الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الروائية د.سلوى بكر فى حوار لـ«روزاليوسف»: المثقف دوره إنتاج أفكار تساعد المجتمع على التقدم وليس المعارضة لمجرد المعارضة

خارج دائرة الضوء نساء نادراً ما تراهن عينك مهمشات رغم ما يحملن على عاتقهن من مسئوليات.. بداخلهن مارد يقوم بكل الأدوار بكل التفانى وبكل الحب ومع كل اللوم وكل العواقب تصحبه اللعنات فى أوقات كثيرة بديلا عن الشكر والتقدير.. مارد قد تكون أفعاله عظيمة ولكنها لا ترى بالعين المجردة فهن على هامش الحياة..  لكنها تبنت قضيتهن وتحدثت بلسانهن وتناولت حياتهن بأسلوب أدبى سلس لا يخلو من خفة الدم واللمحة السياسية السريعة والسخرية غير اللاذعة...إنها الناقدة والروائية  سلوى بكر حصلت أعمالها على جوائز دولية عديدة منها جائزة دويتشه فيله ومؤخراً جائزة الدولة التقديرية.. كان لنا معها الحوار التالى:



■ من التجارة وإدارة الأعمال إلى الآداب والنقد المسرحى تحول من النقيض إلى النقيض؟

القاعدة فى الأسرة المصرية أن  الدراسة تستهدف سوق العمل أولا ثم تأتى بعدها الهواية فى المرتبة الثانية  وهناك نماذج كثيرة لكتاب ومثقفين وفنانين لا علاقة لدراستهم بهوايتهم الخاصة التى تميزوا فيها بالفعل وصاروا أعلاماً ، لقد حصلت بالفعل على بكالوريوس إدارة الأعمال وتخرجت فى كلية التجارة وعملت بالفعل فى هذا المجال ثم اتجهت لدراسة النقد المسرحى وحصلت على ليسانس الآداب وأخلصت لكلا المجالين.

■ كان للأسرة أم المدرسة الدور الأكبر تكوين الشخصية الأدبية لسلوى بكر المحبة للقراءة؟

المدرسة كان لها الدور الأكبر إذ كانت بالفعل المؤسسة التعليمية أنذاك تهتم بالتربية والتعليم وغرس بذور المعرفة لدى الطلاب وأخرجت العديد من الكتاب والمثقفين إلى المجتمع هم أعلام رغم إرتفاع نسبة الأمية وقتها بشكل كبير إلا أنها نجحت جذب الناس للقراءة والإطلاع فى تشكيل شخصية الإنسان المثقف فالتعليم كان يديروه مجموعة من المثقفين وليس الموظفين فحرصوا على إقامة مسابقات للقراءة الحرة وتخصيص حصص لها والمكتبات عامرة بالكتب والروايات فى جيلى قرأنا سلسلة أعمال عبد الحميد جودة السحار نجيب محفوظ العقاد إحسان عبد القدوس كاملة والإعلام وقتها كان معنى بالأدب والثقافة والفنون وليس على ماهو عليه الآن فمعظم الوسائط الحديثة جعلت القراءة تتراجع وفقاً لما تصدره لنا من أخبار وبرامج توك شو سطحية فالناس لايعنيها النميمة ليضعوا أخبارها فى الصدارة..  فى المقام الأول تراجع دور التعليم هذه الأيام وصل بنا إلى هذه الحال.

■ تجربتك الأولى مع النشر ؟

بداياتى كانت مع كتابة المقالات النقدية  للأفلام والمسرحيات، قبل أن أشق طريقى الأدبى فى فى سن الثلاثين وتحديداً فى نهاية السبعينات واوائل الثمانينات وكان النشر الأول لى  فى سلسلة آفاق 79  والتى أشرف عليها الفنان الراحل محمود بقشيش الذى أخذ على عاتقه نشر الأعمال القصصية لشباب الكتاب لترى أعمالهم النور كنت أنا واحدة من هؤلاء ومعى جمال الغيطانى وسهام بيومى وعدد من الكتاب كبير من الكتاب..  وأول مجموعة قصصية لى كانت «حكاية بسيطة»..

■ نتاجك من المجموعات القصصية كان أكبر من الروايات ونتاجك المسرحى مسرحية واحدة هل لهذا علاقة بمتطلبات السوق ودور النشر ؟

على الإطلاق نتاجى من القصص والروايات متساو ونتاجى فى المسرح كان مسرحية حلم السنين والتى صدرت عام 2002 وهى نص مسرحى لم يجسد على خشبة المسرح.. ولا علاقة بمتطلبات السوق ودور النشر فيما أكتب ولا زمن المسرحية ولا سيطرة أى منهما على سوق القراءة..  فالكتابة بالنسبة لى هى فعل ملتبس وغامض وشكل الكتابة سواء قصة رواية مسرحية تحدده الحالة أو الإلهام أو الرؤية الخاصة بى لتصل للقارئ بالشكل المنشود لا أكثر ولا أقل أما الناشر فينظر إلى العمل الأدبى من منظور إقتصادى فلو وجد الرواية الأكثر شيوعاً اتجه لها وإذا وجد القصة أكثر شيوعاً اتجه نحوها فما هى إلا مشروع تجارى ربحى يضمن له زيادة رأس المال أولا.. 

■ هل تحول النصوص الأدبية و التاريخية إلى أعمال درامية  يقلل من قيمتها وجودتها ؟

فى حالة تقديم أى عمل تاريخى على ضوء نص أدبى  لابد من الالتزام بما جاء فى النص.. أو فى حالة تقديم معالجة درامية للنص أو رؤية خاصة لابد، كلتا الحالتين مقبولتان شريطة تقديم عمل جاد وعال فنياً حتى لو قدمت الشخصية التاريخية بما فيها من نواقص بشرية ليس فى الأمر ما يعيب مادامت الرؤية جادة صادقة وعالية فنياً .

■  يرى البعض أن دور مصر الثقافى تراجع بشكل كبير فى السنوات الأخيرة والبساط سحب من القاهرة للشارقة لتكون عاصمة الثقافة العربية ؟ما رأيك؟

غير صحيح ربما تكون الإمكانيات المادية متوفرة فى بعض الدول العربية والمخصصات المالية أكبر من مصر لكن يظل النتاج الأدبى والثقافى وهو نتاج إنسانى هو صناعة مصرية فمازالت مصر تقدم منتجا ثقافيا قيما وعاليا جداً رغم محددوية الموارد المالية  فلديها قوى بشرية تتمتع بمواهب وقدرات خاصة وبمقاييس العلم الكم ينتج الكيف أى أن الثقل الثقافى لمصر والعراق وتونس والجزائر مازال حاضراً وبقوة فالمال لا يصنع شاعر أو فنان أو رسام أو أديب جيد..  المال لايخلق الإبداع .

■ رواية «العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء « هى من واقع  تجربة إنسانية استثنائية مرت بها سلوى بكر فى سجن النساء بالقناطر..  حدثينا عن تجربتك مع السجينات؟

اعتُقلت أثناء إضراب عمال الحديد والصلب سنة 1989، ولم يكن لى أى نشاط سياسى وقتها وأتيحت لى فرصة الاختلاط بالسجينات فى الجرائم الاعتيادية  إذ كنت السجينة السياسية الوحيدة بينهن، واستمعت لقصص كل واحدة منهن  ونتج عن هذه الفترة رواية «العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء»، التى تدور أحداثها فى عالم السجن النسائي، وعلاقته بوضع المرأة فى المجتمع الرواية تناولت القيم السائدة والمفاهيم داخل المجتمع التى قد تكون دافعا للجرائم كالثأر ومسئولية المرأة عن كل ما يتعلق بالحياة الأسرية وقيامها بجميع الأدوار والسهو والخطأ فى شرع المجتمع جريمة مما يدفعهن مع الوقت لارتكاب جرائم فعلية نتيجة للضغوط..  فى تلك الفترة انتشرت جرائم قتل الزوجات للأزواج وتقطيع أجزائهم وتوزيعها على أكياس القمامة السوداء ، ولقد سنحت لى الفرصة بلقاء ثلاث من هؤلاء النسوة هيئتهم الخارجية لا تنم أبداً على القدرة لارتكاب جريمة بمثل هذه البشاعة إحداهن كانت تعمل فى البيوت لمدة 18 ساعة وتعود لبيتها لتعمل أيضاً فيعتدى زوجها عليها بالضرب ويستولى على راتبها بالقوة ويطالب بحقوقه الشرعية فى نهاية اليوم ويتزوج من أخرى فقتلته، وأخرى ابنها يتاجر فى المخدرات فقررت التضحية كأى أم  وسجنت بدلا عنه ، أنا لا أضع مبررا للجريمة وإنما أضع الدوافع والظروف التى جعلت  امرأة تتخلى عن فطرتها الرقيقة وتخلع ثوب البراءة والتضحية لترتكب جريمة هم ليسوا ملائكة وليسوا شياطين هم بشر دفعتهم الظروف لارتكاب جرائم.. مشاكلنا المجتمعية تتعلق بالقيم السائدة التى تفتقر للعقل والمنطق والإنسانية .

■ نونة الشعنونة من أجمل الروايات التى تحولت درامياً والتصقت فى ذاكرة القراء والمشاهدين..  هل فكرت بإعادة التجربة مرة أخرى لباقى أعمالك ومنحها فرصة دراميا.؟

نونة الشعنونة  مجموعة قصصية صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1999 ةأشترتها منى ناهد فريد شوقى وقدمتها فى سهرة تليفزيونية.. وباقى أعمالى موجودة بالفعل المخرج أو المنتج هو من يقوم بإنتقاء مايروق له من أفكار لتقديمها دراميا أما انا فلم يتقدم لى أحد يطلب تحويل أعمال أخرى لدراما تليفزيونية.

■ شهدت مصر خلال فترة الستينات والسبعينات ما يسمى بالهروب الكبير للمدبعين المفكرين الأدباء إلى الخارج..  فى رأيك ما أسبابه؟

أستثنى فترة الستينات من هذا الوصف فقد كانت العصر الذهبى للثقافة والإبداع  فى مصر ، أما فترة السبعينات فهى بالفعل شهدت خروج العديد من الكتاب والأدباء فى تلك الفترة خارجها وأنا لم أكن منهم بالمناسبة  ، بسبب سياسة الانفتاح وزيارة الرئيس السادات للقدس مصر وقتها تبدلت فأثر العديد من المبعدين الابتعاد قدر الإمكان .

■ هل نجح النتاج الأدبى فى تلك الفترة فى أن يعكس الأوضاع السياسية فى مصر فترات الثورات والحروب ؟

الإبداع منذ السبعينات شاهد مواكبة كبيرة للأحداث فى مصر تطورها وتصاعدها على سبيل المثال أعمال نجيب محفوظ فى تلك الفترة «تحت المظلة» و»المذنبون» وغيره من مبدعي الكتابة فى مصر شهدت وقتها زخما معبرا عن الحياة الاجتماعية والسياسية والأوضاع فى مصر وما مرت به من ثورات وحروب ، والآن أيضاً يمكن القول إن الكتابة الأدبية ذهبت إلى مناطق بعيدة لم يتسن للرواد الوصول إليها من قبل الأجيال الشابة ولهم إبداعات أدبية مدهشة .

■  فلماذا إذا يهرب شباب الكتاب من النقد فى رأيك عكس الأجيال السابقة لهم كانت تنتظر النقد لأعمالهم بفارغ الصبر؟

الشباب لهم العذر فيما يعتقدون ففى الماضى كان من يشرف على الصفحات الثقافية  نقاد أكاديميين ومفكرين كبار مثل لويس عوض فى الأهرام الذى شهد الخلاف بين صلاح عبد الصبور والعقاد على صفحات الأهرام..  أما الآن أصبح مشرفو الصفحات الثقافية فى الصحف القومية والخاصة غير متخصصين فاختلفت طريقة العرض وحياديته وتخصصه ، والمجلات المتخصصة القائم عليها أكاديميون ولكن جمهورها محدود فهى مجلات من المثقفين للمثقفين بينما الصحف أو الوسائط الإلكترونية فهى أكثر انتشاراً ولها جمهور عريض.. فصار الشباب لا يكترثون للنقد الأدبى لأعمالهم .