للتقييم المباشر والمتجدد، ليس شخصه فقط ولكن الحكومة بأكملها، وهى حالة تعكس إلمام وإيمان الرئيس بأهمية الاتصال الشخصى المباشر دون حواجز، كما تتيح للرئيس القيام بجولة مكوكية افتراضية عندما يستمع لآراء الشباب من كل المحافظات فى آن واحد.
الإصرار على المواجهة يؤكد قيمة التجرد كسمة رئيسية من السمات الشخصية للرئيس عبد الفتاح السيسى الذى يمارس المواجهة كمنهج ثابت رغم كل مخاطرها التى قد تعرض صاحب المقام الرفيع لاصطياد المغرضين وتقييمات المنظرين، لكن يبدو أن الرئيس وقبل مواجهة الرأى العام قد قرر مواجهة ذاته وتقييمها لحظيا، فانعكس ذلك على أدائه المعلن بحالة ملحوظة من الاتزان السياسى.
المتابع لأداء الرئيس لا بد أن يلحظ تطورا نوعيا بارزا نتج عن تحديات أدت لتنوع الاستجابات، إلا أن هذا التطور لم يصحبه أى شبهة استعلاء أو رغبة فى الانعزال، ولم تفارقه قدرته على ضبط النفس، كما لم يخالطه مرة واحدة أداء تمثيلى لصالح الشعبية على حساب الإنجاز والإصلاح، مدهش أمر الرئيس الذى يبدو آخر المنشغلين بالانتخابات الرئاسية المقبلة.
المواجهات المتكررة تقوم أساسًا على مواجهة المستقبل ممثلا فى الشباب الذى يملك هذا المستقبل، لتكشف عن حالة تجرد جديدة يمارسها الرئيس عن كثب وعن عمد ليقدم نموذجا جديدا للقيادة التى تبنى وترمم لتسليم الجيل القادم دولة مكتملة الأركان وصالحة للقيادة المباشرة، عملية البناء من أجل الغير ليست أمرا يسيرا، ولا يمكن أن تتم إلا من خلال مقدرة صلبة على التحكم فى الأهواء والسيطرة على مغريات الشعبوية التى تطلبها الجماهير أحيانا وتمنح القيادة فرصة للمماطلة السياسية باستخدام الشعارات .
إطلالة الرئيس هذه المرة ظهرت مرتكزة على قاعدة من الثقة تخلو من أى استعلاء، إلا أنها لا تخلو من الأمل، حالة الأمل انعكست على الحاضرين وأحدثت تحولا نوعيا فى المزاج العام، إلا أنها كشفت عن قصور إعلامى فى تحقيق التواصل بين القيادة والجماهير، ليظهر الرئيس فى كل مرة مهموما بشغل تلك الفجوة .
الظهور المتكرر للرئيس يفرض عملية تقييم دورية وعلنية وتمنح المواطن والناخب حق المعرفة وحق الاختيار، كما لو كان الرئيس يهدف للخضوع المستمر لحالة علنية من المحاسبة الجماهيرية، وهى حالة لا يمكن أن تتكون فى ذهنية أى رئيس إلا لو كان قراره الاستراتيجى هو عدم خداع نفسه أولا.                                                   اقرأ صـ2