الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الأزهر يرحب بقانون تجريم زواج القاصرات

الأزهر يرحب بقانون تجريم زواج القاصرات
الأزهر يرحب بقانون تجريم زواج القاصرات




كتب - صبحى مجاهد وعمر حسن

فى عام 2008 رفعت الحكومة سن زواج الإناث من 16 إلى 18 عامًا أسوة بالذكور بحسب المادة 31 مكرر من قانون الأحوال المدنية، إلا أن الثغرات القانونية حالت دون تنفيذ هذه المادة إلى حد كبير، وتركت فرصاً من شأنها التحايل على القانون بالزواج المبكر «غير الموثق»، خاصة فى القرى والنجوع النائية بالأرياف والصعيد، عن طريق الاتفاق بشكل سرى مع إمام المسجد بعمل عقد زواج عرفى، حتى تتم الفتاة 18 عاما ومن ثم يتحول إلى عقد زواج رسمي، وقد ترتبت على ذلك عواقب وخيمة، منها أن  14.6% من الفتيات المتزوجات فى مصر يتزوجن فى سن من 15 إلى 19 سنة، وذلك وفقا لنتائج المسح الصحى السكانى الأخير.

وخلال احتفالية التعداد السكاني، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى ضرورة الحفاظ على البنات القاصرات من ظاهرة الزواج المبكر، متعجبا من عدد المتزوجات فى سن الـ12، وأعقب ذلك الحديث إعلان وزارة الصحة الانتهاء من إعداد قانون لتجريم زواج الأطفال ممن هم أقل من 18 عاما، والذى عُرف باسم «قانون إنشاء المأذونيات وتنظيم عمل المأذونين».
وقد نص القانون على مجموعة البنود أهمها: «حظر  قيام المأذون بمباشرة عقد الزواج أو المصادقة عليه ما لم يكن سن الزوجين 18 عاما وقت عقد القران، وتجريم قيام المأذون بالتصديق على زواج عرفى يكون قد وقع سابقا»، وكذلك «منع قبول أى شهادة طبية لتجديد السن لأى من الزوجين»، على أن يتم توقيع عقوبة قانونية على المشاركين فى تلك الجريمة، وينتظر مجلس النواب رأى مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف لتلافى عدم الدستورية، ومن هنا أحيلت المسئوليات على عاتق المؤسسات الدينية، فبدأ الحديث حول مدى شرعية تزويج الفتاة دون سن الـ 18 عاما.
ووفقا للدستور فلا بد من عرض القانون على الأزهر الذى ابدى علماؤه تأييدهم الكامل له فمن جانبه أكد الدكتور حامد أبو طالب، عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، تأييده الكامل لمشروع القانون الذى يشدد العقوبة على المأذونين والمحامين المشاركين فى تزويج الفتيات الصغيرات دون سن الثامنة عشرة.
وبرر «أبو طالب» موافقته على مشروع القانون بقوله: «عرفنا من الأطباء أن الفتاة التى تتزوج دون سن الثامنة عشرة تتسبب لنفسها فى مشاكل صحية كبيرة، إذ إن أعضاءها التناسلية لم تكن قد اكتملت بعد فى ذلك السن، وصحيح انها ستحمل ويكون وعاء الحمل صغيرًا، لكنه سيتمدد عبر شهور الحمل، وتصبح المشكلة عند الولادة، فكثيرا ما تصاب الفتاة الصغيرة دون سن الثامنة عشرة بمرض الناسور الشرجى أو الناسور البولى، والذى يؤدى إلى نزول البول والغائط بدون ضابط، وذلك الموضوع لو يحدث مع فتاة من بين 10 فتاة صغيرة ينبغى أن نلفظه».
وبيّن عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق، أن المعارضين لمشروع القانون يبررون رفضهم باكتمال أنوثة الفتاة ربما فى سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، معلقا على ذلك بقوله: «هم ينظرون إلى الناحية الجنسية، والزواج لا يقصد منه ناحية جنسية فقط، ولكن يقصد من ورائه بناء لبنة قوية فى المجتمع، فهل تستطيع البنت فى سن 16 سنة أن تبنى أسرة وتربى الأطفال؟».
وتابع «أبو طالب» قائلا: «من ناحية أخرى، اُتخذ زواج القاصرات وسيلة لشراء خادمة فى المنزل داخل مصر وخارجها، فنظرا لندرة العاملات فى البيوت الآن ابتكر بعض الأشخاص هذا الأسلوب لأخذ الفتاة فى سن الثانية عشرة من أسرتها تحت مسمى الزواج، فيتركها زوجها لخدمة أمه وإخوته وربما زوجته الأولى فى كثير من الأحيان، ومن تخرج الطفلة من التعليم وتتفرغ للخدمة».
واستطرد عضو مجمع البحوث الإسلامية فى تصريحاته لـ «روزاليوسف» قائلا: «تعود الفتاة الصغيرة بطفل أو طفلين لأسرتها وتعكف هى على تربيتهم بعد استحالة المعيشة فى تلك الظروف الصعبة، فيأتى أطفال بدون أب، وتتفجر مشاكل كارثية فى المجتمع، طبعا بخلاف الزيادة السكانية بشكل غير سليم على الإطلاق».
وأوضح عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق أن عددا من المأذونين والمحامين يشاركون فى جريمة تزويج القاصرات مقابل مبلغ زهيد من المال، لذا يجب أن توقع عقوبة قانونية عليهم، لأنهم يساهمون فى إلقاء فتاة صغيرة فى الجحيم.
ومن جانبه أكد الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أنه لا يوجد دليل شرعى بتحديد سن الزواج للولد أو البنت، وما يحدث من تحديد سن للزواج فهو مجرد اجتهاد، لا يمتلك صاحبه دليلا من القرآن أو السنة، باستثناء الذين استشهدوا بزواج الرسول - صلى الله وعليه وسلم- من السيدة عائشة -رضى الله عنها- وهى فى سن التاسعة.
وأوضح عضو مجمع البحوث الإسلامية أن فى هذا العصر يجب علينا أن نعطى فرصة للبنت أن تكمل تعليمها، وكذلك الولد فتلك هى ضرورة العصر، وعليها يجب أن تكون الاجتهادات الفقهية، خاصة أن البنت لن تكون قادرة على تحمل المسئولية دون سن الثامنة عشرة، حتى إن كان مسموحا بتزويج القاصرات فى عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فالظروف اختلفت عن ذى قبل، مختتما: «تقع حالات طلاق بالجملة بسبب الزواج المبكر للبنت والولد، إلى جانب وجود احتمالات استحالة المعاشرة الزوجية فى بعض الحالات، خاصة من الناحية النفسية».
وفى سياق متصل، قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة والفقه المقارن بجامعة الأزهر، «إن فقه المعاملات فيما يخص كل العقود يرتبط بالإيجاب والقبول، الذى يرتبط بدوره بالإرادة والرضا، وهذا لا يتحقق إلا أن يكون الإنسان بالغا عاقلا رشيدا»، مستشهدا بالآية الكريمة من سورة النساء، والتى تقول: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ.. الخ»، والرشد هنا يعنى «حسن التصرف والبصر فى العواقب»، وذلك لا يتأتى إلا بعد البلوغ الذى تناط به العبادات تكليفا وإلزاما.
وأضاف «كريمة» فى تصريحاته لـ«روزاليوسف» أن الفقهاء قدروا سن الرشد للأنثى 18 عاما، وللذكر 21 عاما فما فوق، مشيرا إلى أن إدعاء البعض بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوج من السيدة عائشة -رضى الله عنها- فى سن التاسعة هى أكذوبة كبرى، مؤكدا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تزوج من السيدة عائشة -رضى الله عنها- فى سن الثامنة عشرة، لأنها كانت مخطوبة فى مكة قبل الهجرة النبوية من شخص آخر يدعى «جبير بن مطعم»، وكانت فى سن التاسعة حينها، فكيف لـ «جبير» أن يخطب طفلة دون سن التاسعة، فى حين يدعى البعض أن النبى -صلى الله عليه وسلم- تزوجها فى سن التاسعة؟
وفسر أستاذ الشريعة والفقه المقارن، انتشار ذلك لقول المغلوط، خاصة يبن «المتسلفين» بأن هناك أحد الرواة التاريخيين أخطأ فى نقل المعلومة، لكن غيره من المؤرخين قالوا إنه فعل ذلك سهوا، أو تصحيحا من الناسخ للتاريخ.
 ومن ناحيتها أكدت الدكتورة سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه لا يوجد دليل شرعى على حرمانية تزويج الفتاة دون سن الثامنة عشرة، ولكنها تجد أن المصلحة الشرعية تكمن فى رفع سن زواج الفتاة لثمانية عشرة عاما، مبررا ذلك بقولها: «ضعف صحة البدن، وعدم قدرة الفتاة على تحمل المسئولية يدفعنى لتأييد ذلك القانون، وصحيح أن البعض ينفى وجود دليل شرعى لذلك، لكن المقاصد الشرعية تعد بمثابة دليل».
وردا على آراء البعض بأن اكتمال النضج العقلى والجنسى ربما يختلف من فتاة لأخرى، وقد يكون اكتمل فى فتاة سنها 16 سنة، قالت «صالح»: «الأحكام تنزل للغالية وليس لأفراد قلة، شأنها شأن القوانين التى تطبق على الجميع»، مختتمة: «ذلك القانون سيقلل أيضا نسب الطلاق ويحافظ على استقرار الأسر.. والحاكم من حقه فرض ذلك القانون، وعلينا الطاعة، عملا بقوله تعالى: يا أيها الذين آمنو أطيعوا الله والرسول وأولى الأمر منكم».
فيما أكدت د.  مها عقل عميدكلية طب البنات جامعة الأزهرسابقا ومدير مستشفى الدعاة على خطورة زواج القاصرات على بناء الفرد والمجتمع، مبينة أن خطورته تتمثل فى سلب البنت القاصر حق الاختيار لزوجها وفقدان المودة والمحبة بين الزوجين وتمزيق أواصر الأسرة وإخراج أجيال غير صالحة للمجتمع وغير مواكبة للتطور العلمى والتكنولوجى.
ولفتت  إلى أن زواج القاصرات له أضراره الصحية الكامنة اضطرابات الهرمونات كنتيجة سلبية للزواج المبكر التى تؤدى إلى سرطان الثدى فى فترة الحمل كما يعرضها للنزيف أثناء الحمل، كما يفقد القاصر حق الأمومة، فالشعور العاطفى والأمومة لم تكتمل لديها، كما أنه يحرمها من أن تعيش مرحلة الطفولة كاملة مما يدفعها إلى إساءة معاملة طفلها فى حين أنه أمل أمته، كما أنه يؤدى إلى حرمان الفتاة من التعليم فلو حرمت من العلم لن تستطيع مواجهة مخاطر الحياة، كما أن الزوج يضار أيضا بفتاة فى عُمر ابنته حيث يوجد تفاوت فى المراحل العمرية بين الزوج والزوجة مما يسبب العديد من الأمراض النفسية والعصبية والبدنية التى تهدد أمن المجتمع وسلمه.