الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نجحت سنغافورة فى مواجهة التطرف

كيف تستفيد مصر من هذه التجربة؟

ترجمة: سعيد شعيب



 نجحت سنغافورة الى حد كبير فى إعادة تأهيل المتطرفين المسلمين وادماجهم فى المجتمع مجدداً، هذه التجربة استمرت حتى الآن حوالى 17  عاماً.. فما هى تفاصيل هذا البرنامج وكيف تطور وكيف حقق هذا النجاح؟  

سنغافورة الدولة العلمانية المدينة المتعددة الثقافات، التى تصل مساحتها قرابة 700 كيلومتر مربع تقريبًا، تضم أكثر سكان العالم تنوعًا على وجه الأرض.

من الأديان الرئيسة الممثلة هناك المسيحية (18.8%)، والبوذية/الطأو ية (43.2%)، والإسلام (14%)، والهندوسية (5%).. فى الواقع، لم تشهد الدولة أيَّ هجومٍ إرهابى من قبل تنظيم القاعدة أو من داعش. غير أن قربها من إندونيسيا أبقى مستوى الاستعداد فيها مرتفعًا جدًّا دومًا. ذلك أن إندونيسيا تم استهدافها مرارًا من قِبَل “الجماعة الإسلامية” المرتبطة بتنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المتطرفة العنيفة.. وكان الحادث الإرهابى الأكثر دموية فى الدولة هو هجمات بالى التى وقعت فى أكتوبر من عام 2002 وأسفرت عن مصرع 202 شخص.

 وهذا نبه سنغافورة الى اهمية العمل على مكافحة التطرف بقوة وتبنى خطط طويلة الأمد. هنا تشير دراسة كتبها دكتور شاشى جايكومار رئيس مركز التميز للأمن القومى فى سنغافورة الى ان «الجماعة الإسلامية» فى إندونيسيا ولدت من رحم شبكة «دار الإسلام»، التى ظهرت فى إندونيسيا فى الأربعينيات كحركة مناهضة للاستعمار الهولندي. ولكن بعد الاستقلال، تحول تركيز شبكة دار الإسلام إلى “العدو الداخلي”، وهو ما حدث فى العديد من الدول الأخرى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا. وركزت شبكة دار الإسلام فى عملها على ان الحكومة الإندونيسية غير الثيوقراطية، مناهضة للدين الإسلامي، وصوّرت نفسها على أنها القادرة على تمهيد الطريق لتطبيق الشريعة الإسلامية.

 وطبقاً لهذه الدراسة التى استعرضها مركزEuropean Eye on Radicalization  للدراسات،  فان خلية الجماعة الإسلامية فى سنغافورة قد بدأت، وظلت حتى عام 1999، بقيادة إبراهيم مايدين؛ واعظ دينى سنغافورى علَّم نفسه بنفسه، وكان لديه خبرة سابقة فى أفغانستان، حيث اختلط مع المجاهدين من بلدان مختلفة.

 قررتِ السلطات السنغافورية مبكراً فى بداية القرن الحادى والعشرين دعوة كبار علماء الإسلام من المؤسسات المحترمة داخل المجتمع المحلى لإجراء مقابلات مع المحتجزين. وتمكن صناع السياسات من التصرف بسرعة كبيرة، واختاروا نهجًا يلعب فيه الدين دورًا رئيسًا، وأظهروا الاحترام للطائفة المسلمة الكبيرة، التى كان يغلب عليها الطابع السلمي.

 وقد أُسندت إلى علماء الدين المهمة الأساسية المتمثلة فى تقييم إيديولوجية السجناء ومعتقداتهم، وأظهرت الاتصالات الأولية التى أجراها كبار رجال الدين مع معتقلى الجماعة الإسلامية أن المحتجزين لديهم نظرة عتيقة وقديمة عن الإسلام وبعض مبادئه الرئيسة، فضلًا عن نظرة عالمية تغلب عليها النزعة الإقصائية.

 وكانت هذه هى المرحلة الأولية من العملية، التى قادت إلى إنشاء «فريق إعادة التأهيل الدينى» فى سنغافورة فى عام  2003. وكان لدى الفريق أحد عشر عضوًا وقت إنشائه، ووصل هذا العدد إلى ستة وأربعين بحلول عام 2019. وقد أجرى الفريق منذ تشكيله أكثر من 1,500 جلسة مشورة للمحتجزين وأسرهم.

 مع مرور السنوات، وبما أن الاستراتيجيات والتكتيكات والروايات الجهادية تتطور، كان لا بُدَّ من أن تتطور برامج إعادة تأهيل المتطرفين أيضًا من أجل التعامل مع الاتجاهات الجديدة، ومع القضايا التى لم يسبق لها مثيل من حيث النوع والكم، مثل تطرف الأفراد على الإنترنت الذين لا تربطهم علاقات رسمية أو قوية مع الجماعات الجهادية المنظمة.

 لهذه الأسباب، راجع فريق إعادة التأهيل الدينى أسسه وأدلته الإرشادية مرات عدة، وكان آخرها فى عام 2015. ونتيجة لذلك، تم التركيز على شبكة الإنترنت فى وقتٍ مبكرٍ واستمر هذا التوجه فى التصاعد. والآن يتمتع فريق إعادة التأهيل الدينى بحضورٍ قوى على فيسبوك ويوتيوب. هدف فريق إعادة التأهيل الدينى هو فهم عقلية المحتجزين، وتقديم المشورة لهم، والتأثير، حيثما أمكن، على عقلياتهم بهدف جعلهم مرشحين للإفراج عنهم وإعادة دمجهم فى المجتمع.

 وإذا كان للدين والتوعية العقائدية دورٌ رئيس، فإن سنغافورة لم تُهمل المكونات النفسية فى عمليات التطرف. وأجرى علماء النفس مقابلات مع المحتجزين لمعرفة سبب ارتكاب رجال عاديين، ليس لهم ماض إجرامى على ما يبدو، أعمال عنف باسم الدين. وفى مطلع القرن الحادى والعشرين، كانت أنشطة مكافحة التطرف العنيف غير مفهومة الى حد كبير، وهنا تتجلى النظرة السنغافورية بعيدة المدى.

 الدراسة الذى تقيم 17 عاماً من إعادة تأهيل المتطرفين فى سنغافورة، يشير مؤلفها إلى أن الدراسات الاستقصائية النفسية التى أجريت على المتطرفين تشير إلى وجود “امتثال عال، وإصرار ضعيف، وانخفاض التشكيك فى القيم الدينية، وارتفاع مستويات الشعور بالذنب والوحدة”. وخلُص التقييم إلى أنه كان لدى العديد من المحتجزين “ميلٌ مسبقٌ من الناحية النفسية للتلقين والخضوع لسيطرة قادة الجماعة الإسلامية، وكانوا بحاجة إلى شعور بالانتماء دون ارتباط وثيق”. ومن المثير للاهتمام أن علماء النفس حددوا عددًا من التحولات الإيجابية التى حدثت فى كثير من الحالات أثناء إعادة التأهيل، نوجزها فيما يلي:

1- إعادة التقييم الذاتي، بما فى ذلك قبول أنهم كانوا مخطئين فيما اعتقدوا وفعلوا.

2- إعادة تقييم البيئية المحيطة: يدركون أنهم كانوا مخطئين فى افتراض أن أعمالهم كانت مدعومة من المجتمع الإسلامي. 3- تشكيل علاقات علاجية.

4- الوعى بمسار التطرف: قبول مساره وفهمه وكيفية تعرضهم للتطرف.

5- التصحيح الأيديولوجي: إدراك أنهم كانوا يسيئون تفسير المفاهيم الرئيسة فى عقيدتهم.

6- إعادة الهيكلة المعرفية: تطوير المهارات العقلية التى تساعدهم على تجنب مجرد قبول المعلومات التى تؤكد تحيزاتهم. 7-إدارة العاطفة وتطوير النظرة الموضوعية للأمور.

  - 8 الالتزام الفردي: الالتزام بعدم الانتكاس والعودة إلى النشاط الإرهابى من خلال اتخاذ القرارات وخطط ما بعد الإفراج لإظهار عزيمتهم.

 وإضافة إلى هذه الجهود التى تبُذل مع المحتجز نفسه، تؤكد هذه الدراسة الهامة الى انه كانت هناك جهود مهمة فى إعادة الإدماج الاجتماعى لأسر المحتجزين. وكان من أبرزها الحالة العقلية لزوجة المحتجزين وأطفالهم، واحتياجاتهم العاجلة، ودورهم فى عملية إعادة التأهيل.

 وتتمثل الأولوية فى التأكد من أن التطرف والتجنيد لا يصبحان مشكلة عبر الأجيال، وأن أفراد الأسرة يتلقون، عند الاقتضاء، مشورة متخصصة. وفى الواقع، كانت هناك حالات لمحتجزين حأو لوا تلقين زوجاتهم وأطفالهم الفكر المتطرف. وفى بعض هذه الحالات، تمت الاستعانة بواعظات لتقديم المشورة لزوجات المحتجزين.

وفيما يتعلق بالرعاية اللاحقة للإفراج عنهم، يُكلَّف أيضًا مسؤول الحالة بمتابعة المحتجز السابق لضمان الامتثال لشروط الإفراج. ويتابع هذا المسؤول استمرار المشورة الدينية والمحاضرات الدينية، علاوة على أنه يساعد المحتجز فى الحصول على عمل.

 وختامًا، شملت جهود الوقاية الأوسع نطاقًا فى سنغافورة اتخاذ خطواتٍ لتثقيف المجتمع وتعزيز قيمة التسامح وفوائد العيش فى مجتمع متعدد الثقافات. علاوة على ذلك، يضطلع فريق إعادة التأهيل الدينى ومستشاريه بجهودٍ جوهرية تهدف إلى تعزيز مفهوم الوسطية الذى يحثّ عليه القرآن الكريم.