الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 65

لغة الجينات 65

اختلال التوازن بين الجوهر والمظهر، أو بين المضمون والشكل؛ العبادات والمعاملات، السر والعلن، القلوب والأبصار، الروح والجسد، القشور والمقاصد، المبادئ النظرية والسلوك العلمى دليل قاطع على الجينات الخبيثة .



أصحاب الجينات الأصلية ليس لديهم هذا التباين ما بين الجوهر والمظهر، ظاهرهم، كباطنهم.. معدنهم يعبر عن أصالتهم التى لا تتغير بتغير الأحوال والنفوس والظروف .

أصحاب الجينات الخبيثة حياتهم سلسلة من المظاهر الخادعة ،يسعون لإخفاء ملامح قبحهم بعمليات تزييف وتزوير مكلف ومتكلف... لايملأ عيونهم إلا التراب كما يقول المثل الشعبى. فى الظاهر أمام الناس تراهم ملائكة، يرتدون مسوح الحكمة والرشاد ..وفى الباطن شياطين تسير على قدمين.. يعيثون فى الأرض فساداً، موهوبين فى أخذ الحقوق مع تسويف واضح فى أداء الواجبات.

أصحاب الجينات الخبيثة يتفننون فى تصعيب حياة الناس، فى الظاهر يرفعون شعار الأخلاق والأصول والواجب، مثل أصحاب جحا الذين رأوه يركب هو و ابنه حمارا .

فى الظاهر لاموا الرجل على عدم رحمته بالحيوان، فأركب ابنه وسار هو.. فلاموا الابن لعدم بره بوالده، فركبا معا.. فاتهموهما بعدم الرفق وقسوة القلب والغلظة، هبطا وسارا بجوار الحمار.. فاتهموهما بالجهل والغباء لعدم استفادتهما من وجود دابة معهما ....حمل جحا حماره ليرضى أصحاب الجينات الخبيثة فاتهموه بالجنون!

أصحاب الجينات الأصلية فى الظاهر والباطن لايسعون لإرضاء الناس، يفعلون مايمليه عليهم النور بداخلهم ضمائرهم اليقظة حتى لوخسروا كل شىء.. فهدفهم أنبل وأعظم من إرضاء أصحاب الجينات الخبيثة.

«فاطمة اليوسف» الشهيرة باسم روزاليوسف واحدة من أصحاب الجينات الأصلية الذين صنعوا مجدهم بيديهم.. فى الظاهر فنانة موهوبة عشقت الصحافة فصنعت روزاليوسف لتخلد اسمها.. وفى الباطن لم تكن مجرد صاحبة مجلة، وإنما كانت ثورة مثل ثورة 19، فقد وقفت رأسًا برأس أمام رؤساء الحكومات، وحين أغلقوا لها مجلة فتحت غيرها فى أيام، ولم تخشِ أن تخسر أموالها أو تدفع حياتها ثمنًا لأفكارها، بل باعت ملابسها من أجل أن تنفق على حلمها فى مجلة تبقى خالدة، لا يهزمها الزمن... أشعلت ثورة صحفية، وثقافية، وأثبتت أن المرأة ليس من حقها أن تعمل فقط، ولكن من حقها أن تكون هى صاحبة العمل.

«روزاليوسف « فى الظاهر امرأة جميلة مثقفة ودودة.. وفى الباطن تمتلك صلابة تفوق صلابة مئات الرجال.. قوية لدرجة أن تخرج بنفسها لتواجه متظاهرين من أعضاء حزب الوفد نظموا وقفة أمام مقر روز اليوسف للتنديد بسياستها التى تهاجم الحزب الذى ساندته فى البداية عندما كان يقف ضد الإنجليز ويقوده سعد زغلول مطالبًا بجلاء الاحتلال .

فى الظاهر كان أعضاء حزب الوفد يهتفون ضد روزاليوسف.. وفى الباطن يخططون لحرق المجلة.. امتلكت شجاعة الخروج من مكتبها... وواجهت المتظاهرين. وناقشتهم فى أسباب موقفهم ... وذكرت لهم ما قامت به المجلة من أدوار وطنية ضد المحتل البريطاني، فإذا بالمتظاهرين ينصرفون شاعرين بالخجل.

«روزاليوسف « فى الباطن كانت تمتلك فى شخصيتها قوة استطاعت بها أن تتحدى كل السلطات، سواء رموز الاحتلال البريطاني، أو الملك أوالفاسدين أو رؤساء الأحزاب الذين خططوا كثيرا لهدمها والقضاء عليها وعلى مجلتها الثائرة التى حملت اسمها... سجنوها أحيانا وصادروا لها المجلات مرات وقدموها للمحاكمة هى وابنها إحسان عبدالقدوس أكثر من مرة.. لم تستسلم واستمرت .

حتى بعد ثورة 23 يوليو ..ورغم أن إحسان دافع عنها بقوة، وكان يرى أن الثورة تحتاج إلى الدعم، لكن فى العام التالى تم القبض عليه وسجنه بسبب مقال أسماه»الجمعية السرية التى تحمي مصر «لم تبكِ الأم على ابنها بقدر ما دعمته، وأخبرته أن هذه هى ضريبة الكلمة الحرة.

«روزاليوسف « فى الظاهر لا تحمل شهادة مدرسية ولا مؤهلاً علمياً، وفى الباطن هى التى أخرجت جيلاً كاملاً من الكتاب السياسيين ومن الصحفيين، هى أرشدت أقلامهم، وهى التى وجهتهم... وهى التى بثت الروح فيهم... شخصية من الصعب التنبؤ بقراراتها، ففى الوقت الذى خرج فيه نجم روزاليوسف المتوج محمد التابعى من المبنى تاركًا العمل فى روزاليوسف ،مصطحبًا مصطفى أمين وعلى أمين وصاروخان وغيرهم. كان الجميع يتوقع أن تنهار المجلة، ولكن على العكس تماما، قررت روزاليوسف إصدار صحيفة يومية إلى جانب المجلة الأسبوعية، إيمانًا منها أن مجلة روزاليوسف لا تتأثر بخروج أحد ما دامت روح روزاليوسف ذاتها مازالت بداخلها... فهى صانعة النجوم وصاحبة الفضل على الجميع .

تحمّلت «فاطمة اليوسف» السجن والاعتقال فى سبيل إعلاء كلمة الحق والصمود فى وجه الفساد والظلم. وقامت بإصدار جريدة روز اليوسف اليومية، كى تبرهن أن روز اليوسف راسخة لا تضعف... وصفها من كان يعرفونها بـ«أنها هادئة يحمرّ وجهها خجلاً كلما سمعت عبارات ثناء أو مديح، كانت تعشق العزلة لتحاور ذاتها وتتأمل الأشياء بلا أقنعة ولا قيود ومع ذلك تصبح أعنف من العاصفة ويزلزل صوتها الحنون مكاتب المحررين وعنابر المطبعة من حولها إذا طرأ طارئ فى العمل، فقد كانت قوية إلى حد القسوة، وجريئة إلى حد التهور». أعلم أن الباحثين عن وسيلة لإرضاء الناس فى الظاهر قد يكونون أشد خطرا على الجميع فى الباطن

وأعلم أن أهميّة جوهر الإنسان تأتى من أنّها تحدّد شخصيّته فى الحياة وطريقة تعامله مع النّاس ومدى انضباطه والتزامه بالقيم والمبادئ والأخلاقيات.. ألم أقل لكم أن لكلّ إنسانٍ معدنه الذى يعبّر عن أصالته التى لا تتغير بتغير الأحوال والظروف.

فلا تنخدعوا بالشكل الظاهر، ولا يغركم كيف يقدم بعض البشر أنفسهم للمجتمع، فهناك الكثيرون ممن نحترمهم «من بعيد»، لكن حينما «نقترب منهم» تتكشف لنا «المظاهر الخداعة والزائفة».